لو نقرأ تاريخ العراق المعاصر، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ولحد الآن، وما حصل من صراعات وأحقاد طائفية وعنصرية بين مكوناته، لا بد و أن نستنتج أن أفضل حل للمشكلة العراقية المزمنة المعوِّقة لتقدمه واستقراره، وازدهاره، هو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، أو كانتونات، واحدة للشيعة، وثانية للسنة، وثالثة للكرد، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال. والجدير بالذكر، أن الدولة العراقية بحدودها وخارطتها الحالية، قد تم تأسيسها وفق اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، التي "كانت اتفاقا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى." ولكن المشكلة أن هذه الاتفاقية التي يشتمها أغلب المثقفين والسياسيين العرب، ويحمِّلونها كل مشاكل المنطقة، نراهم في نفس الوقت يرفضون بشدة الخروج عليها.
وحسب هذه الاتفاقية وقع ظلم فاحش على الكرد بحرمانهم من تأسيس دولتهم القومية آنذاك أسوة ببقية القوميات الأخرى في المنطقة، وذلك بسبب تضارب مصالح الأقوياء من وجود دولة كردية، فتم تقسيم الشعب الكردستاني على أربع دول: إيران، وتركيا، والعراق وسوريا. ولكن، لو ألقينا نظرة تأملية فاحصة، ومنصفة، لتوصلنا إلى استنتاج مفاده أنه في تلك الظروف وحتى الآن، لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، أو أفضل مما حصل كما سنوضح ذلك لاحقاً.
وبالطبع لم يسكت الشعب الكردي على ما ناله من ظلم وحيف، إذ قامت حركات وثورات من قبل الكرد في إيران، والعراق وتركيا، وأخيراً في سوريا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، ولكن كلها باءت بالفشل والكوارث على الشعب الكردي وشعوب المنطقة. ومن الانصاف القول أن كرد العراق حققوا لهم مكتسبات لم يحققها أشقاؤهم في البلدان الثلاث الأخرى، وخاصة بعد 2003، حيث لعب قادة الكرد دوراً فعالاً في تشكيل الحكومة، وكتابة الدستور، حققوا كل ما كانوا يطمحون إليه بأن يكونوا شركاء حقيقيين في الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية الجديدة.
كما أثبت التاريخ أن الدمج القسري لكردستان العراق بالدولة العراقية جلب الكثير من الكوارث على الشعبين العراقي والكردي منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن. لذلك قد يبدو على السطح أن الطلاق في هذه الحالة هو أفضل حل، ولكن كما حصل بعد الاستفتاء الذي أصر عليه السيد مسعود بارزاني، الرئيس غير الشرعي للإقليم، أنه غير دستوري، ورغم تصويت غالبية المشاركين لصالح الانفصال والاستقلال، إلا إنه بات واضحاً للجميع أن الانفصال غير ممكن لأسباب محلية وإقليمية ودولية، وجغرافية، رغم أن العراق سيكون المستفيد الأكبر والأكثر من انفصال كردستان عنه. فكردستان الآن دولة مستقلة مصرفها على العراق، إضافة إلى حصتها في حكم دولة أخرى اسمها جمهورية العراق. وهذه حالة عجيبة وغريبة لا مثيل لها في العالم و يجب بالضرورة أن تنتهي.
من يريد تقسيم العراق؟
يبدو أن غالبية الكرد يريدون الإنفصال (92% حسب الاستفتاء الأخير). أما الشيعة فهم ضد أي تقسيم، وهم أكثر من دفع الضحايا في سبيل الوحدة الوطنية العراقية في جميع العهود. كذلك العرب السنة، فهم منذ تأسيس الدولة العراقية، كانوا مع الوحدة العراقية طالما هم أصحاب القرار السياسي دون غيرهم من مكونات الشعب العراقي، ولكن ما أن تغيَّر الوضع عام 2003 حتى وناهضوا العراق الجديد، لأنه فرض النظام الديمقراطي الذي ساوى بينهم وبين المكونات الأخرى وكل حسب حجمه في الشعب العراقي، وما تفرزه صناديق الاقتراع، وتشكيل الحكومة حسب نسبة الكتل السياسية في البرلمان. لذلك رفضت القوى السياسية السنية النظام الديمقراطي، ونعتته بشتى النعوت التسقيطية مثل حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية..الخ، واستقوت بتركيا وبالسعودية والدول الخليجية الأخرى، كما ولجأت إلى الإرهاب لفرض شروطها في حكم العراق.
فالشعب العراقي كأغلب شعوب العالم، متعدد المكونات، وهي مشكلة من نتاج التاريخ والجغرافية. فالكرد يقطنون منطقة في شمال شرقي العراق، تسمى بكردستان، والعرب السنة في شمال غربي العراق، يفصلهما شريط ممتد من الحدود التركية شمالاً إلى محافظة ديالى جنوباً، والذي يسكنه التركمان، وأقليات أخرى، ثم محافظات الوسط وجنوب العراق، غالبية سكانها من العرب الشيعة، وأقليات من أتباع الأديان والطوائف الأخرى. إضافة إلى هذه الظروف الموضوعية، كان ظلم حكم البعث الصدامي على المكونات طائفياً وعنصرياً. ولهذه الأسباب مجتمعة، تشكلت الأحزاب السياسية العراقية وفق الانقسامات الطائفية والقومية والمناطقية لحماية أنفسها من الإبادة، ولفقدان الثقة بالمكونات الأخرى.
لذلك، فمشكلة المحاصصة فرضتها ظروف موضوعية من الصعوبة إلغاءها في الوقت الحاضر، إلى أن تتشكل أحزاب عابرة لهذه الانقسامات على غرار الأحزاب البريطانية والدول الغربية الأخرى. والجدير بالذكر أن هذه المحاصصة كانت متبعة منذ تأسيس الدولة العراقية وبشكل مجحف بحق الكرد والشيعة، ولكن الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة منعت الاعتراض عليها، أو حتى الحديث عنها، وكانت هذه الحكومات تعيِّن بعض الشيعة والكرد في المناصب الحكومية الثانوية (غير السيادية) كديكور ودون استحقاقهم بما يتناسب ونسبتهم السكانية في صنع القرار السياسي، ونصيبهم في الثروة وحقوق المواطنة.
وبعد 2003، حاول جميع الشركاء في هذا الوطن الاستقواء بالخارج من أجل تحقيق المزيد من المكاسب والنفوذ في السلطة على حساب المنافسين الآخرين، فالسنة العرب لجأوا حتى إلى الإرهاب ومنظماته المتوحشة مثل القاعدة وداعش لتحقيق أغراضهم، وكذلك الكرد وخاصة جناح بارزاني، راحوا يتحالفون مع أعداء العراق من أجل ابتزاز الحكومة المركزية وإضعافها، فنسبتهم السكانية وحسب قرارات الأمم المتحدة، لا تزيد عن 13%، ولذلك كانت الأمم المتحدة في عهد صدام تدفع لهم من واردات النفط 13% فقط، ولكن لأسباب سياسية نفعية وانتهازية رفعها أياد علاوي إثناء ترؤسه للحكومة المؤقتة عام 2005 إلى 17%، مما شجع القيادة الكردية بزعامة مسعود بارزاني إلى المزيد من التمادي في ابتزازها وإلحاحها لتحقيق المزيد من المكتسبات على حساب بقية الشعب العراقي، حتى صارت كردستان دولة شبه مستقلة تهدد الدولة العراقية، مستغلة ضعف الحكومة المركزية وانشغالها بمحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله وتنظيماته، إلى أن انقلب السحر على الساحر، وانقلب الإرهاب المدعوم من قبل حكومة الإقليم، وبقية الشركاء حيث جلب عليهم الكوارث، عندئذ أدرك الجميع أنه يجب حل المشكلة بأقل ما يمكن من خسائر. وهكذا تنطبق على القيادات السياسية العراقية مقولة (أن البشر لا يستخدمون الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة).
حول مبدأ تقرير المصير
إن مبدأ تقرير المصير حق، ولكن لا يجب تطبيقه بدون مبرر في كل زمان ومكان، و بدون إعمال العقل والحكمة. ففي العالم هناك أكثر من 12 ألف قومية وأثنية، ولو طبق هذا المبدأ كيفما اتفق وحسب أهواء ونزوات بعض القادة السياسيين لتحقيق طموحات شخصية، ومصالح فئوية ضيقة ، لكان الآن أكثر من 12 ألف دولة في العالم، أي نصل إلى حد أن كل أثنية يجب أن تكون لها دولة، وهذا غير ممكن لأنه غير عملي، ويعيد المجتمع البشري إلى المراحل البدائية، أي إلى ما قبل تكوين الشعوب والدول. فالشعب الروسي يضم نحو 160 أثنية، وتوجد في الهند وحدها أكثر من 2000 أثنية ولغة، ودين، ولكن مع كل هذه التعددية الهائلة، نرى الأمة الهندية تعيش بسلام وأمان في دولة عظيمة مستقرة تعد أكبر دولة ديمقراطية في العالم.فالتاريخ هو تقدمي، ونحن نعيش في عصر العولمة بفضل التطور المذهل في تكنولوجية الاتصال والمواصلات التي ساهمت في التقارب بين الشعوب، ومنح الأولوية للمصالح الاقتصادية على النعرات القومية والدينية والطائفية التي يمكن تجاوزها، لذلك نجد تشكيل اتحادات سياسية واقتصادية بين دول العالم و تآكل وتناقص سيادة الدولة القومية.
أما ما نلاحظه الآن من تصعيد النزعات القومية والانفصالية عن بعض الدول ذات التعددية القومية في بعض مناطق العالم، مثل بريطانيا وأسبانيا، فهو ردود أفعال على مسيرة العولمة، والكوسموبوليتانية بوتيرة متسارعة، وسرعة التطور تفوق على ما يتحمله البعض من المحافظين من هذه الشعوب، خوفاً على الهوية القومية والإنتماءات الثانوية مثل الدينية والطائفية والمناطقية، كما حصل ذلك في سكوتلاندا، وكاتالونيا وغيرهما. ولكن هذه النزعات هي مؤقتة إذ نجدها ضعيفة عند الشباب الذين تغلب عليهم النزعة الإنسانية والأممية، و لكنها قوية عند الشيوخ المسنين ذوي النزعة القومية الشوفينية كما أظهر ذلك تحليل المصوتين في استفتاء الشعب البريطاني للخروج من الوحدة الأوربية. فشعوب العالم تسير نحو التآخي والتقارب بين البشر وليس العكس.
كذلك ما يجري في العراق من تخندقات طائفية وعنصرية هي مؤقتة ونتاج مظالم الحكومات الدكتاتورية الجائرة السابقة، نقول مؤقتة لأنها ضد مسار التاريخ، خاصة وأنها قد جلبت الكوارث على جميع مكونات الشعب العراقي، وبالتالي لا بد وأن يستيقظ الشعب العراقي عاجلاً وليس آجلاً، ويدرك أن سياسة التخندقات الطائفية والعرقية مخجلة وتضر بهم وبمستقبل الأجيال القادمة، والحل الوحيد هو التخلص من هذه التخندقات، ومنح الأولوية إلى الانتماء الوطني العراقي، والإنسان كقيمة أعلى في الوجود، بغض النظر عن انتماءاته الثانوية، الأثنية والدينية والمذهبية.
عواقب التقسيم
إن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات غير ممكن للأسباب التالية:
اولاً، دولة للعرب السنة، لحسن الحظ وكما ذكرنا آنفاً، أن العرب السنة لا يريدون الانفصال لأنهم يعرفون أن دولتهم هذه لو تأسست، فهي غير قابلة للبقاء إقتصادياً، وفي هذه الحالة إما أن ينضموا إلى دولة أخرى مجاورة مثل المملكة الأردنية الفقيرة، أو السعودية الغنية، وفي الحالتين يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، و كالأيتام على موائد اللئام. وهذا بحد ذاته جنون، إذ يجردهم من وطنهم العراق الذي حكموه لمئات السنين. كذلك ما أن يتخلصوا من عدوهم المشترك المتخيَّل (الشيعة والكرد)، حتى وستبدأ الصراعات العشائرية والمناطقية فيما بينهم.
ثانياً، دولة للكرد: لقد اثبت استفتاء الشعب الكردي يوم 25 أيلول/سبتمبر الماضي، أن الدولة الكردستانية الموعودة غير قابلة للبقاء أو العيش بسلام بسبب الحصار الذي ستفرضه عليها الدول المحيطة بها. أما تمادي مسعود بارزاني في إهانة الدولة العراقية، فقد كان نتيجة ضعف الحكومة المركزية، خاصة في قواته المسلحة. وهذا الضعف لم يعد موجوداً الآن كما أثبتت الأحداث الأخيرة حيث الانتصارات الساحقة على داعش، واستعادة الجيش لكركوك وغيرها من المناطق لسيطرة الدولة العراقية بدون سفك دماء.
ثالثاً، الدولة الشيعية في الوسط والجنوب: هذه الدولة لو تحققت لا سامح الله، فهي الأخرى غير قابلة للصمود والبقاء في مواجهة الدول الخليجية السنية التي تعتبر الدولة الشيعية خطراً على أمنها ووحدتها الوطنية، وذلك بإنعاش آمال المكون الشيعي في تلك الدول وتحفيزها للثورة والانفصال عن دولها، والانضمام إلى الدولة الشيعية العراقية الوليدة، وهذا انتحار لهذه الدول والدولة الشيعية العراقية على حد سواء، ومصدر حروب طاحنة بين الدول الخليجية وإيران، وجر دول أخرى مثل إسرائيل وأمريكا لهذه المحارق البشرية. لذلك فالحالمون بالدولة الشيعية (من سامراء إلى الفاو)، عليهم أن يستفيقوا من أوهامهم وأحلامهم الفنطازية الإنتحارية.
دلالات استعادة المناطق المعتدى عليها
أود التوكيد على أن استعادة كركوك، وبقية المناطق المعتدى عليها إلى حضن الوطن كان عملاً عظيماً، لم يتم حسب اتفاق مسبق مع قيادات البيشمركة الكردية بتوسط الجنرال الإيراني السيد قاسم سليماني، كما أشاع الإعلام المضاد، وحتى غير المضاد عن سذاجة وقلة الإدراك. فالغرض من هذه الإشاعات السامة هو التقليل من قوة ودور القوات العراقية المسلحة، وقوة الحكومة المركزية. فسبب انسحاب البيشمركة هو أن قيادتها أدركت قوة الجيش العراقي، إذ كما قالت النائبة آلا طالباني في مقابلة تلفزيونية، أن قرار قائد قوات البيشمركة على الانسحاب من كركوك بعدم المواجهة والصدام مع الجيش العراقي قد أنقذ عشرة آلاف مسلح كردي في البيشمركة من الموت المحتَّم. كذلك قال بافل طالباني (نجل الراحل جلال طالباني): "أن قوات البيشمركة قاتلت إلا أنها لم تتمكن من الصمود بوجه القوات العراقية المدججة بالأسلحة." وإذا ما سارع كاك مسعود باتهام قوات البيشمركة التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، بالخيانة بسبب هذا الانسحاب، فلماذا انسحبت قوات البيشمركة التابعة لحزبه الديمقراطي الكردستاني (KDP)، من المناطق المتنازع عليها دون إطلاق رصاصة واحدة؟ السبب مرة أخرى هو إدراك بارزاني أن الجيش العراقي اليوم يقوده ضباط وطنيون مخلصون أكفاء، وليس كما كان عام 2014 الذي سلم الموصل وبقية المناطق ذات الغالبية السنية لداعش، وكركوك لبارزاني بالتواطؤ(1).
وبناءً على كل ما تقدم، نتوصل إلى حقيقة مفادها أن تقسيم العراق إلى دولتين، واحدة للكرد، وأخرى للعرب وبقية المكونات، أو إلى ثلاث دول، غير ممكن، لأنه عملية انتحارية وإبادة للجميع، ولأنها ستشغل هذه الدول الثلاث والدول الإقليمية وغيرها في حروب طاحنة على الحدود، وعلى مصادر الثروات الطبيعية، وبالتالي تبديد جميع طاقاتها البشرية، و ثرواتها المادية على الحروب، بدلاً من توظيفها للتنمية والتقدم والازدهار الاقتصادي الذي سيجلب الخير العميم للجميع.
لذلك نستنتج أن العراق غير قابل للقسمة إطلاقاً، وأن الواقع أقوى من رغبات وتمنيات فنطازية لبعض القادة الطوباويين الحالمين، أوحملة مبادئ غير قابلة للتطبيق. فأيهما أفضل للشعب الكردي، دولة مستقلة يرأسها دكتاتور جاهل مثل مسعود بارزاني الذي هو عبارة عن صدام كردي صغير، وأبنائه وأقربائه، دولة محاصرة بالدول المعادية المحيطة بها (العراق وإيران وتركيا وسوريا)، ولا اتصال لها بالبحر، وربما معرضة للهجوم المسلح عليها وتصفيتها كما حصل لجمهورية مهاباد الكردية في إيران عام 1946، والتي لم تدم أكثر من 11 شهراً، أم حكم ذاتي وشريك حقيقي ضمن الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية؟ الجواب واضح لكل ذي عقل سليم، إلا من أعماه التعصب القومي الشوفيني والطائفي.
ربَّ ضارة نافعة
يقول الفيلسوف السكوتلندي آدم سميث: (عواقب غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون في صالح المجتمع البشري). وهذا بالضبط ينطبق على استفتاء مسعود بارزاني، الذي كان يأمل منه إحراج الحكومة المركزية، وإعلان دولته الكردية، ويدخل التاريخ كقائد مؤسس للدولة الكردستانية، فجاءت النتائج على غير ما أراد، بل نقمة عليه، وعلى حزبه، ونعمة للشعب العراقي بما فيه الشعب الكردستاني. فهذا الاستفتاء جاء كضربة قوية على رأسه، أيقظته من غفلته وأحلامه وأوهامه و هذيانه. فالنتائج غير المقصودة أدت إلى التقارب والوحدة بين مكونات الشعب العراقي، والتقارب الإيراني التركي في تدمير أحلام بارزاني، وأظهرته على حجمه الحقيقي بعد أن سكر بخمرة غروره وعنجهيته، وعنترياته، والتمادى في تجاوزاته على الدولة العراقية، وتحالفه مع إسرائيل، وصمَّ أذنيه ضد كل النصائح التي جاءته حتى من الحكومات المتعاطفة مع طموحات الشعب الكردي. لقد خسر مسعود كل هذه الجهات لأنه استمع إلى مجموعة من المستشارين الغربيين من أمثال برنارد كوشنير، وبرنارد لفي، وزلماي خليل زاد، وعشرات غيرهم من المرتزقة الذين أغدق عليهم من أموال الشعب الكردستاني، والنفط العراقي المسروق.
كما وفر استفتاء بارزاني الفرصة الذهبية التاريخية للحكومة المركزية، وعلى رأسها الدكتور حيدر العبادي، أن يفرض حكم الدستور والقانون على كل العراق، ويعيد للدولة العراقية هيبتها و وحدتها ومكانتها اللائقة في العالم، بعد أن استغل مسعود إنشغال الدولة العراقية بمحاربة الإرهاب، فحاول بكل الوسائل إهانة العراق وإظهاره بالرجل المريض المشرف على الموت، وأن يجعل من حكومة الاٌقليم أقوى من الحكومة المركزية، والبيشمركة أقوى من الجيش الاتحادي، ولكن خاب أمله. لا شك أن مسعود قد أصابه الغرور، فأعلن نفسه هو من يختار ويعزل رئيس الوزراء، وحاول حرمان الجيش العراقي من السلاح لمحاربة الإرهاب، وذلك بالادعاء أن هذا الجيش يراد به إبادة الكرد. والآن راح يطالب كرد الخارج بالتظاهر والاعتداء على السفارات العراقية في المدن الغربية كما حصل قبل أيام من هجوم بربري على القنصلية العراقية في مانجستر، والهجوم على القنصلية الإيرانية في إربيل، وهو خزي وعار على حكومة الإقليم.
ما المطلوب من العبادي في التعامل مع كردستان؟
1- أن تكون الحدود، ومنافذها، والمطارات ومداخيلها المالية تحت إدارة وإشراف الحكومة المركزية،
2- أن يُعامل مواطنو كردستان أسوة بمواطني العراق في المحافظات العراقية الأخرى، يعني حصة كل محافظة كردستانية من الموازنة المركزية حسب عدد سكانها كما هي الحال في حصة أية محافظة عراقية مثل السماوة والبصرة، أو الرمادي، و حصة كل محافظة تُسلّم إلى مجلس المحافظة وليس إلى رئيس الإقليم. وبما أننا نعيش في عصر الكومبيوتر والاتصالات الإلكترونية، يمكن تبني نظام إدخال رواتب جميع موظفي الدولة إلى حساباتهم المصرفية (البنكية) إلكترونياً ومن المركز، كما يجري في الدول الغربية.
3- احترام سيادة الحكومة الاتحادية على المنافذ الحدودية والمطارات والثروات السيادية وقوات البيشمركة والأجهزة الامنية الكردية، وفرض حكم القانون في المناطق المتنازع عليها تحت سيطرة الحكومة المركزية، ومنع اي سلوك منافي للدستور من قبل الاقليم.
4- تتعديل دستور الإقليم ليكون ولاء قوات البيشمركة وجميع القوات الأمنية في الإقليم، للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، وليس لرئيس الإقليم،
5- السياسة الخارجية، ودوائر جوازات السفر، ومنح تأشيرات دخول الأجانب من مسؤولية الحكومة المركزية، وليس حكومة الإقليم.
6- لا يجوز لحكومة الإقليم عقد اتفاقيات اتصالات مع الحكومات الأجنبية، فهذه من مهمة الحكومة المركزية فقط،
وبإختصار شديد، يعني لا حوار مع القيادة الكردستانية إلا إذا وافقت على تطبيق الدستور العراقي الدائم الذي ساهمت القيادة الكردية في كتابته، وصوَّت الشعب الكردستاني عليه، لا أقل ولا أكثر.
وفي حالة رفض القيادة الكردستانية لهذه الشروط الدستورية، فعلى الحكومة المركزية اعلان كردستان دولة مستقلة بحدود عام 1991 الذي أقره مجلس الأمن الدولي، ووافقت عليه القيادة الكردستانية مع الحكومة العراقية آنذاك. وعلى حكومة الإقليم أن تدبر حالها في حالة تعرضها لمضايقات أو حصار أو حروب مع إيران وتركيا، ويكون العراق في حل من مسؤولية الدفاع عن كردستان.
هذه فرصة تاريخية ذهبية لن تتكرر لبناء العراق الجديد الديمقراطي الفيدرالي المزدهر والمستقر على أسس حضارية وتقدمية وعلمية، يجب على الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، استثمارها وعدم التفريط بها قيد شعرة، وهي فرصة ذهبية له ليدخل التاريخ وتذكره الأجيال القادمة أنه أنقذ العراق من الفوضى والوهن والتمزق كما أنقذ فلاديمير بوتين روسيا من الانهيار وأعاد هيبتها في العالم.
ألا هل بلغت، اللهم إشهد.
1- د. عبد الخالق حسين : تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
By HAIDER al-ABADI , OCT. 18, 2017