اقرت وزارة النفط وخلال اجتماع هيئة الراى في الوزارة يوم امس ( 21 كانون اول) مجموعة من الامور المتعلقة بحقل مجنون النفطي العملاق تتلخص بما يلي:
تشكيل ادارة وطنية تنفيذية لادارة تطوير الحقل؛
تحديد الفترة الانتقالية لاستلام الحقل من شركة شل نهاية شهر اذار من هذا العام مع تواجد بعض العاملين من شركة شل لغاية شهر حزيران لاستكمال بعض الالتزامات والاجراءات المطلوبة والضرورية ؛
تحديد الزيادة في الطاقة الانتاجية للحقل الى اكثر من 400 الف برميل باليوم خلال السنوات القادمة ؛
ان من أولويات هذه الادارة تخفيض كلفة انتاج البرميل من هذا الحقل الى اكثر من 30% وهو المعيار الاساس لضمان كفاءة الإنفاق والإنتاج
واخيرا العمل على تنظيم عملية تعويض العمالة الاجنبية المغادرة للحقل باخرى محلية من شركة نفط البصرة وغيرها.
وفي البداية لابد من التاكيد على اهمية وصواب هذا القرار وضرورة دعمه لان تطوير القطاع الاستخراجي النفطي بالجهد الوطني يشكل دعامة اساسية للاقتصاد العراقي وتطويرالطاقات المؤسسية والهيكلية والبشرية في القطاع ذاته. خاصة وان هذا القرار قد جاء على خلفية تعثرالشركة الدولية في الايفاء بالتزاماتها التعاقدية او التغير في اولوياتها داخل او خارج العراق.
اضافة الى دعمي الشديد وتأييدي المطلق لوزارة النفط فانني اجد من الضروري التنبيه الى بعض الامور الاساسية التي ينبغي على الوزارة والجهات ذات العلاقة الانتباه اليها واتخاذ ما يلزم بشأنها.
اولا: التزامات شل التعاقدية
تم توقيع العقد بتاريخ 17 كانون الثاني 2010 ودخل حيز التنفيذ في الشهر اللاحق وبموجبه حددت العديد من المؤشرات والتوقيتات الزمنية والضوابط الحاكمة والشروط التعاقدية التفصيلية. ومن الواضح ان الشركات المتعاقدة (وهما شركة شل وهي الشركة المشغلة وشركة بتروناس الماليزية) لم تتمكن من تنفيذ التزاماتها التعاقدية وبشكل كبير ومؤثرمما تسبب في الحاق اضرار مادية كبيرة للعراق. وقد قامت وزارة النفط بتحديد حجم الخسائر في شهر تموز 2013 بمايزيد على 4.6 بليون دولار في حينه وقد بعثت الوزارة عدة كتب رسمية الى شركة شل حول هذا الموضوع.
نحن الان في نهاية 2017 مما يعني ان حجم خسائر العراق تزيد كثيرا عن المبلغ المذكور اعلاه وعليه لابد لوزارة النفط ان توضح هل تم استرجاع ما يعوض تلك الخسائر ام لا. وفي كلتا الحالتين على الوزارة الاعلان رسميا عما تم وبشكل واضح وشفاف بشان تلك الاضرار المالية.
ثانيا: التزامات شركة شل كونها المشغل
بموجب العقد توجد التزامات اضافية على شركة شل الالتزام بها بحكم كونها المشغل حتى في حالة تخليها او احالة حصتها الى الحكومة او الى طرف ثالث. وهذه الاتزامات الاضافية (كونها المشغل) تكون تجاه الجانب العراقي من جهة وتجاه شركائها الاخرين وذلك بموجب مايسمى اتفاقية التشغيل المشترك (جي أو أي).
ولذا من الضروري جدا الانتباه الى وتنفيذ المواد التعاقدية المتعلقة بهذه المسألة والتي تحمل شركة شل التزامات يمتد افقها الزمني الى ما بعد تخليها عن حصتها في الحقل.
ثالثا: ماذا بشان بتروناس
لم تتطرق الوزارة ولا هيئة الراي الى شريك شل في حقل مجنون وهي شركة بتروناس. فهل ستبقى هذه الشركة ام انها ستغادر ايظا ام انها ستبقى؟ وفي حالة بقائها فهل ستبقي على حصتها ام تقللها ام تزيدها؟ وفي حالة زيادة حصتها فهل ستصبح هي المشغل ام لا؟
ان المعلومات من المصادر النفطية الدولية حول هذا الموضوع شحيحة جدا وتشير الى احتمالية مغادرة بتروناس. ان معرفة موقف شركة بتروناس ضروري للغاية لانه شيؤثر وبشكل فاعل على انسيابية واتمام المرحلة الأنتقالية وعلى وزارة النفط حسم هذا الامر واعلانه رسميا باسرع وقت. خاصة وانه تم تقليص الفترة النتقالية من 30 حزيران الى 30 اذار من هذا العام.
رابعا: المعلومات التي حصلت عليها شل
سبق لي في مداخلة بتاريخ 14 ايلول 2017 التحذير من امكانية استخدام شركة شل للمعلومات التي حصلت عليها من وزارة النفط ومن عملها كمشغل لحقل مجنون في خططها التي قدمتها لتطوير حقل ازادكان في ايران وذلك لاحتمالية وجود علاقة جيولوجية بين الحقلين.
اجد من الضروري تاكيد وزارة النفط على عدم قيام شركة شل باستخدام تلك المعلومات او تعويض العراق عنها خاصة وان وزارة النفط قد دفعت كلف تلك المعلومات.
خامسا: تبريرات شركة شل ومساهمتها في حقل غرب القرنة1
اكدت شركة شل لاكثر من مرة ان تركها لحقل مجنون هو بسبب توجهها للتركيز على شركة غاز البصرة، وقد اكد تصريح وزارة النفط المعدل (بتاريخ 21 كانون اول ) على نفس الموضوع.
لنفترض جدلا ان هذا التبرير صحيح فهل هذا يعني ان شركة شل ستغادر مساهمتها في حقل غرب القرنة1؟ واذا كان الأمر كذلك فهل قامت الشركة رسميا باعلام وزارة النفط وبقية شركائها في ذلك الحقل؟ واذا كان الأمر كذلك فهل ستتنازل شركة شل عن حصتها الى وزارة النفط ام انها ستحولها (تبيعها) الى طرف ثالث؟ وهل هذا الطرف الثالث ضمن الشركاء في الائتلاف الحالي ام انه شريك جديد؟ وفي حالة الشريك الجديد فهل تم قبوله من قبل الجانب العراقي وبقية الشركاء؟
ومن المفارقات التي لابد من الاشارة اليها ان شركة شل لم تقم بتقليل حرق الغاز المصاحب المنتج من هذا الحقل حتى منتصف شهر شباط 2016 حيث تم تزويد الغاز لاول مرة لمحطات المعالجة في البصرة لاغراص توليد الطاقة الكهربائية وبواقع 70 مقمق يوميا! علما ان عقد جولة التراخيص الثانية (الذي يسري على حقل مجنون) يلزم الشركات باستغلال الغاز المصاحب وتحصل في المقابل على نفس اجور الخدمة المعادلة لانتاج برميل النفط.
سادسا: انتاج حقل مجنون مستقبلا
ذكرت وزارة النفط ان انتاج الحقل خلال السنوات القادمة سيكون بحدود (اكثرمن) 400 الف برميل يوميا.
تشير المعلومات المتوفرة ان انتاج الحقل حاليا بحدود 235 الف برميل يوميا. وبسبب تعثر شركة شل في تنفيذ التزاماتها التعاقدية فان الانتاج الحالي لايشكل سوى 13% من انتاج الذروة المحدد في العقد، علما ان انتاج الحقل عند توقيع العقد كان بحدود 50 الف برميل يوميا!
وبموجب عقد حفرالابار الذي وقعته شل مع شركة هليبرتون في بداية هذا العام فانه يتوقع زيادة الانتاج الى نحو 400 الف برميل يوميا خلال ثلاثة اعوام- ويبدو ان الوزارة اعتمدت هذا المستوى من الانتاج وتوقيته الزمني.
والسؤال الذي على وزارة النفط ان تجيب عليه بوضوح هل ان انتاج 400 الف برميل يوميا هو انتاج الذروة الجديد بدلا من انتاج الذروة المتعاقد عليه او حتى الذي تم اقتراحه (بين 1 او 1.2 مليون برميل يوميا) عند مناقشة تعديل العقد مع شل الذي لم يتم الاتفاق عليه ام سيتم اعادة النظر في انتاج الذروة في وقت لاحق.
سابعا: تخفيض كلفة الأنتاج
وجه الوزير الادارة الوطنية الجديدة بتخفيض كلفة انتاج البرميل من هذا الحقل الى اكثر من 30% واعتبر ذلك بانه المعيار الاساس لضمان كفاءة الإنفاق والإنتاج.
ان هذا الموضوع يحتاج الى المزيد من المعلومات المتعلقة بالاستثمارات/ الكلف الراسمالية التي تم انفاقها لحد تاريخة والتي تم تسديدها الى شركتي شل وبتروناس واجورالخدمة والتكاليف التشغيلية. فبدون معرفة هيكل ومكونات الكلف المتحققة فعليا يصبح من الصعب تخفيض كلفة انتاج البرميل بمثل هذه النسبة. اضافة الى ذلك فان هذا التوجيه قد يعني من الناحية العملية ان كلف الانتاج التي قدمتها شركة شل كانت مضخمة بشكل كبير مما يشكل ممارسة غير اخلاقية تتعارض واسس الممارسات السليمة التي يؤكد عليها عقد تطوير حقل مجنون. واذا كان الامر كذلك فلماذا لم تتحرك الاجهزة المحاسبية والتدقيقية لمعالجة مثل هذه الظاهرة المكلفة والمؤثرة؟ ونظرا لاهمية برنامج حفر الابار النفطية في تحقيق الانتاج المذكور خلال السنوات الثلاث القادمة فهل سيتم الابقاء على العقد الموقع مع شركة هليبرتون المذكور اعلاه ام سيتم ايقاف العمل به والتعاقد مع شركات اخرى (من ضمنها شركة الحفر العراقية) بكلفة اقل ولكن ضمن البرنامج الزمني نفسه؟
وعليه اجد من الضروري جدا كشف حساب كافة المدفوعات وانواعها وتوقيتاتها منذ توقيع العقد ولحد الان ثم يتم في ضوئها معرفة مدى امكانية تخفيض الكلفة وفي أي مجال . ومن الجدير بالتذكير انه سبق للوزير ان صرح بان كلفة الانتاج في هذا الحقل عالية جدا وقد قمت في حينها (حزيران 2017) بالرد عليه وباستحالة وجود مثل هذه الكلفة في حقل عملاق ولم تقدم الوزارة لحد الان كشف حساب الكلفة الفعلية في هذا الحقل.
ثامنا: هل الادارة التشغيلية مرحلية ام دائمية
لم تحدد الوزارة دور الادارة الوطنية التنفيذية كونها مرحلية ام دائمية وان كانت مرحلية فما هي محدداتها ولماذا ومن هي الشركات التي ستواصل عملية تطوير الحقل بعد انتهاء الفترة المرحلية؟
ان هذا الموضوع مهم جدا وله جوانب عديدة لابد من تناولها واخذها بنظر الاعتبار.
1- في حالة تمكن الادارة الوطنية التنفيذية من تحقيق هدف الانتاج في موعده المحدد وتخفيض كلف الانتاج بالنسبة المذكورة وكل ذلك يتم بانسيابية مقبولة بعد توفير المتطلبات المالية من قبل الدولة فما هو مبرر احالة الحقل الى الشركات الاجنبية من جديد؟ وهذا يذكرنا بالجدل الذي ساد بين الكوادر النفطية (وخاصة ضمن شركة نفط الجنوب- وقسم منهم اعضاء في هيئة الراي كالوزير واحد نوابه وبعض المدراء العامين) المتعلق بجولة التراخيص الاولى حيث انهم اعترضوا على شمول الحقول المنتجة في تلك الجولة وتاكيدهم على ضرورة وامكانية تطوير تلك الحقول بالجهد الوطني. كذلك ماهي الضمانة التي يتم بموجبها التاكد من عدم زيادة كلف الانتاج مجددا في حالة احالة تطوير الحقل الى شركات اجنبية؟ واخيرا هل يشكل مثل هذا التوجه (المرحلي) أي حافز فعلي للهيئة التنفيذية عندما تعلم مسبقا ان انجازاتها ستؤول في النهاية الى الشركات الاجنبية!
2- من هي الشركات الاجنبية التي سيحال اليها تطوير الحقل لاحقا؟ اشار الوزير وفي اكثر من مناسبة الى بعض الشركات التي ابدت رغبتها في تطوير الحقل بعد مغادرة شركة شل ومنها توتال ، شيفرون ، سي ان بي سي، ايني، سنوك، كوزمو انرجي . واعتبر ان كل من توتال وشيفرون في المقدمة. وهنا لابد لي من تسجيل الملاحظات التالية حول هاتين الشركتين:
أ- ان كل من الشركتين هما في القائمة السوداء المعتمدة من قبل الحكومة الأتحادية والوزارة نتيجة لتعاقدهما مع حكومة الأقليم حيث تعتبر مثل تلك العقود غير دستورية وغير قانونية وتتعارض مع المصلحة الوطنية. فبالنسبة لشركة شيفرون فانها تعاقدت مع حكومة الأقليم بعد فشلها في الحصول او المساهمة في أي عقد ضمن جولات التراخيص الأربع. اما توتال فقد وقعت مع حكومة الأقليم بعد ان وقع ائتلاف سي ان بي سي عقد تطوير حقل الحلفاية (وحصة توتال فيه 25%). ونتيجة لذلك تم استبعاد شركة توتال من المشاركة في تطوير حقل الناصرية والسماح لها فقط في المشاركة في تنفيذ المصفى ضمن مشروع الناصرية المتكامل (أن أي بي) الذي تم صرف النظر عنه بدون مبرر.
ب- ان الترويج لهاتين الشركتين يعد مكافئة لهما للوقوف بالضد من سياسة الحكومة التي لازالت ويجب ان تبقى بشان عدم شرعية ودستورية عقود الأقليم. وهنا لابد من التساؤل عن الاسباب والدوافع ومن يقف وراء الترويج لهاتين الشركتين ضمن قيادة وزارة النفط؟ وهل تعود جذور هذا الترويج لهاتين الشركتين الى مذكرات التفاهم (التعاون) الموقعة بينهما ووزارة النفط وكان حقل مجنون مشمولا بهما. حيث وقعت مذكرة التفاهم مع شيفرون في تموز 2004 واستمر العمل بها لغاية تشرين ثاني 2008 اما الثانية فقد وقعت مع كلتى الشركتين مشاركة في تشرين ثاني 2007 ومن كان في اللجنة التوجيهية العراقية المشرفة على تنفيذ هاتين المذكرتين؟
ت- سبق لشركة توتال (كمشغل بنسبة 57%) ان تقدمت بعرض تنافسي لحقل مجنون خلال جولة التراخيص الثانية الا ان عرضها فشل في كلا المؤشرين: اجور الخدمة وانتاج الذروة. وحديثا صرحت كل من توتال وشيفرون بانهما لم يقبلا بنفس شروط العقد التي كانت مع شركة شل!!! ومن المستغرب والمثير للشكوك والتساوؤل هو تصريح وزير النفط في 2 تشرين ثاني بوجود "عقد جديد لحقل مجنون"
3-ان الدعوة الى او عرض عقد جديد لحقل مجنون هو قمة التخبط وفقدان البوصلة ولايخدم مطلقا المصلحة الوطنية وستترتب علية نتائج سلبية مكلفة تنعكس نتائجها على كل عقود جولات التراخيص مما يؤدي في النهاية الى خدمة مصالح الشركات الاجنبية على حساب المصلحة العراقية. وكما ذكرت سابقا وفي اكثر من مناسبة (سواء بشكل منفرد او بالمشاركة مع الأخ طارق شفيق) بان وزارة النفط في عهد الوزير عبد الكريم لعيبي قد قدمت تنازلات مهمة وكثيرة للشركات الاجنبية يترتب عليها التزامات مالية دائمية قد تصل الى مليارات الدولارات طيلة مدة العقود دون ان يحصل العراق في المقابل على أي شيء يذكر. فهل يريد ألمتنفذون في الوزارة تقديم المزيد من التنازلات ولشركات محظور التعامل معها حسب السياسة المعلنة والمتبعة من قبل الحكومة والوزارة ذاتها؟ وهنا لابد من التاكيد على حقيقة ان شل فشلت في تنفيذ التزاماتها التعاقدية عندما كانت اسعار النفط العراقي تفوق 100 دولار للبرميل!!
وختاما، ادعو وزير النفط الى الكف عن طرح عقد جديد لحقل مجنون وعدم الترويج ومكافئة الشركات المتعاقدة مع حكومة ألأقليم وتوفير كل الدعم والاسناد للادارة الوطنية التنفيذية لتطوير حقل مجنون وجعلها هيئة دائمة لضمان نجاحها واستمراريتها.
ارجو نشر وتوزيع هذه المذكرة الى اوسع نطاق ممكن.
تحياتي وامنياتي للجميع بحلول العام الجديد وللاخوة المسيحيين كرسمس سعيد وللعراق كل الخير والتقدم والرفاهية.
احمد موسى جياد
استشارية التنمية والابحاث /العراق
النرويج
22 كانون اول 2017