محطات من سيرة حياة المناضل والمفكر عامر عبد الله -2-
    الأحد 25 مارس / أذار 2018 - 18:30
    نبيل عبد الأمير الربيعي
        عمل عامر عبد الله كأحد كوادر الحزب الشيوعي العراقي وانخرط بعدها في حركة انصار السلام في العراق, المؤيدة لمجلس السلم العالمي, كم انتمى إلى لجنة معاونة العدالة, التي كانت تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن السجناء السياسيين, وضمت اكثر من 180 محامياً, ويصفها بكونها فرقاً جوالة متطوعة تجوب بغداد وكركوك والبصرة والموصل وسائر مناطق العراق للدفاع عن المتهمين, وعبر عن قيمة دفاعهم ونتائجها بأنها مناسبة لإدانة الحاكمين وإعلاء راية الحق وعقيدة الكفاح(17).

    [[article_title_text]]
       من خلال ملفته في مديرية الأمن العامة تبين أنه في العهد الملكي لم يعتقل غير مرة واحدة عام 1952م بتهمة سياسية بسبب جرأته في فضح النظام, وتطوع للدفاع عنه 146 محامياً, والقى على أثرها كلمة مؤثرة وحادة ندد فيها بالحكام, وأُحيل إلى المحكمة وكانت مداخلة المدعي العام عبد الأمير العكيلي دفاعاً أكثر منها إدانة واتهاماً(18), كانت تصدر بحقه أحكاماً غيابية, منها بتاريخ 31 كانون الثاني 1953م عُدّ من الهاربين, وفي 21 شباط 1953 صدر الحكم عليه بالحبس ثلاث سنوات مع وضعه تحت المراقبة مدة سنتين لكن لم تنفذ أي من هذه الأحكام(19).

       كان يجري تكليف عامر عبد الله من قبل قيادة الحزب بكتابة مقالات في جريدة (القاعدة) السرية لسان حال الحزب الشيوعي العراق في حينها, وبعد تولي حميد عثمان لقيادة الحزب حزيران 1954م, كان من بين اعضاء اللجنة المركزية عامر عبد الله, تمكن سلام عادل وبمساعدة اغلبية اعضاء اللجنة المركزية ومنهم عامر عبد الله من ابعاد حميد عثمان عن سكرتارية الحزب(20), ومنذ أواسط الخمسينيات كان عامر عبد الله وسلام عادل بمثابة عتلة الحزب, فالأول له الريادة الفكرية والتحليلية وهو ايديولوجي الحزب ومثقفه وعرابه, كما يسمى, وسلام عادل له فهمه السياسي العالي وكان منظماً بارعاً وشخصية حريصة على تجميع الكوادر(21).

        كان سلام عادل همهُ الأول استعادة وحدة الحزب وتصويب سياسته, وحصلت لقاءات عديدة مع جماعة النضال ووافقوا على الاندماج وانتخاب عبد الرحيم شريف عضواً في اللجنة المركزية(22), أما جامعة راية الشغيلة فقد عارض جمال الحيدري الاندماج لكنه وافق في النهاية, وعلى اثر هذه التسويات عقد الكونفرنس الثاني في ايلول1956(23) , كان عامر عبد الله من ضمن المشاركين في توحيد الحركة الشيوعية في العراق.

       بعد انتفاضة 29 تشرين الثاني عام 1956 التي  نددت بالعدوان الثلاثي على مصر, كان الحزب الشيوعي العراقي من القوى الوطنية التي شاركت في تصعيد شرارتها وحث الجماهير على الخروج لتأييد الانتفاضة(24), في صيف عام 1956 زار رشيد مطلك وكمال عمر نظمي عامر عبد الله في بيته في منطقة الصليخ زيارة غير متوقعة واخبراه أن عبد الكريم قاسم ينتظر جواباً بشأن دعم الثورة التي يزعمون تفجيرها عن طريق مناورة عسكرية في الخريف التالي, مستفسرين عن تفصيلات الخطة التي تروق للحزب الشيوعي والدعم الذي سيتلقاه الضباط الأحرار منهم(25), كتب عامر عبد الله على أثر ذلك تقريراً تبنته اللجنة المركزية لاحقاً, إذ اوضح فيه ضرورة اعتماد العنف والقوة في إسقاط النظام, وبدأ التوجه نحو المؤسسة العسكرية وتوسيع الصلاة بالجيش وحركة الضباط الأحرار(26), كما كتب رسالة إلى عبد الكريم قاسم بين فيها اهم الآراء التي كانت تناقش في اللجنة المركزية... وضرورة اعلام الحزب مسبقاً عن موعد البدء بالحركة والاستمرار في الاتصالات لضمان الموعد المناسب للثورة(27).

        ساند الحزب الشيوعي العراقي الثورة في التحشيد العسكري من خلال منظمات أنشأها الحزب مثل (اتحاد الضباط والجنود الشرفاء), كانت تظم عدداً من العسكريين الشيوعيين الذين دعموا الثورة, كما دعم الحزب الثورة سياسياً من خلال البيانات والمظاهرات المؤيدة له, وخارجياً دعم الحزب الثورة من خلال الاتصال بالحزب الشيوعي السوري إذ كلف سلام عادل عامر عبد الله في منتصف عام 1957م بهذه المهمة لغرض تأمين شحنة سلاح من سوريا للعراق, والاتصال بالاتحاد السوفيتي لتأمين الدعم للثورة في حال انطلاقها(28).

        على الرغم من رفض الاتحاد السوفيتي إعطاء وعد بدعم الثورة إلاّ أنه أيدها, وكان موقفهم مشرفاً, فعند حدوثها اتخذت دول حلف وارسو قراراً بالاجماع بالاعتراف بالنظام الجمهوري في العراق, والتهديد باستعمال القوة العسكرية ضد أي تدخل اجنبي(29), وفي خضم التحولات الجديدة وانتصار ثورة 14 تموز 1958 ساهم عامر عبد الله بنقل الحزب نقلة نوعية عن طريق تلبية الدعوات التي وجهت للحزب من قبل الاحزاب العالمية, وتعريف هذه الاحزاب بالواقع المرير الذي عاشه العراق.

       كما ساهم عامر عبد الله مع قادة الحزب الشيوعي العراقي ابان ثورة 14 تموز وفي الوضع المتناقض بين الواقع الرسمي وبين الحقيقية الشعبية على حملة جمع تواقيع نصف مليون مواطن ليطالبوا عبد الكريم قاسم بإصدار جريدة علنية للحزب, ومع المشاكل التي واجهتهم من طباعة وتحرير وإدارة وتمويل وتوزيع تمكنوا من اصدارها في 25 كانون الثاني 1959, وسرعان ما ظهر عامر عبد الله كأحد ابرز المحررين(30).

       لكن خلال مسيرة الحزب بعد ثورة 14 تموز 1958 بدأ الخلاف يطفو بين سلام عادل وعامر عبد الله حول رؤية كل منهما لمسار ثورة 14 تموز 1958, إذ كان يصف عامر عبد الله ثورة تموز بعبارة مشهورة (ثورة تموز ليست ثورتنا إنها ثورة الطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية), وكان من أشد الداعمين لسلطة عبد الكريم قاسم داعياً إلى لبس قفازات الحرير الدبلوماسية, وعلى الرغم من تأييد عامر عبد الله لسياسة عبد الكريم قاسم إلاّ أنه رفض عزل الحزب الشيوعي عن مشاركته في الحكم, مع الزيادة التي حصلت في أعداد المنتمين للجمعيات الشيوعية, فلم يتم استيزار أحد سوى نزيهة الدليمي, ومع هذا لم يكن عامر عبد الله مقتنعاً إذ وجده جزئياً وتزينياً, وكان يطمح إلى المزيد من المناصب التي تتناسب مع نفوذ الحزب الشيوعي(31).

       وبعد تدهور العلاقة بين الحزب الشيوعي والزعيم عبد الكريم قاسم بدأ العد التنازلي للحزب في العمل العلني, فعندما قدم وفد يمثل الحزب الشيوعي في 9 كانون الثاني 1960 طلباً إلى وزارة الداخلية لإجازة الحزب رفض هذا الطلب, في حين جرت الموافقة على طلب اجازة حزب داود الصائغ تحت اسم الحزب الشيوعي العراقي, وطالت مدة التباعد بين عامر عبد الله وعبد الكريم قاسم واضطر إلى الإختفاء, وعاد الحزب الشيوعي ليمارس العمل السري من جديد, أما داخل الحزب فقد ظهر التكتل والخلافات الفكرية داخل قيادة الحزب الشيوعي وداخل المكتب السياسي, كان عامر عبد الله أحد اعضاء هذا التكتل فضلاً عن زكي خيري وبهاء الدين نوري ومحمد حسين ابو العيس وثابت حبيب العاني, فأصبحت العلاقة بين القادة نتيجة لذلك علاقة ندية, ومع بداية الخلافات مع عبد الكريم قاسم, التي انعكست على علاقة عامر عبد الله بالقادة, انتهى الأمر بمحاولة تحجيم دوره وابعاده عن بعض الاجتماعات المهمة, مما دعا عامر عبد الله إلى الرغبة بالسفر إلى الاتحاد السوفيتي لغرض الدراسة في المدرسة الحزبية في موسكو.
     

    المصادر

    17-   طريق الشعب. العدد 917 في 24 تشرين الثاني 1976.

    18-      عامر عبد الله. من دفتر الذكريات. ص213.

    19-      غادة فائق محمد علي. عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق. مصدر سابق. ص68.

    20-      عزيز الحاج. ذاكرة النخيل.. صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق. بيروت 1963. ص160.

    21-    21 غادة فائق محمد علي. عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق. مصدر سابق. ص73.

    22-    22 عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب 1988-1994. ج2. ص178.

    23-    23 جعفر عباس حميدي. التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953-1958. بغداد 1980. ص204/207.

    24-    حكمت خليل محمد (ابو ناظم). دور الحزب الشيوعي العراقي والشيوعيين والقوى الديمقراطية في الحركة الوطنية 1951-1958. بغداد 2007. ص59/60.

    25-    عامر عبد الله. خواطر وذكريات بمناسبة الذكرى 25 لثورة تموز المجيدة. مجلة الثقافة الجديدة. العدد 144 . تموز 1983. ص19.

    26-    عامر عبد الله. من دفتر الذكريات. ص217.

    27-    عامر عبد الله. خواطر وذكريات . مجلة الثقافة الجديدة العدد 144. تموز 1983. ص19.

    28-    عامر عبد الله. خواطر وذكريات بمناسبة الذكرى 25 لثورة تموز المجيدة. مجلة الثقافة الجديدة. العدد 144. تموز 1983. ص25.

    29-    نجم محمود المقايضة. الخلفية التاريخية لحرب لم تنته بعد. بيروت. 1991. ص110.

    30-    عامر عبد الله. اتحاد الشعب جريدة الآمال العظيمة والهموم الكبيرة. جريدة طريق الشعب العدد 574 في 31 تموز 1973.

    31-    عامر عبد الله. سنوات الفقر والأمل الخائب 1988-1994.ج2. ص206.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media