ولد عامر عبد الله عام 1924م في مدينة عانة ضمن لواء الدليم, لوالد من قبيلة طي من بني نبهان وأم من عشيرة الجبور, كان اصغر ابنائهم الأربعة (خولة وحاتم وحليمة وعامر), إذ تنبأ الأب بمستقبل ولده الأخير فكان يضع يده على رأس عامر عبد الله ويقول له "هذا الرأس نأمل منه الكثير, يا عامر فيك الخير, ومنك الكثير"(1).
أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة عانة الابتدائية للبنين والمتوسطة في متوسطة عانة للبنين, والثانوية في كلية الملك فيصل عام (1940-1943م), فضلاً عن رغبته الالتحاق بدار المعلمين الابتدائية لكنه فشل في اختبار البصر, لذلك فكر بالعودة إلى عانة ليكون شيخاً ويسير على خطا والده, وحال دون ذلك الدكتور مصطفى شريف فأنقذه من ذلك المصير بحصوله على فرصة الدراسة في كلية الملك فيصل(2), بعد اكماله الثانوية قدم إلى دار المعلمين العالية لكن لم يحالفه الحظ بسبب إخفاقه في اختبار البصر مرة أخرى(3), فاكمل دراسته في كلية الحقوق في بغداد (4), وبعد تخرجه من كلية الحقوق انتمى إلى نقابة المحامين بتاريخ 7 تموز 1947 ومارس مهنة المحاماة لمدة قصيرة(5), فمن بين القضايا التي لبس فيها عامر عبد الله ثوب المحاماة عندما دافع عن فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1947م قبل أن ينهي مدة التدريب, فكان من ضمن 160 محامياً دافعوا عنه, على الرغم من أنه التقى به مرة واحدة مصادفة(6).
من الصفات الشخصية للراحل عامر عبد الله "هدوء الطبع وصارم الشخصية وجدّي الطبع, اناقته الدائمة وهدوؤه وقلة حركاته, كما يمتلك موهبة التأثير في الآخرين, فضلاً عن ثقته بنفسه, ونظراً لثقافته الواسعة فلديه قدرة على التواصل مع القوى الأخرى إلى تسويات ويقوم بمناورات من غير التخلي عن الهدف والمبدأ, كما أنه يختلق عن أقرانه بما يمتلكه من سمات القائد, فضلاً عن حدية عناده في المناقشات ومرونة كبيرة في احتواء الأخرين للوصول إلى الهدف المطلوب, وتجده جدياً إلى حد لا يعقل, لكنه في الوقت ذاته مرح وصاحب نكتة.
تزوج عن وقتٍ متأخر عام 1959م من أنا نكوفا المترجمة في لجنة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي البلغاري(7), لكن زواجه لم يستمر مدة طويلة فانفصلا لعدم تحمل الزوجة البلغارية ظروف عامر عبد الله وانهماكه في العمل السياسي(8), وتزوج مرة أخرى من زميلته في المهنة بدور زكي محمد الدده عام 1974, وهي عضو في نقابة المحامين عام, فولدت له عام 1979م ابنته مريم واسماها على اسم والدته, لم تستمر العلاقة بين عامر عبد الله وبدور زكي محمد فانفصل عن زوجته قبل أشهر من وفاته عام 2000م لكن لم يكن الانفصال رسمياً(9).
فتحت لعامر عبد الله قبوله في كلية الملك فيصل آفاقاً في الثقافة والأدب من خلال المطالعة حتى صباح اليوم التالي منكباً يقرأ الكتب الدينية والتاريخية, واتيحت له فرصة قراءة مجلات الهلال والرواية وحفظ رباعيات الخيام ومسرحيات وليم شكسبير, وكانت هناك شخصيتان عراقيتان أثرتا بشكل معمق في شخصيته, أولهما كان طلعت الشيباني الذي التقاه في مصر, إذ كان الأخير يقتني عدداً من الكتب اليسارية مثل اعمال كارل ماركس وفلاديمير لينين وجورجي بليخانوف, واطلاعه على تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي والاقتصاد السياسي الماركسي, كما كانت علاقته بعزيز شريف أثر مضاف في شخصيته, كما اقتنى القصص الروسية وانتقل إلى الأدب الفارسي, وتوصل إلى انطباع راسخ إن الشعر العربي والفارسي هما المتميزان في الشعر, والقصة الروسية هي المتميزة في الأدب العالمي(10), وقد اتفق مع فيصل السامر زميله في كلية الملك فيصل بأن يشتركا في الكتابة بإحدى الصحف, وقد طلب منه عزيز شريف نهاية عام 1944م أن يسكن في مبنى جريدة (الوطن), وكانت الانطلاقة لاحتكاكه بقادة الأحزاب السياسية الذين هم أكبر منهُ سناً وتجربة(11), كانت باكورة نجاحاته وارتقائه في المجال الصحفي هو عمله في تحرير الصفحة المحلية لجريدة (الوطن) لسان حال حزب الشعب(12).
بعد توقيع العراق لمعاهدة بورتسموث في 10 كانون الثاني 1948 في ميناء بورتسموث البريطاني, جوبهت هذه المعاهدة بانتقادات شديدة بعد نشرها في بغداد, فتمت الموافقة على إلغاء المعاهدة واستقالت وزارة صالح جبر تحت ضغط الجماهير في 27 كانون الثاني 1948(13), شارك عامر عبد الله في المظاهرات المنددة بالمعاهدة وسار في مقدمة التظاهرات ونصحه ضابط في الشرطة وهو من المنطقة التي يسكن فيها بضرورة الهرب خوفاً من أن يتعرض للقتل, في البداية رفض وبعد حدوث إطلاق النار غادر إلى مقر جريدة (الوطن) لكتابة مقال عن ما حدث(14). كما لم يكن عامر عبد الله بعيداً عن هموم المواطنين وابناء شعبه, ولم يكن بعيداً عما يجري من مظالم العمال في K3 , كل هذه الهموم وتطلعه لأوضاع العراق السياسية والاقتصادية التي عاشها ومر بها, وانتشار الأفكار اليسارية والماركسية أدت إلى تهيئته للانضمام للحزب الشيوعي العراقي, والتي ادت بعد ذلك أن يكون أحد ابرز مناضلي الحزب ومفكريه.
بعد رؤيته مشانق ساحة المتحف العراقي وساحات اعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي في 13/14 شباط 1949م قرر السفر إلى بيروت للابتعاد عن ظروف العراق السياسية والالتقاء بقادة الحزب الشيوعي اللبناني منهم المفكر حسين مروة عضو اللجنة المركزية وانطوان ثابت وجورج حنا المفكر والأديب اللبناني ورضوان الشهال الشاعر اللبناني ورئيف خوري الأديب والصحفي والناقد(15), وراح فرج الله الحلو يلقن عامر عبد الله بعض الأفكار الماركسية, ثم عاد إلى العراق ليقرر الانتماء لصفوف الحزب الشيوعي العراقي في خريف عام 1949م(16).
المصادر
1- غادة فائق محمد علي. عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق (1924-2000) . بغداد. وزارة الثقافة. دار الشؤون الثقافية العامة. ط1. 2018. ص23.
2- عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب (1924-1988), ج1. حوار حازم صاغية. مجلة أبواب. العدد الثاني 1994م. ص164.
3- عامر عبد الله. من دفتر الذكريات. ص207. نقلاً عن عبد الحسين شعبان. عامر عبد الله . النار ومرارة الأمل. فصل ساخن من فصول الحركة الشيوعية.
4- غادة فائق محمد علي. عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق مصدر سابق. ص27.
5- الوطن. عدد 435 في 29 نيسان 1948.
6- عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب (1924-1988), ج1. ص167.
7- عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب (1988-1994) ج2. حوار حازم صاغية . مجلة ابواب. العدد الثالث. 1994. ص230.
8- المصدر السابق. ص230.
9- غادة فائق محمد علي. عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق. مصدر سابق. ص38.
10- عامر عبد الله. من دفتر الذكريات. ص208.
11- عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب (1924-1988).ج1. مصدر سابق. ص167.
12- الحقيقة. العدد 78 في 9 نيسان 2013.
13- جعفر عباس حميدي. التطورات السياسية في العراق 1941-1953. النجف الاشرف. 1976. ص42.
14- عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب (1924-1988). ج1. مصدر سابق. ص67.
15- عامر عبد الله. لقاءات مع فرج الله الحلو القائد الثوري الكبير. مجلة الطريق. بيروت. العدد الاول في آذار 1985. ص70/71.
16- عامر عبد الله. من دفتر الذكريات. مصدر سابق. ص212.