حقوق الإنسان

سعد سامي نادر

قراءة في: خطاب البروفيسور شموئيل سامي موريه

25/05/2011 11:28:10
يقول الدكتور سامي موريه:"أنا إذ أكتب بالعربية، أكتب بلغة الأم، بدم القلب. العبرية صديقة، زوجة، اكتب بها لكنها لا تستطيع ان تلعب بنياط قلبي... انا اكتب شجوني وأحزاني" (*) بعدها.. ثمَّة حشرجة وغصّة مرّة ودمعة عصية، منعته من الاسترسال في نزف نشيج شجونه الحزينة. انه تمهيد مني لقراءة "متحيزة" لمقال البروفيسور شموئيل موريه بأربعة أجزائه. والذي أراه: خطاب موريه "الشخصي" الجدير بالقراءة.
فخلال ثلاث حلقات من مقاله الأخير: "تأملات في خطاب مهاجري الدول الاسلامية ودعمهم لخطاب الرئيس أوباما "، قدَّم لنا سامي موريه عرضاً مشوقاً مغريا، جعلها مع تكملة جزئه الرابع ،مقدمة أولية تـُمهِّد لنا قراءة متفحصة لخطاب المهاجرين اليهود المنشور بنهاية الجزء (4) من المقال*(رابط).

رباعية التمهيد تلك، وثـّق فيها موريه كعادته، نتاج باقات زاخرة بأسماء مثقفي وأعلام أدبية وعلمية وسياسية وفنية يهودية هُجِّرت من العراق والدول العربية والاسلامية. يشتركون جميعاً في معانات مضنية واحدة: ألم التهجير المزمن ، و"نوستالجيا الذكريات الجميلة". فمنهم من أُجبر على ترك وطن آبائه وأجداده عنوة. وآخرون، إما من أبناء هذا الرعيل اللامع المهاجر الأول، أو مَن هُجّر الى إسرائيل مع عائلته شابا او طفلا وترعرع هناك. وبينهم من ولد في اسرائيل بعد هجرة أهله. جميعهم وبقدر مختلف، أثر فيهم تسارع نمو المجتمع الاسرائيلي المؤسساتي الغربي الحديث ، لكن معظمهم بَقى تحت تأثير إرث وتراث وعادات آبائهم وأجدادهم وحلاوة ذكرياتهم الطيبة.
قدم لنا سامي موريه مقالاته الأربع بطريقة أكاديمية زاخرة بمعلوماته القيمة الموثقة بعناوين نتاجاتهم، ونتف من قراءاته لها وأحيانا، بعضاً من رؤيته في افكارها. وقد كانت بحق اربعة أطباق بانورامية متنوعة احتوت المشهد الثقافي لليهود المهاجرين من دول اسلامية وعربية أو أبنائهم.
وكرئيس لرابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق،خصّ الكثير منها بالحديث عن أعلام مثقفي يهود العراق. هذا الخليط الزاخر بالتنوع الطبقي والفكري والفني والسياسي. فهم كثيرون بحمد وشكر قادة وطننا العظام!!! فقد احتوى تجمعهم، نصف بانوراما المشهد الثقافي المقام بحثه.
بمهنية مؤرخ، فرش لنا موريه باقات وروده بأسمائها ونتاجها، مقدما خصائص كل منهم حسب جاليته وتنوعها الفكري والثقافي ، وصولا لانتمائه وموقفه السياسي والايديولوجي المُعلن، سواء من التهجير أو التوطين أو التطبيع. مركزا بالأخص على موقف كل منهم من الصراع التراجيدي العربي الاسرائيلي ومن القضية الفلسطينية .
تمهيده المفصّل المقصود هذا، وتوثيقه المبسط الوافي ، منحنا رؤية شاملة لقراءة روح الخطاب المقصود، قراءة حيادية موضوعية واضحة تربط الخطاب بالمشهد الثقافي والاجتماعي من جهة، وبالمشهد السياسي الاكثر تعقيداً من جهة أخرى. نعم ان موريه يَعي ما بريد من عرضه السخي هذا: ضرورة التعريف بمآثر نتاجهم على الواقع الثقافي والفكري والسياسي في المجتمع الاسرائيلي وكذلك على المحيط الثقافي العربي من حوله.
ولكي يكون وقع الخطاب المُعنى به، أكثر تفهما ودون لبس عند المتلقي ، قدم لنا موريه مع عناوين نتاجاتهم، قصصا حقيقية عن بعض معانات تهجيرهم ألقسري المرير. وفي ذات الوقت شرح كيف تجاوز بعضهم بنكران ذات عال، مآسي وموت اعزاء عائلته. وحكايات عن نبل هذه المواقف الإنسانية والأخلاقية اتجاه معاناة وطنهم إلام، متجاوزة آلام الماضي ودون تشفي أو شماتة.

برأيي ، أعتبر مقدمة موريه الرباعية الرائعة بما فيها من لفتات وتأملات احتوت المشهد الثقافي والسياسي، هي نسخة من خطاب موريه الشخصي وتطلعاته وآماله الطيبة لضرورة التطبيع الثقافي أولاً على اقل تقدير. انه يوظَّف نتاج الفكر الانساني والمعرفي ليهود الشرق لخدمة الخطاب الذي عنوّن مقاله الموسّع به.
انه تمهيد رائع لبث وإعلان حقيقة أو بالأحرى عدة حقائق تاريخية كان يرددها هو دوماً، جاء بها نص الخطاب. حقائق شوَّهها ثم غيِّبها زخمٌ هائل من أكاذيب ودسائس وغايات سياسية جيَّرها على عقولنا، ساسة "عقود الشرخ الأخيرة". ساسة ادخلونا عنوة في متاهات حروب "وطنية" خاصة بهم وحدهم، وبمجدهم الخائب، مجد زائف حرق الاخضر واليابس وبدد ثروة المنطقة برمتها.!!

مَن يقرأ خطاب أبناء اليهود المهاجرين التصالحي والتسامحي ستشده شدة تنوع الحقائق التاريخية التي غيبها الصراع السياسي. إنه خطاب موضوعي في الكثير من أوجهه، لكنه خطاب كتب بروح تسامحية رومانسية تتحدث بحسرة وحرقة عن فقدان ترابط نسيج حياتنا المشتركة. وتبديد سلامنا الاهلي وارث وتراث تاريخنا المشترك المجيد. انه نوستالجيا ذكريات التاريخ العذبة الذي جمع اليهود والاسلام والمسيحيين في جو روحي وديني تسامحي استمر قرون عدة قبل ان يبتلعها شرخ "العقود السياسية الأخيرة".
خلاف الحقائق تلك، سيُقرأ الخطاب كتجريد لمجموعة أماني وآمال اجتماعية واقتصادية ودينية طيبة نبيلة، طـُمست وغـُيِّبت في شرخ الصراع السياسي، الذي تمنى ! الخطاب دون الغوص في مسبباته، بضرورة "ترميمه" ووضع حل له بإقرب فرصة.
لا يخفى على أحد أن هذا الشرخ جاء نتيجة مؤامرات ودسائس قوى براغماتية نفعية كبرى، ولم يخلُ أيضاً من سفالات أطراف سياسية وكارتلات رأسمالية واجتماعية ودينية محلية في المنطقة لا تعد ولا تحصى.
خطاب الرئيس اوباما
--------------------
بالرغم من كوني لاجئ عصري ومن مخلفات العصر الوثني الجديد، ولي ذات الشعور بأهمية السلم الاهلي وحوار الأديان والحضارات، كوني نتاج صراعاتها الدامية المخجلة، لكن إصرار بعض العرب على إيهامي، بأن ملايين العرب والمسلمين الجوعى أو المشردين مثلي، هم نتاج نفس الصراع التراجيدي الفلسطيني الاسرائيلي، فبقدر ما فيه من صحة، أظنه تجريد وتبسيط سياسي لمشاكلنا المتعددة المتشابكة. إن أكذوبة فلسطين هي مركز هذا الصراع، أكذوبة مرَّرها ساستنا وقادتنا المتسمرين بالكراسي عقودا طويلة بهذه الحجة. أبعدونا بها عن صلب نضالنا اليومي والطبقي المشروع من اجل حاجاتنا وحريتنا وكرامتنا وازدهار أوطاننا، لاستمرار حكمهم الطاغوتي الفاسد. ألم تكن مطالب حركات شباب التغيير الأخيرة هي الحلم والأجدى في أن تكون مطالبها مركز وبؤرة أولويات اهتماماتنا الوطنية ؟؟ يا لمجد قادتنا العظام.. يا لخيبات الأمل!!
من هذا المنطلق، اعترف، فبرغم كثرة الحقائق التاريخية والرؤى المستقبلية التي جاء بها خطاب الرئيس اوباما التسامحي، لكنه لم يؤثر على زيادة فهمنا لما جرى ويجري. لأنه رغم صحته وصلاحيته المستقبلية، لكنه بقدر ما، لم يحدد سبب العلة !!.. حينها كانت " "قاهرة مبارك" في واجهة "ديمقراطية" مضللة. ولم تحِنْ "الصدفة " التاريخية لخلعه بعد..! لكننا الآن، وقد حان أوان التغيير. وبان للكل أصل شرور وعلل أوطاننا العربية والاسلامية،
تبين لنا إن غياب الديمقراطية واحدة من هذه العلل. في حين، لم يؤشَر أبداً على دور قادة حكوماتنا المستبدة الفاسدة في إذكاء وإدارة وتنوع الصراعات، وعلى انها اصل الشرور والعلل!!. حينها كان يساند هذا الواقع عن بعد، مؤسسات اليمين الاسرائيلي. إن هذا بالضبط ما يعنيني من الخطاب ! ومن كل خطاب. وضوح الإشارة، وصحيح العبارة وتوقيتهما..!
أتساءل: هل شعوبنا المقهورة مسئولة عن فشل سياسة التطبيع بين الاسلام واليهود وبين العرب واسرائيل ؟ يجيب موريه في مقاله(4): عن طريق الشعوب لا الحكام فقط، نستطيع التوصل الى سلام حقيقي ودائم.
وفي لقائه مع تلفزيون الحرة*(رابط فديو)، أجاب موريه بحسرة ومرارة: "حتى وزير الثقافة المصري وقف ضد نشر كتابي عن المسرح العربي الحديث.. والتطبيع كلمة اصبحت "تخيف" كل مثقف عربي .!" دعوني أتساءل: ما بال رجال الدين يا ترى إذن ؟

من قرائتي للمقال (1-4). أرى ان الدكتور موريه وظـَّف بمقدمته، تمهيداً رائعاً لخطاب مثقفي اليهود المهاجرين، لكن حلقاته الاربع كانت هي الخطاب الأصلي الذي لم يغفل أيّ حقيقة حتى ، ما لم يقله الخطاب. لقد وضع موريه في تأملاته كما عودنا، روحه الجريحة وآلامه إضافة لآماله في غد حر مزدهر ديمقراطي لشعوب المنطقة.
حدد موريه بتأملات ومقارنات ولمحات خطابه "الرباعي"، بيت القصيد ومكمن العلة والمعلول في كل ما يجري.

ان طغاتنا الفاسدون الجهلة هم "صخرة سيزيف الجاثمة على صدورنا وكاهلنا". وهم أعداء التغيير والتعليم والعلم والتطبيع والحرية والديمقراطية والازدهار والتقدم.
يا صديق المثقفين العرب والمسلمين.. أيها العراقي النبيل، العزيز شموئيل سامي موريه: شكرا "لخطابك" التسامحي الشامل الوافي الرائع.. شكرا لآمالك وأمانيك النبيلة.

(*) رابط (1-4)من المقال:
  http://www.akhbaar.org/wesima_articles/human_rights-20110516-110344.html

(*) فيديو"الحرة"
 http://www.youtube.com/watch?v=L4sIowr7Beg&feature=related


سعد سامي نادر
Saadnader90@yahoo.com

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية