يرى مختصون في مجال القانون الدولي أن الحق في المساواة وعدم التمييز هو بمنزلة حق عام، تتفرع منه حقوق الإنسان الأخرى، أو هو نقطة الانطلاق للحقوق والحريات الأخرى كافة. إنه ليس حقا من حقوق الإنسان فقط، بل هو أحد المبادئ الأساسية التي تهيمن على سائر حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي ما لم تطبق بالمساواة على الجميع؛ فانه لا يصدق عليها اسم حقوق الإنسان؛ بل تغدو امتيازات للبعض دون البعض الآخر.
ونظرا للأهمية القصوى التي يحظى بها الحق في المساواة وعدم التمييز، فقد كان من الطبيعي أن تسعى كل من القوانين الدولية والإقليمية والقوانين الداخلية إلى حمايته؛ فهو يحتل الصدارة في كل مواثيق الأمم المتحدة لاسيما إعلانات حقوق الإنسان الشهيرة، وفي مقدمتها الإعلان العالمي حقوق الإنسان، وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان العالمية منها أو الإقليمية، وفي دساتير الدول في أنحاء العالم كافة.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحتوي على عدد من المواد التي تعنى صراحة بمبدأ المساواة وعدم التمييز، أما بقية المواد فتنص على المبدأ ضمنيا، حيث تنسب الحقوق الواردة فيها إلى "كل إنسان" أو "كل فرد" أو "كل شخص" والنصوص الأكثر صلة بالمساواة وعدم التمييز في الإعلان هي نصوص المواد الأولى والثانية والسابعة منه.
ويحتوي كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذان اعتمدتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966 على نصوص تتضمن مبدأ المساواة وعدم التمييز.
وترتب ثلاث اتفاقيات دولية أخرى التزامات محددة على الدول الأطراف فيما يتعلق بالتمييز على أساس كل من العرق والجنس والإعاقة، وهي على التوالي: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ناهيك عن ورود هذا الحق في العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى مثل: اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الدولة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. كما واعتمدت بعض الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة اتفاقيات دولية نصت على هذا المبدأ مثل: اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم، واتفاقية المساواة في الأجور، واتفاقية التمييز في الاستخدام والمهنة.
وعلى الصعيد الإقليمي، فقد ورد النص على هذا الحق في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وميثاق الحقوق الأساسي للاتحاد الأوربي، والاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وغيره. وقد انتهجت العديد من الدول بما فيها دول الشرق الأوسط، فضمنت دساتيرها وقوانينها ولوائحها وإجراءاتها وسياساتها الوطنية المختصة حق المساواة وعدم التمييز بين البشر.
في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على وجه التحديد، كان الالتزام بعدم التمييز التزاما فوريا وشاملا. فالفقرة 2 من المادة 2 تقضي بأن تضمن الدول الأطراف عدم التمييز بين الأشخاص في ممارسة كل حق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في العهد، وبأنه لا يمكن تطبيق العهد إلاّ بممارسة هذه الحقوق.
وحتى "تضمن" الدول الأطراف ممارسة الحقوق المنصوص عليها في العهد دون أي تمييز من أي نوع، فإنه يجب القضاء على التمييز شكلاً وموضوعاً: (أ) التمييز الشكلي: يتطلب القضاء على التمييز الشكلي ضمان خلو دستور الدولة وقوانينها ووثائق سياساتها من التمييز لأسباب محظورة؛ مثلاً، ينبغي ألاّ تحرم القوانين النساء من الاستفادة على قدم المساواة مع الرجال من استحقاقات الضمان الاجتماعي استناداً إلى حالتهن الاجتماعية؛ (ب) التمييز الموضوعي: إن التصدي للتمييز الشكلي وحده لن يكفل المساواة الموضوعية بالمعنى المقصود والمحدَّد في الفقرة 2 من المادة 2. فكثيراً ما يتأثر التمتع الفعلي بالحقوق المنصوص عليها في العهد بانتماء الشخص إلى مجموعة تتوفر فيها أسباب التمييز المحظورة.
ويتطلب القضاء على التمييز في الواقع العملي إيلاء العناية الكافية لمجموعات الأفراد التي تعاني من تحيّز تاريخي أو مستمر بدلاً من مجرد المقارنة بالمعاملة الشكلية التي يتلقاها أفراد في حالات مشابهة. ولذلك السبب، يجب على الدول الأطراف أن تعتمد على الفور التدابير الضرورية للحيلولة دون نشوء الظروف والمواقف التي تسبب أو تديم التمييز الموضوعي أو الفعلي، ولتخفيف تلك الظروف، أو المواقف أو التخلص منها. فمثلاً، سيساعد ضمان مساواة جميع الأفراد في الحصول على السكن اللائق والمياه والمرافق الصحية على القضاء على التمييز ضد النساء والأطفال البنات والأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية وفي المناطق الريفية.
على هذا الأساس، فان القضاء على التمييز بكل ألوانه وأشكاله ومسمياته، من الناحية الواقعية لا الشكلية فحسب، فإن هناك عدد من التدابير والإجراءات المحددة التي ينبغي اعتمادها من طرف الدول والجماعات المحلية ومنها على سبيل المثال:
- اعتماد تشريعات محددة تحظر التمييز بين البشر في مختلف المجالات لاسيما في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وينبغي أن ترمي تلك القوانين إلى القضاء على التمييز الشكلي والموضوعي. وينبغي مراجعة قوانين أخرى بشكل منهجي وتعديلها، عند الضرورة، لضمان ألاّ تشكل تمييِزاً أو تؤدي إلى تمييز، شكلاً أو موضوعاً، فيما يتعلق بممارسة الحقوق المذكورة في القوانين الدولية والوطنية.
- ينبغي وضع استراتيجيات وسياسات وخطط عمل وتنفيذها بقصد التصدي لكل من التمييز الشكلي والتمييز الموضوعي على يد أطراف فاعلة من القطاعين العام والخاص. وينبغي أن تتناول تلك السياسات والخطط والاستراتيجيات جميع المجموعات التي تُميَّز عن غيرها لأسباب محظورة.
- ينبغي مطالبة المؤسسات العامة والخاصة بوضع برامج عمل تتناول عدم التمييز، وينبغي للدولة أن تنفِّذ برامج تثقيف وتدريب في مجال حقوق الإنسان لفائدة الموظفين العموميين، وأن تتيح ذلك التدريب للقضاة وللمرشحين لشغل مناصب قضائية. وينبغي إدماج تدريس مبادئ المساواة وعدم التمييز في نظام التعليم الشامل المتعدد الثقافات الرسمي وغير الرسمي بغية تفكيك مفاهيم التفوق أو الدونية المبنية على أسباب محظورة، وتشجيع الحوار والتسامح بين مختلف فئات المجتمع.
- لابد من اعتماد تدابير خاصة لتخفيف أو كبح الظروف التي تديم التمييز. وتكون تلك التدابير مشروعة ما دامت تمثل وسائل معقولة موضوعية ومتناسبة للتصدي للتمييز بحكم الواقع، ويتم التخلي عنها عندما تتحقق مساواة موضوعية قابلة للدوام. غير أن تلك التدابير الإيجابية قد تحتاج، في حالات استثنائية، إلى أن تكون دائمة، كتوفير خدمات الترجمة الفورية للأقليات اللغوية، وترتيبات معقولة تيسّر للأشخاص ذوي الإعاقات الحسية الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية.
- ينبغي أن تنص التشريعات والاستراتيجيات والسياسات والخطط الوطنية على آليات ومؤسسات تتصدى بفعالية للطبيعة الفردية والبنيوية للضرر الذي يخلِّفه التمييز. وينبغي أن يكون الوصول إلى تلك المؤسسات متاحاً للجميع دون تمييز. وينبغي أن تبت تلك المؤسسات في الشكاوى أو تحقق فيها فوراً بنزاهة واستقلالية، وأن تعالِج الانتهاكات المدعى حدوثها. وينبغي أن تُخوَّل لهذه المؤسسات كذلك سلطة توفير وسائل انتصاف فعالة، كالتعويض، وجبر الضرر، ورد الحق، ورد الاعتبار، وتقديم ضمانات بعدم التكرار والاعتذار العلني.
- هناك بالطبع دور أساسي للقضاة وأعضاء النيابة والمحامين في حماية الأشخاص من التمييز. وتتمثل مهمتهم في التأكد من احترام القوانين والأنظمة القائمة التي تحظر التمييز في الممارسة القانونية. وفي بعض البلدان يحظر التمييز قانونا ولكن القوانين لا تنفذ على الوجه الكافي. ويؤدي القضاة وأعضاء النيابة والمحامون دورا بالغ الأهمية في علاج تلك الحالات وكفالة عدم التغاضي عن إفـلات الأعمـال التمييزية من العقاب والتحقيق في تلك الأعمال والمعاقبة عليها على النحو الواجب.
.................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights