دراسات ديمقراطية

عدي عدنان البلداوي

العالم الافتراضي وارادة الجماهير من يؤثر في الآخر .؟

12/07/2021 07:10
هل يشكل العالم الإفتراضي خطرا على إرادة الجماهير في النظام العالمي الجديد..؟
في مقدمة كتابه ( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) المطبوع سنة 1965م ، يقول الدكتور علي الوردي ( لقد عانى العراق منذ عهود بعيدة فجوة واسعة بين الشعب والحكومة . فالشعب يعتبر الحكومة كأنها عدوة له لا تأتي له بأية منفعة ، وكثيراً ما يأتي الضرر منها . وقد لاحظت هذا في اوساط العامة بوضوح..)
 قبل 2003م عندما كان نظام الحزب الواحد يسيطر على الواقع الحياتي للناس في العراق ، وقف قسم منهم الى جانب السلطة وابتعد قسم آخر فاضطروا لحياة التقشف والبؤس والخوف والحذر حفاظاً على انفسهم من مصاحبة السلطة  أو من الموت بسبب معارضتها ، واختار قسم ثالث الهجرة الى اوربا وبلدان العالم الاخرى ، وعندما شاءت المصادفات واقتضت مصالح القوى الكبرى تغيير النظام في العراق ، دخلت البلاد مرحلة جديدة كان عنوانها الأبرز صناديق الإقتراع  وسيلة للوصول الى السلطة . تعددت الأحزاب ودخلت انتاجات ثورة الصناعة والتكنلوجيا الى البلاد وبعد سنوات ادرك الناس ان واقعهم الجديد لا يقل سوءاً عما كان عليه ، أو وجدوه واقعاً محفوفاً بالمخاطر ، فوجدوا في ادوات التغيير خياراً يعبّرون من خلاله عن رفضهم هذا الواقع فخرجوا الى الشوارع متظاهرين بعد ان كان ذلك مستحيلاً قبل 2003م ، وسنة بعد اخرى اكتشف الناس ان تظاهراتهم لم تصل بهم الى ما يبتغون من تغيير ، وكان للعالم الإفتراضي دوره  في تمكين الناس من التعبير عن آرائهم عبر منصات التواصل الإجتماعي وشبكات الإنترنت ، فأنشأت مجاميع ومنتديات الكترونية وصار بوسع الناس معرفة المزيد عن واقعهم السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ، وما يحصل من حولهم ، وصار بمقدور كثيرين حول العالم ان يقولوا "لا" أو "نعم" إزاء ما يُطلب منهم الإستفتاء بشأنه ، وبذلك شعر المواطن عبر العالم ان صوته صار اقوى من قبل وصار مسموعاً على الرغم من الضوضاء التي تملىء العالم ، وصار بمقدور عدد من الأشخاص الإتفاق فيما بينهم عبر شبكة الإتصالات على انطلاق تظاهرة وحصل ذلك في اماكن مختلفة حول العالم ، لكن ما لوحظ على كثير من تلك التظاهرات ان المتظاهرين كانوا على علم هامشي بحقيقة واقعهم أو كان علماً محدوداً ، لذا لم يتمكنوا من استعادة السلطة من السياسيين الفاشلين والفاسدين على الرغم من تمكنهم من إسقاط حكومات ، وقد كشفت ذلك تظاهرات العراق ولبنان والجزائر ، وبذا فإن العالم الإفتراضي مثلما يوفر منفعة كبيرة فإنه قد يشكل خطراً كبيراً يحدق بالمجتمعات ، فإذا بها تبتلى هذه المرة بأنظمة فاشلة تسهم هي في وصولها الى السلطة ، خلاف ما كان عليه الحال في زمن الإنقلابات والمؤامرات والإغتيالات عندما كانت السلطة موضع تداول اشخاص أو احزاب بعيداً عن مشاركة الجماهير . لكي نستفيد من العالم الإفتراضي في تغيير واقعنا والإنتقال به الى الأفضل علينا ان لا نعطي اتصالاتنا الإفتراضية مساحة اكبر من اتصالاتنا بأنفسنا ، فمن مؤشرات ضعف الإتصال بالنفس وقوع أشخاص في حالات انتحار وقتل وابتزاز وتجارة بيع الأعضاء وبيع الأطفال والإستغلال . ولكي لا يكون التغيير شكلياً في حياتنا نحتاج ان نعطيه عمقاً واقعياً في الفهم والمعنى وقد نحتاج الى استعارة قول سقراط ( اعرف نفسك) التي قالها عندما كان السوفسطائيون يمثلون شبكة تتحرك في ارجاء اليونان لنشر العلم وتعليم الناس التربية  والتاريخ وغيرها، واطلق سقراط  مقولته (اعرف نفسك) من اجل ان لا تضيع بالناس سبل الحقيقية فيشتبه عليهم الحق والباطل ، فقد كان السوفسطائيون يقولون للناس ان الحق ما تراه انت وان كان غيرك لايراه كذلك ، وقد نلاحظ مثل هذه الفوضى موجودة في ايامنا هذه ، فبعد ان انصرف اغلب الناس عن القراءة بسبب ضغوط ومشاغل ومتاعب الحياة ، ضعفت قدراتهم المعرفية وجاء العالم الإفتراضي ليقدّم وسيلة سهلة سريعة للبحث عن المعلومة والوصول الى اكبر قدر منها ، ولأننا لا نحيط علماً بأهداف القائمين على العالم الإفتراضي بشكل دقيق وامين ، فإننا قد نواجه عرضاً مشوّهاً لحقائق معينة بين الحين والآخر ، واذا كان بمقدور المثقف اكتشاف التشوّه فليس بمقدور عامة الناس ذلك .

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية