عراقيون ولدوا في يوم واحد
    الجمعة 3 يوليو / تموز 2015 - 15:48
    كاظم فنجان الحمامي
    مرت يوم أمس الذكرى السنوية لميلاد ملايين العراقيين، الذين توحدت مواليدهم في اليوم الأول من شهر تموز (يوليو)، وتم تثبيتها رسمياً في قيودهم وسجلاتهم الموثقة في دوائر النفوس التابعة لمديرية الأحوال المدنية. بمعنى إن برج السرطان هو القاسم المشترك الوهمي لجمع غفير من أجيال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات. جمعتهم جداول الحملة الإحصائية للسكان في حقل وطني واحد، فتوحدوا على اختلاف مناطقهم وطوائفهم وعشائرهم قبل أن توحدهم الحكومات التي لا شأن لها بالسكان. ثم جاء تشكيل أول حكومة محاصصة في مثل هذا اليوم بالذات من عام 2004، وهو اليوم الذي أدت فيه اليمين الدستورية بمباركة الأمريكان وبتأييد مطلق من عفاريت الجان. كان فيها (أياد علاوي) رئيسا للوزراء، و(غازي عجيل الياور) رئيسا للجمهورية. والعجيب بالأمر أن الرئيس العراقي الأسبق (أحمد حسن البكر) للمدة من 1968 إلى 1979، هو أيضا من مواليد هذا اليوم من عام 1914. والأكثر غرابة أن الحكومة البريطانية صادقت في مثل هذا اليوم على وثيقة استقلال العراق عام 1930، وسلمتها إلى الملك فيصل الأول. لكنها منحت العراق استقلالا رمزياً أكثر منه استقلالا حقيقياً. فكان من الطبيعي أن تتعالى أصوات الخلاص من التبعية البريطانية، فانطلق صوت الشعب من الإذاعة العراقية صباح الأول من تموز عام 1936.
    ألا يفترض أن يكون هذا اليوم هو العيد الوطني للعراق، على اعتبار أنه يمثل اليوم الوطني الرسمي لأعياد الميلاد لأكثر من ثلث الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه، ثم ما الذي يمنعنا أن نحذو حذو (كندا) التي اتخذت منه عيدا وطنيا لها، وهو اليوم الذي وقعت فيه على وثيقة توحيد ولاياتها عام 1867، وهو أيضا اليوم الوطني لجمهورية (غانا)، التي نالت استقلالها من التاج البريطاني عام 1957.
    من نافلة القول نذكر: أن عام 1957 نفسه هو العام الذي أجرت فيه دائرة النفوس العامة تعدادها السكاني، الذي كان أقرب إلى الواقع، لأنه كان يعكس الواقع الحقيقي لتوزيع السكان حسب مناطق سكناهم، ولم يزل حتى يومنا هذا هو التعداد الأصح، وسجلاته هي سجلات الدولة الأساس، وقد بلغ تعداد نفوس العراق فيه ستة ملايين، و(538) ألفاً، و(199) فرداً، منهم مليونان و(294) ألفاً من الذكور، والباقي من الإناث. يمثلون الجيل الذي تحمل وزر مصائب العراق، وتقلباته الكارثية، وتحملوا ويلات الحروب والمعارك، فكانوا هم الوقود البشري لسلسلة متوالية من النكبات والمنغصات. ولم يبق منهم إلا القليل. فكانت مواليدهم المشتركة في الأول من تموز هي القناديل التي أضاءت سماء العراق بالنور والعطاء الدائم. وهو اليوم الذي يستحق أن يكون هو اليوم الوطني، الذي ستتفاخر به الأجيال في السنوات القادمة، لأنه كان اليوم الذي توحد العراقيون كلهم في سجلاته، التي لا علاقة لها بالسياسة، ولا علاقة لها بالباحثين عن الرياسة. يوم اجتمع فيه العراقيون بميلاد واحد، وبهوية وطنية واحدة، ويوم نال فيه العراق استقلاله. ألا يستحق مثل هذا اليوم أن يكون يوماً وطنياً للعراق كله ؟.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media