دراسات ديمقراطية

راغب الركابي

الماسونية

01/07/2021 21:01
من  الأشياء  الأكثر  إثارة  في هذا العالم  تأتي   -  الماسونية -   كلفظ  وكمعنى وكدلالة   ،  والماسونية   :  شأنها  كشأن  الكثير   من الحركات  التي  أصابها  من   التدليس والتشويه  والتضليل  ما أصابها  سواء  في أهدافها  أو في  مراميها    ،   وقد برع في ذلك  كهنة  الأديان  الذين لعبوا  دوراً  مزدوجاً   في هذا  التشويه  وهذا  التضليل   ،  وحسبنا  تلك الإصدارات  والبيانات   والأحكام   التي صدرت عن الكنيسة  على نحو مباشر أو من خلال الرعاة  الذين  لم يألوا جهداً  في  تأليب الرأي العام  في ظل من التهريج  و  العداء  المفترض  للدين  أو للثالوث  ،  ومن هنا أتخذها البعض  خصماً  ودعوا لمحاربتها تحت عناوين ومسميات شتى   ،  ومع هذا ثابرت  الماسونية  في توضيح  ما تريد بيانه وإبلاغه  عبر الحوار  والكلمة  الطيبة  ،  مما تسنى للكثيرين  رفع هذا الإلتباس  الذهني  ومشاهدة الواقع  كما  هو من حيث  كونها تنظيم إنساني  إجتماعي  هدفه نشر الوعي  ورفع سوية الجماعة البشرية  ودعم توجهاتها لما هو نافع وبنّاءَ    .   إذن  فالماسونية  هي  : -   تنظيم   إجتماعي  إنساني هدفه حماية الإنسان والدفاع عنه  وعن  حقوقه وحقه  في الحياة  -  ،   ونضيف  إلى ذلك   حمايته  من التطرف والأفكار  الهدامة  التي تصنعها سياسات   دول وأحزاب  معينة   ،   مهمتها  إيجاد   التفرقة   و الخلاف  بين أبناء الجنس البشري  الواحد   ،  وقولنا هذا   ينفي   صفة   كون   الماسونية  منظمة   سياسية  أو  حتى  كونها  منظمة دينية  حتى يتم التشهير بها   على هذا النحو   الذي نسمعه   ،   كل  هذا لا يمنع  من الإعتراف  بان  هذا التنظيم يحاول  إيجاد طريقاً ما   لفهم  -  عبادة الإله الواحد  -   ،  وهذه الفكرة  لا تطرح   على نحو الوجوب الإكراهي  القهري   بل تجعل منها قضية فكرية قابلة للحوار  والفهم المتبادل  ،  مستندة  في ذلك  إلى  المفهوم -   قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين -   ، وبالتتبع المعرفي لخط سير سلوك هذه الفكرة لم نجد انها تحيد عن ذلك المعنى الرسولي المتداول والذي يقول :  -  يجب ان  يكون الإله واحداً     -   كذلك ويجب ان يكون  الدين واحداً  -  ،  وقضية   الوجوب  هي قضية معرفية صرفة   ،  فالإله  الواحد  والدين الواحد من حيث هي   قضية فلسفية  كتب فيها وحاور فيها  جماعة من  قديم الأزمان  ،  ولازالت تجد لها نصيباً   وافراً  في هذا الجدل المعرفي   ، ولم  يقف بوجه  هذه القضية   مفسروا  المدرسة الكنسية  من الطرف الثاني   ، أولئك  الذين يجدون الوحدة  تكمن  في التعدد  في إشارة    لمعنى -  الثالوث المقدس -    .  لكن مفهوم الإله  الواحد هذا   وجد له   أصحاب  التفسير  التاريخي  مفهوماً   أكثر  سعة  في معنى  -  الكائن الأسمى  -   ،   ولكن مامعنى هذا  ؟   ،  وفي الجدل التاريخي  هذا  عن وحدانية الإله   ذهب جماعة  من المشرعين  القدامى   للقول  :  - بأن اللفظ ليس غاية  بحد ذاته   ، و إنما المُراد هو المعنى   الكامن   فيه   -   ،  أي إن  لفظ الله  أو الإله  ليس غاية نهائية  ومطلوبة   في التسميه   ،  لأن  المطلوب  هو ما بعد ذلك وهو -   الايمان   -   والذي  يصح مع  كل ما يؤدي إلى معنى وحدانية الإله  ،   وتسالماً أطلقو عليه ( الكائن  الأسمى )   .    ومع إن هذا  التفسير لمعنى الوحدانية  براغماتي  بدرجة ما  ،  لكنه  يصح من حيث  إنه  يعطي  مساحة أوسع في إدراك  المعنى والمفهوم الحقيقي  للايمان بعيدا عن  زحمة  التسميات والمصطلحات   ،   وهذا  ما قال به   -  لاري لاندروز  -  عالم  اللسانيات  الشهير  ،     فالمشرع لا يجد حرجاً فيما  لو جعل من  اللفظ تسالمي يصح مع كل جماعة  في لفظها   للمعنى المقصود والمراد   ،  لكن  الأهم  في ذلك  هو نفي التعددية  في قضية الإيمان  ،  من هنا تبدو بعض سدنة  الكنيسة  وقعوا في إشكالية  واضحة ،  وهو في الكيفية التي يتم بها الخلاص   من الإلتزام  بفكرة الثالوث المقدس  والإيمان بها  .  ولا أجد فيما أذهب  إليه من حرج بالقول : - إن  الدعوةالماسونية تجد  مصداقيتها   لدى الفكر الإسلامي  الخالص   ،  وفي  دعوته المتكررة لمعنى  الإله  الواحد ونفي الشركاء -   ،  لكن   هذه  الفكرة  لدى  بعض المسلمين  تنطلق   في أحيان كثيرة  من  عداء   أو  من خلال  إحتكار  مفهوم الإله الواحد -  الله -   كمحاولة   منهم للتميز والتفرد  ،  وهذه واحدة من الأوهام   الديماغوجية   لأنهم تناسوا  الشرط الموضوعي في الدعوة القرآنية   لوحدة الإله   ومراعاة  التسهيل  في مرام الداعين  لها   ،  أي إن الشراكة في عقيدة الإله  الواحد ليست حكراً   على هذه الفئة  من المؤمنين  ،   بدليل الشرط  والإقتضاء في القرآن  المجيد  ،  على أن ذلك عابراً  للحدود  وفي ذلك تتساوى الدعوة الماسونية مع الدعوة القرآنية  أو إنها  تلتزم  في ذلك  بما ورد في القرآن المجيد  كما في سورة البقرة : - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  - البقرة 62 ، ،  وقد تكرر الأمر  لكن من يدفع بعكس هذا التوجه هي الزمر الحاكمة التي ادعت وراثتها لله   ،  فحطمت قيود التلاقح الفكري ولم  تسهل مهمة الإيمان بالله   .  وللحديث بقية  
راغب الركابي  

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية