دراسات ديمقراطية

د. ميسون البياتي

نظام التفاهة

02/12/2022 07:48
آلان دونو Alain Deneault  مواليد 26 سبتمبر 1970 فيلسوف كندي يحمل الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باريس8  منذ سنة  2004. وحالياً هو مدير الكليه الدوليه للفلسفه في باريس . يعيش في مونتريال ويعمل محاضراً في علم الاجتماع بجامعة كيبك التابعه لقسم العلوم السياسيه . صدر له سنة 2015 كتابه La médiocratie وهو باللغة الفرنسيه , قامت كاثرين براون Catherine Browne بترجمته الى الأنكليزيه . النسخه الفرنسيه مطبوعه على الورق , النسخه الإنكليزيه عنوانها الوسطيه : سياسة المركز المتطرف Mediocracy: The Politics of the Extreme Centre وهي غير مطبوعه على الورق , نسختها الألكترونيه يمكن تحميلها على جهاز كندل سعرها حوالي 9 دولارات . النسخه العربيه من الكتاب تحت عنوان : نظام التفاهه  يتكون الكتاب من مقدمه و 4 فصول هي : 1: المعرفه والخبره , 2 : التجاره والتمويل , 3 : الثقافه والحضاره , 4 : ثوره – إنهاء ما يُضِرُّ بالصالح العام . الخاتمه تحمل عنوان: سياسات الوسط المتطرف
اذا أراد الفرد  أن يصبح ثرياً مشهورا فعليه العمل بخبرة أقل , فرغم أن المعرفه الواسعه تؤدي الى خدمة الناس بشكل أفضل لكن مردودها المادي والإجتماعي سيكون أقل  كيف يتأسس نظام التفاهه ؟ يتأسس بوصول أناس محدودي الخبره الى عالم السياسه والتجاره والصحه والتعليم وسيطرتهم على المراكز الأهم في البلاد ودفع أصحاب الخبره والكفاءه الى الخلف رغم تميزهم , وهكذا تدخل البلاد في دوامة التراجع التي تتسع حلقاتها يوماً بعد يوم تحت قيادة من لا يمتلكون الكفاءة والقدره  نظام التفاهه لا يمثل طبقه إجتماعيه معينه لأن الناس المتخلفه في الوعي ممكن ان تكون منتشره في طبقات المجتمع من أدناها الى أعلاها والعكس ايضاً صحيح , لكن هذه الفئه من الناس تشكل الفئه الأكبر فيه وهي التي تحوله الى مجتمع متخلف وفاشل  نظام التفاهه نظام رأسمالي يسيطر فيه اصحاب المال والنفوذ ولا يسمحون لأصحاب الكفاءه البروز وتقديم الخدمه الأفضل لكنهم سيدعمون متوسطي الخبرات والتفكير ويحولونهم الى واجهات لجر البلاد الى الخلف وبهذه الوسيله ينمي اصحاب المال ثرواتهم . واصحاب النفوذ سيطرتهم وتسلطهم  أي بلد يسيطر عليه نظام التفاهه تنعدم فيه الثقافه وتتحول فيه الحرفه البسيطه الى وظيفه , العامل في معمل المسامير يعرف كل شيء عن معادنها وأطوالها واستخداماتها لكنه لم يطور قابلياته أبعد من هذا ليدق مسماراً بنفسه , أو صاحب معمل لأنتاج الملابس وهو لا يتمكن من خياطة زر قميص لأن ذلك خارج تخصصه , أو تجد ثرياً قام بدعم أحدهم أو إحداهن لتتحول الى مطربة بسرعة الصاروخ لتملاً الفضاء بالضجيج لأنها لا تميز طبقات الأصوات ولا تعرف قراءة النوته الموسيقيه وليست لديها القدره على اكتساب مهارة كامله  عندما تسيطر الشركات الكبرى على سياسة الدوله , تصبح البلاد تحت حكم الشركات , واصحاب هذه الشركات سيصبحون هم اسياد اللعبه , يتلاعبون بالمال والقوانين وأرواح الناس لا يردهم عما يبتغونه راد منذ عقود ونحن نسمع عن ( التعليم الذي يخدم سوق العمل ) لكن هذا الشعار يتحول الى مزحه كبيره في الدول الرأسماليه والتي تتعامل بإقتصاد السوق . في التعليم التجاري سترفع الجامعات شعار خدمة سوق العمل . الشركات ستقدم الدعم للجامعات لتمكينها من هذه المهمه لأن الشركات تبحث عن المزيد من الارباح , الجامعات في نفس الوقت ستبحث عن المزيد من التمويل من الشركات ولهذا ستفرض على كوادرها تدريسيين وطلاب أطر وأنماط معينه من البحث والتدريس الذي يخدم سوق العمل ولا شيء غيره فتحدد لديهم القدره على الابداع والإبتكار والخلق الذي يخدم المجتمع رغم عدم خدمته لآنيه متطلبات العمل  حسب تصور آلان دونو فإن أدارات الجامعات التجاريه ستفرض على تدريسييها منحنى curve يتم بموجبه تخريج الطلاب بحيث يكون 20% منهم من الراسبين و 20% من المتفوقين و60% من المتقولبين حسب احتياجات سوق العمل , ولن يكون مقبولاً من التدرسي ان يبذل جهده بوتيرة اعلى لتغيير هذه النسب وجعل الكل ينجحون بمعدل جيد , التعليم في هذه الحاله سيتحول الى سلعه يشتريها الطالب ويؤدي متطلباتها كيفما اتفق ليحصل في النهايه على عمل يرتزق منه , وهنا سيتحول الطالب الى ترس أو عجله تدور في ماكنة كبرى يمتلكها رب العمل , وهذا لا يجوز في الجامعات التي تريد تخرج طلاب مثقفين لكنه جائز ومطلوب في نظام التفاهه  يحدثنا آلان دونو عن نظام الإقتصاد الغبي . هذا النظام يعمل بقانون طبيعي ينص على أن كل فرد يسعى الى تحقيق مصالحه الذاتيه دون ان تتدخل الدوله كممثل للمصلحه الاجتماعيه بمحاسبته , وهذا سيفتح الباب على مصراعيه لفساد الشركات الكبرى وأسياد اللعبه , عندها سيثري البعض ثراءاً مهولاً , بينما يجوع الآخرون بطريقة غير محتمله , سيخاف الفقراء من ضياع وظائفهم التي قد لا يحصلون على غيرها فتنشأ حالة ( العبوديه للعمل ) العمل المضني دون القدره على الاعتراض لأن شعار رب العمل هو : أسكت أنا أدفع لك  ثم يحدثنا آلان دونو عن مواطن كندي من كيبك يدعى بول دسماريس  Paul Desmaraisصنفته مجلة فوربس  Forbes قبل وفاته بأنه ثالث أغنى رجل في العالم , وأنه واحد من أسياد اللعبه المتنفذين في كندا , ديسماريس كان يسيطر على وسائل الإعلام والفنانين ويستعملهم كأجراء لغرض نشر أفكاره دون أي احترام لهم منه , الفنان والإعلامي البليد والذي لا يمتلك الإبداع ولا ينتقد يتم  التزامه وتحويله الى ثري معروف , اما من يمتلك الإعتزاز بنفسه ويكون ذكي وموهوب فيبعد لأنه مغرور ومتكبر  وبعد أن فاض الكيل من كل ما ذكر في الكتاب يتساءل المؤلف : كيف يمكن أن نتخلص من كل هذا ؟ فيحدد 3 نقاط للعمل بها : أولاً : تعلم التفكير النقدي ورفض فكرة التحول الى جزء من النظام . وهنا يحدد الباحث 4 أشكال من البشر التي تتعامل داخل نظام التفاهه : الرافض للنظام الذي يقاطعه تماماً لكنه لا يعمل على ازالته , والمحب المتعصب للنظام والمستفيد منه , والمضطر للتعامل مع النظام ولا يجد وسيله اخرى للعيش , والطائش الذي ينتقد النظام ويتعايش معه ويعتاش عليه . هذه الأنماط الأربعه بحاجه الى حذف وازاله لكي يفقد النظام اسباب ديمومته  ثانياً : الثوره التي تقضي على السياسات والمؤسسات التي يقوم عليها نظام التفاهه للقضاء عليه من جذوره  ثالثاً : تنظيف الفن والإعلام من الرموز التافهه والأفكار السطحيه والشخصيات المنتفعه على حساب المصلحه الإجتماعيه
د. ميسون البياتي 

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية