حقوق الإنسان

أ. د. شموئيل (سامي) موريه

تأملات في (روح جديدة – خطاب مهاجري الدّول الإسلاميّة) ودعمهم لخطاب الرئيس أوباما -2-

02/05/2011 23:43:21
تأملات في
"روح جديدة – خطاب مهاجري الدّول الإسلاميّة" ودعمهم لخطاب الرئيس أوباما
(2)

بقلم أ.د. شموئيل موريه

والتيار الثالث كان التيار الوطني العراقي الذي لم يتخلّ عن الكتابة باللغة العربية، فهي اللغة التي يستطيعون التعبير بها عن مشاعرهم وآرائهم بصورة حرة وتلقائية، وقد تربع على عرش هذا التيار كل من الشاعر الفقيد ابراهيم عوبديا والقصاص اسحق بار موشيه والاديب سمير نقاش الذين صوروا العلاقات اليهودية العربية في العراق خير تصوير وكتبوا ادب الحنين الى العراق والى الحياة اليهودية التي ذاقوا حلوها ومرها هناك، الى جانب احتجاجهم وشجبهم للحالة المزرية التي بلغها يهود البلاد العربية في إسرائيل واهمال مكانتهم الأدبية. ولعل المحامي جاد بن مئير، شاعر الحب والجمال، نزيل استراليا الذي اصدر ثلاثة دواوين شعرية موزونة ومقفاة، بعضها باللهجة المصرية المحببة لدى العراقيين المثقفين الذين يرون في الثقافة المصرية اندماحا ناجحا بثقافة حوض البحر المتوسط، وان كانوا يحبون الثقافة الشعبية العراقية وأغانيها، فهو ممن أضنى قلبه عشق الجمال متحدثا عن شوقه وخيبة امله في "منال" الحبيبة المصرية التي وفى لعهدها وقد نكثته، بعد أن "وفى العمر لناسٍ ما وفى"، والمربي إلياهو منصور في دواوينه من الشعر المنثور يترنم بـ" زوارق دجلة" ويشكو من مآسي "مخيمات القادمين"، ويعاتب الهوى الغابر والشباب السعيد الذي ولى. أما كاتب هذه السطور رهين محبس ذكرياته التي ترغمه على تدوينها بصورة تلقائية عفوية جامحة قبل ان تنضب في ذاكرته روافد الذكريات مع مياه روافد دجلة والفرات. وهؤلاء الثلاثة هم من أواخر الأدباء من مواليد بغداد الذين لا يزالون يكتبون باللغة العربية الى جانب اللغة العبرية في نثرهم وشعرهم وهم في خريف العمر، فهل من خَلـَف، يا ترى، لهذا السلف الوفي، في مجتمع إسرائيلي ينظر اليهود اليوم إلى أدبهم العربي نظرتهم الى مخلفات ماضي السبي البابلي والعصور الإسلامية، وينظر العرب الأسرائيليين والفلسطينيين إلى أدبهم نظرتهم الى أدب غريب عنهم من مهاجرين حلوا مكان اللاجئين الفلسطينيين الفارين الى العراق ولا يعبر عن حياتهم وآمالهم؟
والتيار الرابع هو تيار الأدباء الذين قدموا إلى إسرائيل في سن الطفولة وانهوا دراستهم الثانوية ثم الجامعية فيها، فقد استطاعوا بسهولة نسبية الاندماج في الادب العبري الحديث، بينما لم يستطع الاندماج في الشعر العبري الحديث من القادمين الجدد على ما نعلم سوى شاعرين، الاول من مواليد بغداد وهو شلومو زمير (بلبول) (بغداد 1929) الذي كان أول من نال اعجاب النقاد وتكريم الأوساط الأدبية العبرية لمهاجر من مهاجري العراق (1950)، على موهبته الشعرية باللغة العبرية في ديوانه "الصوت عبر الاغصان"، (1960). وقد حافظ على مكانته الشعرية حتى بعد أن نشر ديوانه السادس عام 1990، والشاعر الثاني هو الشاعر الموصلي التربية زكي بنيامين أهرون (كركوك 1927) الذي ساهم مساهمة كبرى في ترجمة الادب العربي الى العبرية والادب العبري الى العربية في المجلات العربية والعبرية وفي صوت اسرائيل والصحف الهستدروتية ومجلة لقاء - מפגש التي كانت تصدر باللغتين العبرية والعربية والتي حررها مع الاديب والمترجم نير شوحيط (العمارة 1928)، وبدعم من الأستاذ إلياهو أغاسي (بغداد 1909) المدير والمحرر العام لدار النشر العربي التابعة للقسم العربي لحزب عمال اسرائيل (مباي) والذي حرر كعضو في مركز الثقافة في الهستدروت (إتحاد العمال) مجلاتها باللغة العربية، كحقيقة الأمر والسندباد واليوم لأولادنا وزهرة الشباب التي اهتمت بثقافة طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة وبشؤون العمال العرب والادب العربي المحلي وترجمة الادب العبري الى العربية.
أما مواليد العراق ممن قدموا مع عائلاتهم في طفولتهم فقد برز منهم الشاعران التوأمان هرتصل وبلفور حكاك اللذين ولدا في عام 1948 أي بعد سبع سنوات من مصرع خاليهما في مذبحة الفرهود، فاطلق والدهما على التوأمين اسماء صهيونية بحته انتقاما لمصرع الخالين. ولألمعيتهما وتبحرهما بالكتاب المقدس وفوزهما بحفظه عن ظهر قلب في المسابقة السنوية ودراستهم العميقة للأدب العبري. فقد انتخب هرتصل حكاك رئيسا لجمعية الكتاب العبريين في اسرائيل (2003-2005) وهو منصب كان أول من حظي به هو الشاعر القومي اليهودي حاييم نحمان بياليك أمير الشعراء العبريين، ثم تلاه في رئاسة الجمعية اخوه التوأم المشابه له بلفور (2005 والى اليوم). أما الشاعر سالم الكاتب (شالوم كتّاب) فقد انتقل بعد نشره ديوانين باللغة العربية، "مواكب الحرمان" بيروت، دار الكشاف، 1949) ووشوشات الفجر (تل أبيب، 1959) الى اللغة العبرية، وكان يعد من كبار شعراء الاحتجاج على التمييز بين الأوروبين والشرقيين وموقف الشعراء العبريين من شعره العبري ومن الأدباء الذين قدموا من البلاد العربية، ونشر عدة دواوين باللغة العبرية روى فيه فضائع الفرهود وشعوره بالغبن لعدم تقدير مواهبه من قبل الشعراء العبريين وإن كان المعجبون بشعر من الشرقيين يطلق عليه اسم "بيالك الشرق" كما يقول. وقد اعتزل الأدب في السنوات الآخيرة وانضم مع أبنائه الى رجال الدين المتزمتين، وأرخى لحيته واعتمر قبعة سوداء اشكنازية ومعطف اسود بولوني الزي يلائم مناخ اوروبا الشرقية حتى في عز الصيف.
ويعد الشاعر الكبير روني سوميك من أبرز شعراء الاحتجاج من بين يهود العراق الذي تنضح دواوينه بالحنين الى العادات والتقاليد العراقية والأغاني والأجواء الشرقية والتي تتصاعد منها رائحة العرق الزحلاوي والمزة الشرقية ونغمات العود وانين الكمان الكويتي وشذى عبير غناء مطربة الشرق أم كلثوم ومطرب الاجيال الاستاذ محمد عبد الوهاب. وخير نموذج لشعر الاحتجاج الذي يكتبه سوميك عن التفرقة بين الجاليات اليهودية المهاجرة والسخرية منها من قبل مهاجرين اقدم منهم هو قوله:
ولدت في بغداد، وزوجتي من رومانيا، ولذلك اصبحت ابنتي "حرامي بغداد"،
وذلك لان قدماء المواطنين اليهود في اسرائيل، كانوا يلصقون تهمة السرقة بيهود رومانيا، وتهمة التهديد بالسكاكين ليهود المغرب، وتعيير يهود العراق بارتداء البيحامات في بيوتهم وشرفات الدور.
أما عدد الشاعرات باللغة العبرية من أصل عراقي فيبلغ العشرات أشهرهن أميرة هس من مواليد بغداد، التي تلمّع اشعارها العبرية بتعابير عربية ولا تتورع عن ذكر مسبات عراقية في تمردها على موقف المجتمع من المرأة وريائه، وهي اخت الاستاذ شاؤول بار حاييم مؤسس ومدير صوت اسرائيل باللغة العربية. ومن الشاعرات اللواتي لعبن دورا فعالا في ميدان الأدب العبري هي يعاره بن دافيد من بيت أبو داود اصحاب كنيس أبو داوود في السنك، والدكتورة ليليان دبي جوري وليلي زلوف، وجاكلين شعشوع. أما البروفيسور حبيبة فداية فهي متخصصة بأدب يهود البلاد العربية وخاصة بالصراع الرئيسي في بين الأدباء والشعراء الشرقييين الذين رحبت بهم الهيمنة الاشكنازية في الادب بدعوى انه ادب انساني عالمي يهتم بالنقد الذاتي وحرية الفكر، وبين الادباء المناوئين لهيمنة المؤسسات الرسمية التي تـُقيّم ادبهم كأدب فلكلوري انطوائي طائفي لا يرمي الى قيم انسانية خالدة. أما الاديبة المرحومة إستير خبازة – مركادو فقد نشرت كتابين باللغة العبرية، الاول "العراق – شهادتي"، تحدثت فيه عن اضطهاد اليهود هناك والقاء اقربائها في سجون العراق بتهمة الصهيونية، وكتابها الثاني ينم عنوانه عن فحواه: "في ظل التمييز الطائفي" في اسرائيل، 1998. 
-- السيد شمعون بيريس رئيس دولة إسرائيل مع الروائي إيلي عمير -- أما الروائي الكبير إيلي عمير (واسمه في سجل النفوس البغدادي: فؤاد الياس ناصح خلاصجي) اليساري المعتدل، الذي ولد في بغداد عام 1937، أي في نفس العام الذي ولد فيه الاديب سمير نقاش الذي تمسك باللغة العربية، فقد فضل الكتابة باللغة العبرية بالرغم من تعلقه الشديد باللغة العربية والتي ما زال يتكلم بها مع أهله وأصدقائه، فهو يحدثنا عن هوايته المحببة الى نفسه وهي الاستماع أثناء ذهابه الى العمل في سيارته، الى ترتيل القرآن الكريم أو "ما تيسر من آي الذكر الحكيم"، وخاصة للشيخ المصري المقرئ الشهير أبو العنين شعيشع، فيشعر بسعادة روحية سابحا في أجواء قدسية تطهر النفس وتريحها من عناء المادة، على حد قوله. وهو يتعاطف في رواياته مع الفلسطينيين، بل اعلن بانه لا يعارض إذا ما أصبح الأقصى وقبة الصخرة تحت السيادة الفلسطينية. وقد صور في ثلاثيته العراقية من بغداد الى اورشليم – القدس، وأولها روايته "ديك الكفارة" التي يروي فيها عن الهوان ومشقات الهجرة الى اسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي وبداية الصدمة الثقافية والاجتماعية للمهاجرين الشرقيين، والتحاقه وهو فتى يافع باحد الكيبوتصات والصراع بين الشرق والغرب فيه ومنافسته للفتيان الاوربيين في الموسيقى الغربية، ورفض والدته التقيّة، طبخ الديك الذي ذبح في الكيبوتس على غير الطريقة التقليدية اليهودية، والذي أتى به فخورا الى عائلته المتضورة في عرفات يوم الغفران المقدس، بالرغم من حاجة العائلة الماسة اليه في وجبة الافطار، ولكن وصايا الدين عن الأم الحنون التقية أكبر من الديك المغري بالشبع، وبدلا من ان تحظى به افواه الاطفال الجائعة، تلقيه الوالدة في مزبلة معسكر خيام اللاجئين اليهود من البلاد العربية. وقد حظيت روايته هذه بعرضها على المسرح مرتين وصورت في مسلسل تلفزيوني، وانتخبت كواحدة من بين أفضل عشرين رواية كتبت باللغة العبرية منذ قيام دولة اسرائيل وما زالت تعد من أركان الادب العبري الحديث. وفي روايته "المطيرجي" يروي تخبط العائلة أمام قراري تسقيط الجنسية وتجميد الأموال وانقسام آراء العائلة حول موقفها من العراق بعد ان ألـْقِي خاله الصحفي مئير معلم في غياهب سجن أبي غريب لتحريره صحيفة "البريد اليومي". وقد نالت رواية "ياسمين" اقبالا منقطع النظير لتناولها الصدام بين العرب واليهود في حرب الستة ايام وبعدها ومعاناة العرب الفلسطينيين النفسية من آثارها، وأديبنا يروي موقفه وموقف عائلته من حرب الأيام الستة والعلاقات العربية اليهودية في القدس وعلاقته بياسمين الفتاة الفلسطينية المثقفة. وقد ترجمت الى لغات عديدة منها العربية. وثلاثيته هذه هي من روايات الترجمة الذاتية التي تتناول حياة العراقيين عامة، وهو فخور جدا بترجمة كتبه الى لغات عديدة وخاصة الى اللغتين العربية والتركية. أما رواياته الثلاث الأخرى فهي تصور حياة يهود شرقيين في علاقاتهم مع المجتمع الاسرائيلي، الغربي النزعة. ففي روايته "حب شاؤول"، يروي لنا حياة احدى الشخصيات من يهود الشرق ممن نشأ في بيئة فقيرة من ابناء الجيل السابع في الديار المقدسة، وبطلها شاؤول ينتمى الى "منظمة الارغون" اليمينية المتطرفة، فيلتقي في خدمته العسكرية بقائده العسكري الذي نشأ في بيئة اجتماعية مشابهة، فتنعقد بينهما رابطة صداقة طويلة في اسرائيل وخارجها، تشمل الحديث عن مغامراتهما مع النساء وحب شاؤول لفتاة من الناجين من المحرقة النازية. وهي رواية فريدة في بابها تروي تمسك الشباب من اصول شرقية بالآراء الصهيونية وتطور المجتمع الاسرائيلي في أيامه الحلوة والمرة. وفي روايته الأخيرة "ماذا تبقى" (2010) التي تعد من روائع الروايات التي تعتمد على التحليل النفسي في الأدب العبري الحديث. الراوي الشرقي يتحدث باسهاب عنٍ البنوبة القلبية التي أصابته ، متذكرا بعد خروجه من المستشفى حبه لطبيبة اسنان في شبابه كانت خطيبة ضابط في الجيش، مع ذلك فهي تسمح لنفسها بلقاءات سرية لحب مسعور مع عاشقها الشرقي الذي تزوج من اخرى، وبقي مخلصا لذكرى حبهما خلال ثلاثين عاما. إن رواياته الست التي نشرها بوأته مكانة سامية بين الكتاب العبريين، فهي تصور حياة الطائفة اليهودية في العراق والمجتمع الإسرائيلي بأطايفه الأجتماعية من وجهة نظر تاريخية واجتماعية وثقافية موضوعية مؤثرة. ومنها يستطيع القارئ الوقوف على تاريخ يهود العراق وحياتهم الاجتماعية وأغانيهم وموسيقاهم وأمثالهم والظروف السياسية التي مروا بها واسباب هجرتهم، ثم تأقلمهم في دولة اسرائيل. وفي رواياته هذه يحاول كاتبنا الوقوف على الاختلاف بين العرب واليهود، والاسرائيليين والفلسطينيين، بين المهاجرين والمستوطنين القدامى، بين السود والبيض.
وكاتبنا يدعو الى المساواة بين اليهود والفلسطينيين لإحلال السلام المنشود في دولتين، دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل ، والى العدالة الاجتماعية في مجتمع أكثر مساواة وعدالة، والى منح العرب في اسرائيل حقوقهم الكاملة على أن يؤدوا واجباتهم الكاملة تجاهها. وهو من أنصار التقارب مع العالم العربي ويرى ان على اسرائيل ان تسعى الى الاندماج في دول الشرق الاوسط وان يكون تدريس اللغة العربية إلزاميا والاهتمام بالتعرف على الثقافة العربية وتاريخها بصورة اعمق، لكي نستطيع العيش جنبا الى جنب بسلام وتعاون ورفاه لخير الاجيال القادمة في هذه المنطقة المنكوبة بالحروب لموقعها الجغراقي ولغنى بعض دولها بالبترول والغاز الطبيعي الضروري للدول الصناعية الكبرى للحفاظ على تفوقها العسكري والسياسي.
ولعل الأديب أيلي عمير من اكثر الكتاب في اسرائيل شعبية، وقد حظيت رواياته بأعجاب القراء وترجمت الى لغات أوربية وشرقية مختلفة كما نال الجوائز الأدبية ومنح درجة دكتوراة فخرية من جامعة بن غريون في النقب وغيرها من الجامعات. وهو يتمتع بشهرة منقطعة النظير لموهبته الفذة في تصوير الاجواء الاجتماعية والسياسية والثقافية في العراق واسرائيل، وله برنامج إذاعي أسبوعي باللغة العبرية "عن اليسار واليمين" مع النائبة السابقة جؤلا كوهين يعالجان فيها قضايا الساعة من وجهات نظرهما. ولتحليله الصائب وجرأته في التعبير عن آرائه الموالية للعرب اقترح بعض المستميعين ترشيحه لمنصب رئيس دولة إسرائيل في المستقبل. وهو يعد حقا من كبار أدباء الاحتجاج من مواليد البلدان العربية في إسرائيل.

يتبع: تأملات في "روح جديدة – خطاب مهاجري الدّول الإسلاميّة" ودعمهم لخطاب الرئيس أوباما،(3)


تأملات في (روح جديدة – خطاب مهاجري الدّول الإسلاميّة) ودعمهم لخطاب الرئيس أوباما -1-
أ. د. شموئيل (سامي) موريه

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية