حقوق الإنسان

جواد كاظم البيضاني

حقوق الإنسان في القوانين العراقية القديمة

04/10/2010 19:28:20
بناء أي مجتمع وفق أسس صحيحة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الاعتماد على قواعد وسنن آمرة يلزم الأفراد على طاعتها واحترامها بالقوة عند الاقتضاء ، لمنع الخروج عليها أو مخالفتها ، لان هذه القواعد تنصرف الى إقامة التوازن العقلاني بين الحريات والمصالح المتضاربة ، وفرض النظام والاستقرار ، وإرساء مبادئ العدالة والأمن فهناك تلازم بين القانون والمجتمع ، إذ لا يوجد مجتمع متحضر دون قانون ، وهناك ترابط بين القانون والعقاب ، فلا يكفل احترام القانون ومراعاة الاحكام إلا عنصر العقوبة . فالقانون يضع قواعد مجردة بما يتوجب أن يكون عليه سلوك الأفراد في المجتمع ، ويجري اعداد هذه القواعد وفق مبادئ وقيم لبناء أسس العدالة والاستقرار في المجتمع ، ويستند من نصوص القانون الى مدى تطور المجتمع وتماسك دعائمه . ولأهمية دراسة الأحكام القانونية ، فقد تركزت دراسة الباحثين حتى عهد قريب على النصوص اليونانية أو الرومانية التي ترجمت الى حدود القرن الخامس قبل الميلاد تقريباً حيث عدت الأساس لأي دراسة من هذا النوع للاعتقاد الخاطئ بأنه يمثل بداية ظهور القواعد التنظيمية والقانونية . وبعد الاكتشافات الحديثة في العراق التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تم العثور على معين لا ينضب من الوثائق والمستندات القانونية التي سادت العراق في عصور سبقت القانون الروماني بأكثر من آلفي سنة . ان التشريعات العراقية القديمة تمثل تجارب طويلة ترسخت أسسها وتحددت مضامينها وابعادها القانونية ، فبادر المشرع أن يخصها بنصوص تنظم أحكام الحياة الاجتماعية والاقتصادية .... وعلى الرغم من الاختلاف في الصياغة والشكل والأسلوب والمعالجة بين القوانين العراقية المرتبطة بحقوق الإنسان وبين القوانين الحديثة إلا أنها تتفق من حيث الروح التي تحملها ومن حيث الملامح العامة لبعض المواد القانونية.
فلم يتم تقديم دراسة تفصيلية تتناول الأحكام الدقيقة التي حوتها هذه الكنوز فجميع الدراسات في هذا الجانب متواضعة . وهذا بالنتيجة جعل من هذا المعين الثر في طور الإهمال دون أن ينظر الى ما حمل تراث وادي الرافدين في هذا الحقل وجميع حقول المعرفة بعين التساوي مع باقي الحضارات حتى اخذ البعض وللآسف الشديد ينظر الى هذا الشعب دون استحقاقه الإنساني . لقد عالجت النصوص القانونية العراقية القديمة الكثير من الأحكام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والذي يؤكد رقي هذه القوانين ورفعتها معالجة بعض من هذه النصوص لاحكام ترتبط والحريات العامة ، او حقوق الإنسان فقد حررت القوانين البابلية الفلاحين من الديون بعد ان أرهقتهم من خلال إسقاط كل الديون التي جعلتهم أرقاء للمعبد وهذا يؤكد حقيقة النظرة التحررية عند العراقيين القدماء كما ان الشرائع العراقية لا تلزم المواطنين باعتناق دين معين بل ان العراقيين تركوا حرية الاعتقاد للمواطنين دون تدخل الدولة،وهو من القوانين المتطورة التي تدل على مدى رقي هذا الشعب وتطوره الثقافي والحضارة ومما ميز القوانين العراقية ومنها شريعة حمورابي هو ديباجتها الجميلة التي جاء فيها " أن الالهة قد نادتني لأمنع الأقوياء من أن يظلموا الضعفاء ولأنشر العدالة والنور في الأرض وأرعى مصالح الخلق " وهي عبارات تدل في مضمونها على حق التساوي في الحريات بين أبناء الشعب كما أكدت القوانين العراقية ضرورة ضمان حقوق الطفل والمرأة من خلال تنظيم الآسرة بشكل يتلاءم وطبيعة تلـك المرحلـة . ولنا أن نتذكر ما تمثله المرأة عند العراقيين القدماء فقصة الملكة سمير أميس معروفة حيث كانت تقدم النصح لزوجها ملك نينوى فينوس ثم اعتلت العرش لتستمر في حكم العراق 42سنـة وهذا يؤكد ما تتمتع به المرأة العراقية من حرية ، وما تمثله القوانين العراقية من رقي وفي تلك المرحلة لم يعثر الأثاريون على نص قانوني يعيق تولي المرأة مناصب في الدولة وهو ما لم نجده في القوانين الاخرى والحديثة منها. إن تنظيم وسبك هذه القوانين جعل الكثير من الاثاريين والمؤرخين ومنهم هاري ساكس يعتقدون ان ما جاء في العهد القديم لم يكن إلا نصوصا مقتبسة من القوانين العراقية القديمة. ومهما يكن من أمر فان المشرعين العراقيين كانوا سباقين دائماً في إظهار قيمة الحياة الحقيقية التي لا يمكن أن نراها إلا من خلال القانون الذي يحمي الناس ويحافظ على حقوقهم بالتساوي .


جواد كاظم البيضاني
Jawed_albadeny@yahoo.com

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية