إعلامي.. رئيس وكالة سارابريس الإخبارية
كان الإستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من الشهر الماضي للإنفصال وتأسيس الدولة الكردية هو أكبر "إستحمار" للشعب الكردي.. فالهدف الحقيقي كان واضحا منذ البداية وهو إستغفال الشعب وإشغاله بمعركة جانبية جديدة لكي ينسى المشاكل والأزمات السياسية والمعيشية الخانقة التي تسبب بها حكم آل بارزان وسياساتهم الفاشلة بكردستان. وأوضحت في مقالات سابقة أن مسعود البارزاني يريد من وراء إثارة هذه النعرة القومية المتعصبة أن يديم حكمه الدكتاتوري بإستغفال الشعب بأنه تحول الى بطل الإستقلال وينبغي للشعب الكردي أن تجدد ولاياته غير القانونية الى حين يحقق لهم هذا الهدف، ثم مبايعته الى آخر العمر بإعتباره باني الدولة الكردية الحديثة، ثم توريث الحكم لأولاده وأحفاده من بعده.
وهناك طبعا أهداف مضافة أخرى لذلك الإستفتاء منها، جر القيادات والأحزاب السياسية بكردستان الى صفه على أساس أن ما يقدم عليه هو تحقيق لحلم كردي أزلي وقد نجح في ذلك بإستحمار بعض القيادات الكردية. ثم إستغلال هذه القضية كورقة ضغط ضد الحكومة الإتحادية لإنتزاع المزيد من المكاسب الحزبية في حال ظهرت ردود فعل دولية ضد الإنفصال.
ولا أدري لماذا الفأر يلعب في جيبي ويأخذني لفكرة أن كل ماجرى له علاقة بقضية طرد خاله هوشيار زيباري ذليلا من منصبه ببغداد، فلو دققنا النظر بطبيعة مسعود البارزاني العشائرية فإن طرد زيباري يعتبر في العرف العشائري أكبر إهانة توجه الى رئيس العشيرة، كما يجب أن لانغفل بأن معظم عداوات مسعود البارزاني هي لأسباب شخصية بحتة وليس لقضايا سياسية. وهو مستعد دوما للتضحية بشعبه من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية والحزبية.
أثناء مرحلة الدعاية للإستفتاء لمسنا كما هائلا من الأكاذيب والدجل والخداع الذي تعرض له الشعب، وبأن الدولة ستتشكل بمجرد توجه الشعب الى الإستفتاء في الخامس والعشرين من أيلول، وبأن الوقت قد فات للتفاوض مع بغداد، وبأن الضغوطات الدولية والإقليمية سوف لن تؤثر على عملية الإنفصال، وما الى ذلك من خزعبلات جهلة السياسة والإعلام، حتى أن قاضيا من قضاة كردستان دفعته الحمية القومية في ظل تلك المهاترات الى أن يتوجه للجبال ويقسم بأنه لن ينزل منها إلا بعد إعلان الدولة الكردية المستقلة، واليوم يهيم بين تلك الجبال وقد طالت لحيته ينتظر البشرى من مسعود البارزاني لإعلان الدولة الكردية!..
قبل يوم واحد من الشروع بالإستفتاء قال البارزاني مخاطبا شعبه، أن الضغوط الدولية والإقليمية كثيرة، ولكني سأمضي في الإستفتاء مهما كلف الأمر، فإذا نجحت فبها، وإلا فليتركوا شعبي ويحاسبوني شخصيا. وها جاء يوم الحساب وآن الاوان ليلتزم بكلمته.
بمجرد خطوة واحدة من الحكومة الإتحادية بغلق أجواء مطاري أربيل والسليمانية إرتبكت أحوال الناس، والتلويح بغلق الحدود الدولية والسيطرة على تصدير النفط الى تركيا أوقع السلطة الكردية بورطة لا مخرج منها، والإجراء الذي قصم ظهر البارزاني هو ملاحقة أمواله المسروقة والمودعة ببنوك العالم، ولذلك وجدناه وقياداته يركعون أمام الوسطاء لكي يخرجونهم من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه.
إن مشكلة إقليم كردستان وشعبه تنحصر فقط بقيادة مسعود البارزاني، وهو الذي وعد مرارا وتكرارا بأنه سوف يتخلى عن منصبه كرئيس منتهي الولاية، وقال بأنه مستعد لتسليم السلطة الى من ترشحه الأحزاب السياسية وكأن المنصب يباع ويشتري في سوق مريدي، وأنه لاحاجة للإجراءات القانونية التي تحدد كيفية إنتقال السلطة منه الى غيره. كما أنه قال مرارا بأنه يفضل حياة البيشمركة على العيش داخل قصره الرئاسي الذي كلف ميزانية الإقليم بحدود 200 مليون دولار. ولو كان صادقا في كل ماقاله سابقا ، فقد آن الأوان لكي يريح ويستريح ويعلن فشله في تحقيق أهداف الشعب بالإستقلال والإنفصال. فكل القوى السياسية العراقية والأطراف الإقليمية ومعها الأطراف الدولية باتت تعرف تماما بأن أس المشكلة في إقليم كردستان هو الحكم الدكتاتوري لمسعود البارزاني الذي يتلاعب بالمشاعر القومية للشعب، وبأن هذا الإقليم لن تقوم له قائمة بوجود آل بارزان على دست الحكم، وأنه لترسيخ الديمقراطية الحقيقية ينبغي تحجيم دور هذه العائلة التي لم يجن منها الشعب الكردي سوى المزيد من الدمار والخراب والتبعية لمصالح الجوار وخيانة الشعب.
إن بيت الدكتاتور هو أوهن من بيت العنكبوت، فإحراق البوعزيزي لنفسه في الشارع أحدث ثورة عارمة أذنت بالربيع العربي، وقتل خالد سعيد أطلق العنان لغضب الشارع المصري، وقبلهما أدى مقتل أرشيدوق النمسا الى إندلاع الحرب العالمية الأولى، فمن الشرارة يندلع اللهيب، وغضب الشعب الجائع والمحاصر سيتحول يوما الى بركان. فهل سيتعظ مسعود البارزاني من دروس من سبقوه من الحكام الدكتاتوريين ويتخلى عن السلطة ليقرر الشعب الكردي مصيره بنفسه وليس بالإستحمار والإستغفال؟. هذا ما ننتظره في قادم الأيام التي ستكون حبلى بمفاجئات غير سعيدة لآل بارزان.