ومجمل القول فيما قاله أفلاطون عن الديمقراطية الأثينية نسبة إلى «أثينا» والتى تتماثل وتتطابق مع ديمقراطية العالم الثالث «إنها أسوأ الأنظمة بعد الديكتاتورية، وتمنح الرعاع نصيبًا وحقًّا فى منظومة الديمقراطية، وهو أحد أهم أسباب انهيار الشأن العام» وهذه الديمقراطية المنقوصة المبتورة طريق ممهد إما لحكم دينى متطرف، أو ديكتاتورى ظالم، يسبحان على بحيرة من الفساد والفوضى والنهب، وتفقد الأمة القيادة الرشيدة فى الحالتين.
والديمقراطية المنقوصة والمشوهة هى ديمقراطية الفقراء والمهمشين والجهلاء والمضللين الذين تدفعهم الحاجة دفعًا إلى تزييف الانتخابات وتزويرها والاستهانة بمصائر الناس ومستقبلهم، وبيع الأصوات للقادرين من الفاسدين أو الباحثين عن الشهرة والمناصب والنفوذ، وتعطى فى النهاية اختيارًا وانتقاء واجتباء غير أمين أو معبر عن طموحات الشعب.
وعن أفلاطون «سعى الأفراد لتحقيق رغباتهم الخاصة والصراع بدلًا من السعى لتحقيق الصالح العام» هذه المقدمات وهذه النتائج مستمرة ودائمة لا تنقطع، إلا إذا كان الشعب حرًّا فى الاختيار واعيًا وقادرًا عليه، يصونه ويمسك بتلابيبه، ويعى أن هذا ليس حقًّا له فقط بل حق لأبنائه وميراث لأحفاده، وهذا لن يتأتى طالما وُجد الفقر والحاجة والجهل.
ولأن فكرة أهل الحل والعقد مبتكرة ومخترعة من جعبة الإسلامويين لمناهضة الأنظمة الديمقراطية الحديثة التى يكفّرونها، ولن تتساوى يومًا حتى بهذه الديمقراطية المشوهة، فلم تذكر واقعة أو سابقة تاريخية واحدة لما يسمى «أهل الحل والعقد» أو أن الأمة قد اجتمعت لاختيار طائفة لتكون نوابًا عنها، أو أن خليفة من الخلفاء قد تمت بيعته أو عزله منهم، أو سمعنا يومًا عن معارضين منهم يرفعون مطالب الرعية وأوجاعهم إلى أميرهم، فهم أخياره واختياره.
ولم يكن هذا الرهط من أهل الشوكة اختيارًا شعبيًّا أو ممثلين عن الأمة بالانتخاب، بل هم فرز لمن كان قريبًا من الخليفة من الأخيار والفقهاء والعلماء وأولاده ووزرائه وحظوته ونقاوته، وهم ليسوا وكلاء أو نوابًا عن الشعب أو الامة، دعنا نقل إنهم وكلاء الخليفة يختارهم لمجلسه العامر يشاركونه الطعام والرقص والسمر والعلوم والفنون.
ومجالس الشعراء وجلسات الغيبة والوشاية والنميمة، وهو صاحب الأمر والنهى والرأى، ولم يذكر التاريخ لمرة واحدة فى تاريخنا الإسلامى عن مجلس للشورى رفض أمرًا للخليفة أو حاوره أو ناقشه إلا من كان معارضًا أو فقيهًا من المغضوب عليهم وخارجًا عن مؤسسة الخليفة، ولا أتصور أن تكون فكرة أهل الحل والعقد أكثر من كونها شكلًا أو رسمًا أو صورة يراها الإسلام السياسى ضرورة لتماثل الواقع الديمقراطى الحى.
وحجة فارغة لنجاح زعموا أنهم كانوا سباقين إليه، وهى أيضًا ليست أقل من صورة باهتة «مشخبطة» تتزين بها صالونات هذا المجتمع كالحجاب والنقاب واللحية نرفعها لنجمّل بها أطلال الأجداد، فلا كانت دليل تقوى يومًا، أو برهان عفة، أو إثبات إيمان، بل رمزًا تفرضه هذه الجماعات وكأنها أركان الدولة الإسلامية ومظهرها وعنوانها، ولو تقدمنا لهم (هيا أيها العقلاء اختاروا لنا أهل الحل والعقد)، لاختلفت التيارات الإسلامية، وكفّرت بعضها البعض، ولربما تقاتلت فيما
بينها قتالًا مريرًا.
ولا أتصور أننا سنخرج من هذه المعادلة الصعبة بسهولة، فالوعى والفهم والمستوى الذهنى والعقلى عند الناخب أساس الفرز والاختيار السليم، وهى للحق غائبة ومغيبة، ونتائجها كارثية منذ أمد طويل، ودفعنا فيها الثمن غاليًا؛ ولاستعادة الوعى والفهم والثقة بالتعليم والتثقيف والبناء السياسى الصحيح، نحن فى حاجة إلى فسحة من الوقت ومساحة شاسعة من الحرية، إذا توافرت
النوايا الحسنة.
فلا بناء سياسى رشيد دون دستور يحدد هوية الأمة ونظامها من خبراء متخصصين وليس من لجان تهادن وتساوم وتسايس إلى دستور مهلهل يحمل من حسن النوايا ما يدفعه إلى جهنم الحمراء، ولا بناء لدولة حديثة دون مجالس نيابية صادقة وأمينة وواعية تؤدى واجبها القومى بأمانة دون مجاملة أو مهادنة، ولا يهم تمثيلها لطبقات الشعب بقدر ما تحمل من الخبرة والصدق والفهم لمشاكل وطلبات الشعب على مختلف فئاته.. للحديث بقية صعبة.
(الدولة المدنية هى الحل)
لا.. للديمقراطية المشوهة ولأهل الحل والعقد
19/01/2023 - 07:45