مقدمة :
لجنة اللورد (جون تشيلكوت) التي تشكلت عام 2009 بقرار من رئيس وزراء بريطانيا يومها (جوردن براون), نشرت بالأمس 6 يوليو 2016 التقرير
النهائي للتحقيق في حرب العراق!
هذا التقرير يضم مليونين و600 ألف كلمة ,صادر من لجنة تحقيق بريطانية مستقلة رفيعة المستوى مكونة من خمسة أفراد (أربع لوردات وبارونة)، مختصة بموضوع مشاركة بريطانيا في حرب تحرير العراق . لكن هذا التقرير لا يُمثّل حُكماً قضائياً!
ملخص التقرير أنّ عملية غزو العراق تمّت قبل استنفاد كلّ الخيارات السلميّة!
وأنّ توني بلير بالغَ حينها في تقدير حجم قدرته للتأثير على القرارات الأمريكية في العراق .
وأنّ علاقة بريطانيا مع الولايات المتحدة لا تتطلّب دعما غير مشروط.
ويعرض التقرير لحيثيات الحرب ,كما وزّع المسؤولية على جهات عدّة منها فشل إستخباراتي بريطاني وبرلمانيين وقفوا مع بلير في قراره!
الشخص الأوّل المَعني بهذا التقرير هو بالطبع رئيس الوزراء البريطاني في تلك الفترة (توني بلير)، الذي لم يتنصّل كما يفعل (العربان)، كان كبيراً كالعادة فقال :إنّها مسؤوليتي ,نعم أنا المسؤول الأوّل!
أرضى بتحمّل كامل المسؤولية عن هذا القرار دون إستثناء دون أعذار!
وأضاف :لا توجد كلمات تعبّر عن مدى مشاركتي لآلام وأحزان أولئك الذين فقدوا أحبّتهم في العراق!
ثمّ أسفَ (لكنّهُ لم يعتذر أو يُعلن ندمه) على حربٍ لم تُحقّق المأمول منها!
***
السؤال المهم :لماذا فشل مشروع تحرير العراق من صدّام حسين؟
مثل هذا السؤال يدور على ألسنة أعداء الديمقراطيّة في كلّ مكان وخصوصاً البعثيين الدواعش !
لأنّه في الواقع لم يفشل مشروع تحرير العراق !
فهناك حكومة منتخبة ديمقراطياً، وبرلمان، ومشاركة من كلّ مكوّنات الشعب العراقي في السلطة، وآلاف المنظمات الاجتماعية وحرية التعبير...الخ !
فالمعركة لم تنتهي بعد لنحكم عليها بالفشل !
وعلى العراقيين أنفسهم الذين يشعرون بالندم والأسى والفشل ,أن يبحثوا عن جواب علمي مقنع لهذا السؤال!
شخصيّاً لستُ مستغرب من تقرير يصدر عن لجنة مستقلة رفيعة في أعرق ديمقراطية في العالَم ضدّ رئيس وزرائهم الأسبق!
لكنّي أحتقر بشدّة الى حدّ القرف ,موقف جميع الساسة العراقيين الذين قبّلوا أقدام الإنكليز والأميركان وغيرهم سنين طوال، كي ينالوا وعداً بتلك الحرب .ثمّ ما لبثوا أن تنصّلوا منها جملةً وتفصيلا، بعد ظهور المصاعب لأسباب عديدة، أهمّها سلبية العراقيين أنفسهم وفساد غالبية ساستهم قديماً وحديثاً ! وتكالب الحكومات الإقليمية خوفاً من عدوى الديمقراطية التي تقّض مضاجعهم كما نعلم جميعاً !
في الواقع لا يوجد على ظهر الكوكب إنسان علمي محايد ,لا يُدرِك أنّ أغلب الفشل الذي تلى عمليّة تحرير العراق من صدام حسين سببه العراقيّون أنفسهم وطائفيتهم المقيتة، ,المزروعة أصلاً في نفوسهم لأسباب عديدة (ذكرها العلامة علي الوردي كثيراً في كتبه) ,لكن نمّاها بشدّة صدام نفسه خلال سنين حكمه الـ 35 السوداء!
لستُ هنا بصدد مقارنة العراق بألمانيا واليابان بعد تحريرهم من الديكتاتورية العسكرية ,فتلك ستكون مقارنة ظالمة نظراً للفارق الهائل بين ثقافة الشعوب!
إنّما أوّد التذكير ببلد (بائس) في آسيا حرّرت أمريكا جزئه الجنوبي هو (كوريا الجنوبية) التي أصبحت اليوم قوّة إقتصادية عالمية ,بينما بقي الجزء الشمالي تحت نير الديكتاتورية والعقيدة الشمولية لعائلة (كيم إيل سونغ) ,ومازال شعبه يُعاني من الظلم والقهر وشظف العيش !
***
أبرز النقاط في حديث بلير في مؤتمره الصحفي يوم أمس 6/7/2016:
أعلن عن أسفه بإستخدام معلومات إستخبارية لم تكن موثوقة جداً .
لكنّه طلب من الجميع عدم لوم القوات المسلحة أو البرلمانيين والساسة الذين أيّدوا قراره في حينها!
وأضاف :أرجو التوقف عن وصفي بالكذب وأنّه كانت لي أغراض خبيثة
مازلتُ أعتقد بأنّي إتخذتُ قراراً صائباً وبنوايا سليمة (in good faith) وأنّ العالَم أفضل بدون صدام حسين!
كما لا يمكنني قبول فكرة (أنّ جنوداً قتلوا في العراق بلا أدنى جدوى)!
أو (لو أنّنا تعلمنا الدروس الصحيحة فالجيل القادم سيعيش أفضل في الشرق الأوسط)!
***
الخلاصة :
يقول الصديق الأستاذ (د.عبد الخالق حسين) في رسائل متبادلة بيننا بهذا الخصوص ما يلي :
أشاركك مشاعرك إزاء توني بلير .إنّهُ أعظم سياسي بريطاني بعد ونستون تشرتشل!
لقد أصرّ تشرتشل على معارضة (هتلر) عندما قام الأخير بغزو بولندا وتحمّل شعبه الكوارث في الحرب العالمية الثانية .دفعت أوربا أكثر من 50 مليون قتيل ومئات المُدن سوّيت بالأرض .فهل كان تشرتشل على خطأ ومجرم حرب؟
علماً بأن صدام حسين أسوأ من أدولف هتلر بكثير، لقد أوصل صدام الشعب العراقي إلى الحضيض .فخلف مليوني قتيل في حروبه العبثيّة على الدول المجاورة، وغزا الكويت الجريمة التي جعلت الأمم المتحدة تفرض على العراق الحصار الإقتصادي، وعائلته المُستهترة تتصرف بحكم العراق كما لو لكان إقطاعية، و5 ملايين مشردين في الخارج وأكثر من 400 مقبرة جماعية، وقتل أكثر من 300 ألف من سكان الوسط والجنوب في انتفاضة 1991، واستخدم الغازات السامة ضد شعبهِ في كردستان وضد عرب الأهوار، إضافة إلى الأنفال، وإنهيار اقتصادي تام حيث وصلت قيمة الدينار دون قيمة الورقة التي طبع عليها، وقائمة الكوارث تطول.
ألا يستحق هكذا نظام أن يتغيّر بالجزمة (على حدّ تعبير الاحبّة المصريين) ؟
وهل كان بالإمكان تغييره بالوسائل السلمية؟
هل كان بإمكان الشعب العراقي تغييره بقواه الذاتية، خاصة وقد حاول مراراً وفي كل مرة تنتهي المحاولة بالمقابر الجماعية وآخرها كانت إنتفاضة آذار 1991 المشار إليها أعلاه؟
***
من جهة ثانية فإنّ كاتباً عراقياً محترماً إسمه (حيدر الخوئي)، نشرَ يوم 6/7/2016 بالتزامن مع نشر تقرير تشلكوت، مقالاً في الغارديان (الرابط أدناه) يقول فيه:
إنّ العراق كان مُقبلاً على الفوضى سواءً بمشاركة بريطانيا في الحرب أو بدونها !
وكمواطن بريطاني من أصل عراقي، أتطلّع الى معرفة المزيد عن تقرير تشيلكوت لأفهم لماذا بلدي (الثاني) بريطانيا غزا بلدي (الأوّل) العراق؟
***
على كلٍ مَن يعرف الشعب العراقي عن كثب سيفهم ما أقوله عن سلبياتهم العديدة (ومنها نكران الجميل)!
يقول فريدريك نيتشه في هكذا تكلّم زرادشت:
"إنّ الأعمال الفاضلة الكبرى لا توّلِد الإعتراف بالجميل، إنّما التعطّش للانتقام"
تحياتي لكم
رعد الحافظ
7 يوليو 2016
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
الرابط 1/ من الـ BBC ـ تقرير تشيلكوت: لمحة على النتائج
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160706_chilcot_report_results_at_glanceالرابط 2 / مقال حيدر الخوئي في الغارديان يوم أمس !
Hayder al-Khoei: Iraq was destined for chaos – with or without Britain’s intervention
https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/jul/06/iraq-war-saddam-monster-chaos-britain-chilcot-report