لقد كان تحرير الرمادي في الأيام الأخيرة من عام 2015 لحظة نجاح نادر في العراق، وأعطت العراقيين فرصة لدراسة ما يصلح وما لا يصلح القيام به في القتال ضد الدولة الإسلامية، وقد ولد هذا النجاح أيضاً زخماً ينبغي لنا الاستفادة منه إذا كنا نريد حقا أن نطرد المجموعة الجهادية من الأراضي العراقية، بما في ذلك من مدينة مهمة مثل الموصل، واتخاذ الخطوات الأولى نحو مصالحة حقيقية في بلدنا.
لقد نجحت العملية في الرمادي لثلاثة أسباب، فقد كانت الضربات الجوية الأمريكية والمشورة العسكرية والاستخباراتية مفيدة، وأثبت التعاون بين الجيش العراقي والحكومة المحلية في محافظة الأنبار فعاليته أيضاً، وعلى الرغم من ذلك، كان العنصر الحاسم هو الاستفادة من إمكانات العشائر السنية والمجتمعات المحلية في المنطقة، وهذا الذي ساعد على طرد الدولة الإسلامية، ولقد أحيا هذا الأمل لدى العراقيين بأننا، بمساعدة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قادرون بالفعل على ارجاع مدننا.
لقد كسر تحرير الرمادي طريقة القيام بالعمليات السابقة، التي قامت خلالها الميليشيات الطائفية غير المشروعة التي تحصل على الرواتب الحكومية كجزء من "قوات الحشد الشعبي” بإجتياح المدن والقرى التي تم تحريرها والقيام بأعمال قتل انتقامية وتدمير المنازل والمساجد، وقد وثقت منظمة العفو الدولية وغيرها من الجماعات تلك الفظائع، فقد منع الكثير من الناس في محافظات صلاح الدين وديالى التي استعيدت من الدولة الإسلامية في العام الماضي من العودة إلى ديارهم وأجبروا على العيش في مخيمات مؤقتة.
وفي مدن مثل المقدادية في محافظة ديالى قرب الحدود مع ايران، استخدمت الجماعات المسلحة محاربة الدولة الإسلامية كغطاء لشن حملة بشعة من التطهير العرقي التي سببت بنشوب معارك متكررة وأعمال العنف تستمر حتى اليوم. كما ووسع هذا الصراع الفجوة بين الناس الذين يعيشون في تلك المناطق المحررة حديثاً والحكومة في بغداد، وقد فشلت الحكومة ليس فقط في منع تلك الفظائع من الحدوث، ولكنها لم تكن قادرة على احتواء حجم الضرر أو تقديم الميليشيات المسؤولة إلى العدالة. تتسائل العوائل النازحة من قبل الميليشيات الطائفية عما إذا كان سيتم تعويضهم عن تدمير ممتلكاتهم والخسائر في أرواح المدنيين والموارد الاقتصادية، وإذا ما أريد لتلك المناطق ذات الغالبية السنية أن تظل منيعة ضد هجمات الدولة الإسلامية في المستقبل فإنها ستحتاج إلى التعافي اقتصادياً، وهذا سيتطلب مساعدة بغداد.
كانت عملية استعادة السيطرة على مدينة الرمادي مختلفة لأن الشعب وعشائر الانبار تعاونوا مع الحكومة المحلية، فقد كانوا يحرسون أسرهم وممتلكاتهم وألقوا القبض على الإرهابيين الذين حاولوا الهرب، وقد تمكنوا من الحفاظ والسيطرة على البلدات والقرى المحررة، كما وساعدوا ايضاً في اعادة الخدمات الأساسية للأسر العائدة، وفي محافظة الانبار الشاسعة التي تقع على الحدود مع سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية وتغطي ما يقرب من ثلث العراق، تمثل العشائر السنية والسكان المحليين مفتاح الاستقرار على المدى الطويل.
يقف العراق على مفترق طرق الان، إذ يمكننا الرجوع إلى استراتيجية فاشلة والسماح للميليشيات الطائفية بمحاربة الدولة الإسلامية ومن ثم ارتكاب فظائع ضد المدنيين، أو يمكننا أن نبني على نجاح الرمادي كنموذج، في الوقت الذي ننظر فيه نحو تحرير الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، فإننا نواجه خياراً قاسياً، إذ يبلغ عدد سكان الموصل أكثر من مليون شخص ومعظمهم من السنة، وإذا ما أطلقنا العنان للميليشيات الطائفية ستكون هناك أزمة إنسانية وموجة نزوح على نطاق واسع، وسيفر المدنيون من الفوضى وستسفك الدماء من قبل الارهابيين والميليشيات، وسيتجه العديد منهم شمالاً نحو تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومن الممكن ألا يكون المجتمع الدولي قادراً على احتواء موجة نزوح كهذه.
وسيكون البديل هو في البناء على زخم الرمادي، إن الكفاح من أجل الموصل صعباً حتماً، ولكن يمكننا النجاح، وبالطبع، نحن بحاجة إلى الالتزام السياسي والمساعدات العسكرية المحدودة من المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن من المهم أن نعبئ القوى السنية المحلية والعشائرية كما فعلنا في الرمادي، وعلى القوات الكردية المتمركزة إلى الشرق والشمال والغرب من المدينة دعم العملية أيضا والمساعدة في تأمين تلك المناطق.
بمجرد استعادة السيطرة على الموصل، سيكون علينا العمل على كيفية توزيع مسؤولية الحكم وتوفير الخدمات لهذه المحافظة الشاسعة، وينبغي الترحيب بعودة مختلف الجماعات العرقية والدينية من المنفى في تركيا وسوريا وكردستان العراق الى محافظتهم تحت مراقبة حكومة محلية شاملة.
ونحن نعتقد بقوة أن عملية المصالحة في العراق تقوم على ثلاث أولويات: تحرير أرضنا من الدولة الإسلامية، وإعادة الإعمار، والمصالحة الوطنية، وقد أظهرت الرمادي لنا بأن هذا هو الطريق الصحيح للتقدم الى الأمام بالنسبة للعراق، والأمر متروك لنا لاختيار هذا.