ما زالت السلطات في السعودية تطيح برقاب معارضيها ومنتقديها ومن تختلف معهم آيديولوجيا وعقائديا، كلما سنحت لها الفرصة.
بالسيف وسيرا على تقليد قديم انتهجه عتاة الحكام العرب في مراحل مظلمة من التاريخ العربي والإسلامي يستمر السيّاف السعودي بقطع رؤوس عشرات الأشخاص من وقت لآخر لتدلى أجسادهم لاحقا في الهواء مصلوبين بعد أن يقرر القضاء السعودي أنهم قد" حاربوا الله ورسوله".
السّياف بعضلاته المفتولة وقامته الضخمة يهوي بالسيف على رقبة الضحية المربوطة أمامه فيتدحرج الرأس أمام جمع من الأشخاص يمثلون سلطات مختلفة في البلاد، لينهي حياة ضحية النظام في ثوان معدودة.
مشهد يتكرر كثيرا في السعودية وينفذ ببشاعة بحق العشرات، ليس فقط من السعوديين بل من جنسيات مختلفة، غير أن اللافت أن أسلوب العقاب هذا أصبح منهجا سعوديا للإنتقام الطائفي والتعبير عن أبشع مشاعر الكراهية والحقد الطائفي ضد مواطنين من العراق واليمن، ففي السنوات الماضية أعدمت السعودية العشرات من العراقيين واليمنيين بقطع رؤوسهم على أساس طائفي بعيدا عن الدوافع الجنائية.
لم يقترف هؤلاء جرما يستحقون بسببه قطع رؤوسهم سوى أن حظهم السيء ساقهم الى تجاوز الحدود السعودية بقصد الرعي والصيد. لكن الكماشة الطائفية السعودية متحفزة للانقضاض بعنف على كل من يختلف مع النظام عقائديا وفكريا.
العراقيون ممن اجتازوا خطأ الحدود الى الجانب السعودي ونفذ بهم حكم الإعدام بالسيف وأعلنت عنهم السلطات السعودية كلهم من المحافظات الوسطى والجنوبية بمعنى أنهم جميعا من طائفة معينة، الأمر الذي يعتبر غريبا للغاية في ظل تنوع العراق إثنيا.
هو كذلك لانه يوحي بأن العراقيين ممن يسكنون المناطق الغربية من العراق لم يجتازوا الحدود مع السعودية مطلقا. ولكن هذا ليس صحيحا، فحيث يوجد رعاة متنقلون وهواة لصيد الصقور والطيور البرية، توجد عمليات اجتياز للحدود بشكل غير رسمي، إلا أن السعودية تميّز بدوافع طائفية بين العراقيين ممن يعبرون حدودها من المناطق الغربية وعراقيين يعبرون تلك الحدود من وسط العراق.
لكن المؤكد أن السعودية لم تتعامل بالحزم نفسه مع رعاة وصيادين بريين من الكويت والأردن يتجاوزون الحدود المشتركة مع السعودية باستمرار، ودوافع التغاضي هنا والحزم والتشدد على حدودها المشتركة مع العراق طائفية بامتياز.
هذا الحقد الطائفي السعودي لم يعد خافيا، فقد أعلنت الأمم المتحدة صراحة أن الحكومة السعودية حاقدة بدوافع طائفية على العراق وجاء على لسان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان في وقت سابق أمام عدد من السفراء والدبلوماسيين العرب في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة "لم أر أوقح وأسوأ من الحكومة السعودية، ولا أعرف كيف ستواصل هذه الإدارة الحكم".
وأضاف" بعد خلاف السعوديين مع العراق، قطعوا كل العلاقات معه، ولم يعد مسؤولوها يتحملون رؤية أي شيء جيد في هذا البلد. وعندما رأوا علامات تقارب أميركي ـــ إيراني جن جنونهم، لدرجة أن وزير الخارجية سعود الفيصل لم يكتف بعدم إلقاء كلمة بلاده في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بل إنه لم يوزعها على الحضور.
موقف منظمات حقوق الانسان الدولية من قطع الرؤوس في السعودية
على الدوام كان موقف منظمات الدفاع عن حقوق الانسان الدولية والعربية فاترا حيال عقوبة قطع الرأس والصلب التي تنفذها السلطات السعودية بحق معارضيها وبحق اشخاص من جنسيات أخرى بدوافع طائفية لاتستند إلى أية دواع جرمية، فبينما أعدمت السعودية في يناير الماضي خمسة اشخاص من اليمنيين الشيعة وهم من أسرة واحدة بقطع الرؤوس والصلب بذريعة تكوين عصابة إجرامية اكتفت هيومن رايتس ووتش بالدعوة إلى" وقف التزايد المزعج في استخدام عقوبة الإعدام في المملكة".
ولم تكن ردة فعل المنظمات الدولية الأخرى حازمة إزاء حجم الانتهاك المفرط لحقوق الانسان الذي تقترفه السلطات السعودية، ففي حين نفذت هذه السلطات عمليات إعدام لعراقيين في السنوات الماضية لم تبد الأمم المتحدة إدانة لهذه الإعدامات، وحتى حين أعلنت السعودية في تشرين الأول من العام الماضي عن إعدام سبعة عراقيين دون أن يعرف الجانب العراقي طبيعة الجريمة التي اقترفوها التزمت الأمم المتحدة جانب الصمت حيال هذه الواقعة.
وفي مواسم الحج تمارس السلطات السعودية تضييقا يعبر عن المنهج العقائدي المتشدد الذي تعتنقه، فلاتسمح لآلاف المسلمين من الشيعة بزيارة قبور أئمتهم في البقيع، ويعتدي عناصر السلطة بالضرب على من يحاولون الوصول الى هذه القبور بقصد التبرك، وتعرض العشرات من الحجاج في مواسم الحج المختلفة لاعتداءات وتجاوزات وصلت إلى حد حجزهم في مكاتب ما يعرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدة أيام وتهديدهم والاعتداء المعنوي عليهم، دون أن تقف منظمات الأمم المتحدة موقفا حازما من هذه التجاوزات التي تعتبر وفقا للقوانين والأعراف الدولية تجاوزا صارخا على حريات الناس في المعتقد وممارسة الشعائر الدينية خصوصا وأن المنظمات هذه طالما بالغت في الدعوة لاحترام حرية التعبير والاعتقاد فاعتبرت التهجم على الذات الإلهية المقدسة تعبيرا عن الرأي لاتجوز المحاسبة عليه وقضية صاحب كتاب آيات شيطانية، سلمان رشدي التي راجت في ثمانينيات القرن الماضي ومواقف منظمات الامم المتحدة منها معروفة.
الموقف الدولي من القضاء العراقي
في مقابل صمت المنظمات الدولية حيال الاستخفاف السعودي بأرواح المواطنين العراقيين، كانت المنظمات ذاتها تعلن باستمرار عن شجبها وتنديدها بتنفيذ أحكام الإعدام بحق مدانين بقضايا الإرهاب في العراق وتطالب السلطات العراقية بإلغاء هذه العقوبة.
هناك فارق كبير بين المحاكمات التي يجريها القضاء العراقي وتلك التي يجريها القضاء السعودي المستعجل في إزهاق الارواح الى جانب الاختلاف من حيث الموضوع اذ في العراق ينفذ المئات من الجهاديين والتكفيريين بينهم العشرات من العرب عمليات قتل واسعة وعنيفة بحق الآلاف من العراقيين فقد اعلنت الامم المتحدة عن مقتل 979 شخصاً واصابة 2,133 في شهر ايلول الماضي فقط.
المحاكمات في العراق تستغرق وقتا طويلا جدا ولاتنفذ عقوبة الإعدام بحق المدانين بشكل فوري، وهناك المئات من المدانين ينتظرون منذ أكثر من سبعة أعوام تنفيذ عقوبة الإعدام. لكن القضاء منحهم فرصة الإستئناف لعدة مرات، ومع أن الأمر تسبب بانزعاج واضح في الشارع العراقي الذي يعاني يوميا بسبب الأعمال الإرهابية، غير أن الأمم المتحدة تنتقد على الدوام القضاء في العراق وتدعوه إلى عدم تنفيذ احكام الإعدام التي صدرت سابقا وتطالب السلطات العراقية بإلغاء هذه العقوبة التي تعتبرها" أمرا معيبا وغير مبرر" وقالت مفوضة الامم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي مطلع تشرين الأول الحالي "إن تنفيذ هذه العقوبة يعد شيئا معيبا إلى حد كبير وهي غير مبررة حتى تنفيذها بشكل محدود، ناهيك عن إعدام العشرات من السجناء في وقت واحد".
بيلاي إذن لاترى في تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين أمرا مبررا مع كثرة التفجيرات البومية التي صارت تشكل وجها من وجوه حرب الإبادة الجماعية بحق العراقيين الشيعة.
وقد أثار التصريح استياء واضحا في الشارع العراقي بسبب استخفافه الواضح بدماء العراقيين ممن يسقطون بشكل يومي على أيدي الجماعات المسلحة.
تناقض المنظمات الدولية
بدا موقف المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان متناقضا حيال السجناء في السعودية والعراق كما هو كذلك حيال عقوبة الإعدام في البلدين، فهذه المنظمات التي لاتتعاطف مع السجناء العراقيين في السجون السعودية، تبدي تعاطفا كبيرا مع السجناء التكفيريين في العراق، ومع أنها تتغاضى عن عقوبة الإعدام التي تنفذ ببشاعة في السعودية وتمنح السيّاف السعودي حصانة ولاتجرؤ على انتقاده نجد انها تهاجم القضاء العراقي ولا تحترم سيادة البلاد وهو الموقف الذي يعرض مكانة هذه المنظمات وحياديتها الى التشكيك، خصوصا أن ما يجب أن تدافع عنه هذه المنظمات هو حق الإنسان بالحياة، وهذا الحق بالنسبة لآلاف العراقيين قد تعرض للانتهاك الصادم على أيدي جماعات تكفيرية تمولها دول إقليمية، فهل يعقل أن يتمتع السيّاف السعودي بحصانة على حساب الدم العراقي؟!.
.....................................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
موبايل/009647712421188
http://adamrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights
%@