ملف المياه المشتركة بين العراق وتركيا
    السبت 1 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 16:29
    د. حسن الجنابي
    رئيس دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية
    (1)

    لا يمكن التقليل من التحديات الوجودية التي تواجه العراق هذه الايام بعد الهجوم الارهابي الداعشي على الموصل وغيرها من المدن العراقية، وبغض النظر عما يتمخض عنه هذا التهديد الخطير لمستقبل البلاد، فإنها تواجه مخاطرا أخرى لا يصح تجاهلها تحت اي ظرف بحجة انها ليست آنية او انها قابلة للتأجيل، ومنها الملف المائي بين العراق وتركيا، وهو ملف ينتظر الحل، او على الاقل تطوير آليات مناسبة للطرفين لمعالجة الاختلافات والخصومات التي تطفو على السطح في الاعلام بين فترة واخرى، وخاصة في اوقات الشحة، فالبلدان عاجزان حتى اليوم عن التوصل الى اتفاق لقسمة المياه المشتركة، ولا شك فان سبب الفشل هذا تتحمله الجارة الشمالية تركيا، لكونها دولة مصب تنفذ مشاريع كبرى لا تزكيها المعرفة الحديثة بادارة الموارد المائية، ولا سياسات الدول المتقدمة في هذا الميدان، ولا القانون الدولي للمياه العابرة للحدود.

    (2)

    ان عدم التوصل الى اتفاق نهائي مع تركيا لا يعفي العراق من اية مسؤولية، سواء على صعيد تطوير موارد المياه وتحسين سبل ادارتها وكفاءة استخدامها داخليا، او في السعي لخلق شروط للتفاوض الجاد مع دول الجوار، وهنا من المفيد الاشارة الى دعوة الدكتور حسين الشهرستاني للحكومة الاتحادية لتشكيل هيئة وطنية لمتابعة حقوق العراق في نهري دجلة والفرات، حيث القى بعض الضوء على حجم برامج السيطرة والتخزين في اعالي النهرين، وابدى قلقه من نقص الموارد المائية الواردة الى العراق، مشيرا بوضوح الى ان هذا النقص لا يعود لأسباب طبيعية بل للأعمال التي نفذتها دول الجوار التي تشترك مع العراق بالنهرين وروافدهما.

    (3)

    ان الملف المائي مع الجارة تركيا ذو طابع حساس على المستوين الرسمي والشعبي، اذ مثلت قضية المياه المشتركة مع الجوار قلقا وطنيا حقيقيا منذ السبعينيات، وقد ظهر بأوسع اشكاله بعد عام 2003، في ظل تفاقم جملة من الازمات، بما فيها الوضع المائي، ممثلا بشحة المياه او تلوثها وانحدار انتاجية الارض وانتشار التصحر وكثافة عواصف الغبار، وانكشاف ابعاد جريمة تجفيف الاهوار العراقية، وغير ذلك من مظاهر كان الحديث عنها محرما قبل عام 2003.
    كما مثلت وقفة البرلمان العراقي السابق في عام 2009 بضرورة ادخال الملف المائي في الاتفاق الاستراتيجي مع تركيا مقابل المصادقة عليه، نقلة نوعية بحجم الاهتمام الشعبي والرسمي بقضية المياه، ومثّل ذلك بشكل ما استجابة للقلق الشعبي حول القضايا الوطنية المصيرية ومنها قضية المياه، لان "نوايا قطع المياه" التي تتردد في الصحف احيانا، مثيرة للقلق ومخيفة لجهة ان قطع المياه عن العراق امر محتمل، وهنا تبرز اهمية التناول الهادئ والعملي للقضية بعيدا عن الاثارة.

    (4)

    ان الموضوع الذي اثاره السيد نائب رئيس الوزراء، يمثل هو الآخر تقدما ملموسا في ادراك قضية الامن المائي في العراق على مستوى السلطة التنفيذية، لان تشكيل مجلس وطني للمياه بصلاحيات واضحة هو آلية فاعلة لإصلاح القطاع المائي في العراق والارتقاء به لمستوى التحديات الجديدة، وللأمانة لا بد من تأكيد اني حرصت على اثارة هذا الامر منذ عام 2004 وسبق ان تناولته في محافل وطنية عديدة، وكتبتُ بشأنه في مختلف الصحف، واعتقد ان العراق حاليا في الوقت الضائع من الناحية العملية في ما يخص الملف المائي مع الجوار الجغرافي، وقد تخلف عن الاستجابة لمعطيات الواقع المائي الجديد، وهو واقع تتحكم دول الجوار بمفاصله كلها، على خلاف ما كان سائدا عبر التاريخ. ولم يعد هناك ما يمكن انتظار حدوثه تلقائيا كحل للمشكلات المائية، حتى لو كانت العلاقات الثنائية او المتعددة الاطراف مع دول الجوار المشتركة بمياه الرافدين على افضل ما يرام اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، فالمياه في العراق هي قضية حياة او موت، اذا لا توجد برامج وبنى تحتية مناسبة للتعامل مع حالة جفاف دائم، وهي حالة ممكنة الحدوث خلال العقود القادمة.

    (5)

    يلقي الملف المائي مع تركيا بظلاله على العلاقة الثنائية بين البلدين منذ عقود، وسيبقى الامر كذلك في المدى المنظور، مهما تطورت وتشعبت العلاقات الاقتصادية بينهما، بل هو حجر الزاوية لأي تعاون قائم على الصداقة وحسن الجوار، ففي العراق مخاوف مشروعة من استحواذ دول الجوار على حقوقه المائية، وتلعب السياسة التركية بخصوص المياه المشتركة دورا في تعميق تلك المخاوف من خلال الاصرار على تنفيذ مشروع جنوب شرق الاناضول وخاصة تشييد السدود الكبرى، وآخرها انشاء سد اليسو على نهر دجلة بالقرب من الحدود العراقية، دون معالجة القلق الع?اقي المبرر حول التأثير المدمّر للسد على العراق اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، وهو تأثير سبق لمنظمات ووكالات دولية محايدة ان لفتت اليه انظار الحكومة التركية، واتُخذت اجراءات سُحب اثرها الغطاء الدولي لمشروع سد اليسو، وقبله سد اتاتورك على الفرات، وخاصة لجهة تمويل المشروع، لمخالفته مبادئ القانون الدولي، فضلا عن تهديده المحتمل للاستقرار، وبالطبع اثاره البيئية والثقافية بما فيها داخل الحدود التركية.

    (6)

    اقل ما يقال عن الدولة التي تقع في ذنائب الانهار المشتركة (اي دولة المصب)، في ظل التنافس المتزايد على استغلال الموارد المائية والسعي للتحكم بها، بانها غير محظوظة، والعراق يقع في ذنائب الانهار، وهو بالتالي يتلقى نتائج افعال جيرانه في صدور ومنابع الانهار سلبا وايجابا، وواقعا فان سلبيات افعال الجيران على العراق في ادارة المياه تفوق كثيرا ايجابياتها، ان كان ثمة ايجابيات اصلا، ولكن السلبية الكبرى هي العجز المستمر عن التوصل الى اتفاق دولي (او اتفاقيات مع كل الاطراف) لادارة وتقسيم مياه الانهار المشتركة، وطغيان البعد السياسي على الموضوع، واستخدام منجزات الهندسة والتكنولوجيا لتكريس نزعة السيطرة المبالغ بها على جريان الانهار وتوقيت الاطلاقات المائية من السدود، حتى اضحت المياه، اثر ذلك، وبدون اعلان صريح، بل وحتى وسط نفيٍ رسمي، بيدقاً على لوحة شطرنج تحركه عقلية الربح والانتصار المزعوم، فيما يصطلح عليه باللغة الانكليزية بـ "Hydropolitics" وهو مصطلح يعني الاستخدامات الجيوبوليتكية للموارد المائية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، تؤمن الزعامة والتفوق بالضد من امثولة الاستخدام الامثل والمستدام للموارد المائية لتحقيق منافع مشتركة.

    (7)

    لا يمكن تأمين حقوق دولة المصب بالنوايا الحسنة والامنيات، بل بالعمل المضني والمستمر، وبتحقيق شبكة مصالح مع دولة المنبع تكون بذاتها دافعا للعمل من اجل ادارة مشتركة للمياه تقوم على مبادئ الانتفاع المنصف والمعقول وتجنب الاضرار بالشركاء، حرصا من دولة المنبع على مصالحها الاستراتيجية، وبما ان الدبلوماسية أو السياسة والعلاقات الدولية ليست لعبةً بريئة، ولا يتحقق الانصاف بها تلقائيا، حتى لو كانت حقوق احد الاطراف واضحةً شرعا وقانونا، فيجب ان تتوفر في دولة المصب عدة شروط لتكون فاعلةً في تحقيق شبكة المصالح التي تحمي حقوقها ومنها الحقوق المائية:
    - أولها، ان تكون الدولة قوية ومتماسكة اقتصاديا واجتماعيا ودبلوماسيا وعسكريا، ولا يمكن هزيمتها او ابتزازها بهذه الحقول بسهولة، وبالاخص على مائدة المفاوضات، كخيار أوحد لحل الخصومات المائية.
    - وثانيا، كفاءة ادارتها للموارد المائية المتاحة لديها، فلا يستقيم منطق الخصام والصراع على الحقوق المائية، وان بشكله السلمي، مع الهدر والاهمال وسوء التخطيط والاستخدام المفرط وقلة انتاجية وحدة الارض او وحدة المياه.
    - وثالثا، ان تكون مطالبها بالمياه المشتركة واضحة وممكنة التحقيق، وموقفها التفاوضي سليم وقائم على معطياتٍ حقيقية وواقعية، ويستند على القانون الدولي والمصلحة المشتركة، التي تجسدها شبكة المصالح الحيوية مع دولة المنبع، وبالإمكان سرد شروط اخرى لا تقلّ اهميةً ولكن المجال لا يتسع لها.

    (8)

    كانت بداية العلاقة المائية بين تركيا والعراق طيبة، اذ حصل اثرها اتفاق عام 1946، الذي اعترفت وفقه تركيا بحقوق العراق، وتعهدت بالامتناع عن القيام بأعمال مضرّة به عند استغلالها للموارد المائية المشتركة، وأظن ان الاتفاق المذكور حتّمته معطيات اهمها التقارب والاصطفاف السياسي للدولتين آنذاك، والأكثر اهمية هو ان تركيا لم تكن لديها الامكانيات المادية المطلوبة لتنفيذ منشآت كبرى في اعالي النهرين في حينه، ولا طموحات الزعامة التي طفحت في الثمانينيات والتسعينيات، كما لعب استعداد قادة البلدين للتفاوض حينئذ دورا في صياغة الاتفاق المذكور، لكن الاحداث العاصفة التي تلت ذلك وسعير الحرب الباردة وما رافقها من استقطابات جديدة، لم تسمح للبلدين بالاتفاق النهائي بشأن اقتسام مياه الرافدين، وحصلت قطيعة امتدت الى الثمانينيات، حيث شكلّ البلدان مع سوريا لجنة فنية ثلاثية، لتطوير اتفاقية مقبولة للأطراف الثلاثة، ولكنها لم تنجز عملها فجُمّدت بعد اكثر من عشرة اعوام من العمل بمعدل اجتماع واحد او اكثر في العام، كما ساهم تهوّر النظام السابق وهوَسُه بالحروب الداخلية والخارجية بتراجع قضية المياه المشتركة الى مؤخرة اولوياته، وظهر عجزه عن التوصل الى اتفاقات تضمن حقوق العراق بمياهه، بل انه حوصر الى حدّ أجبر فيه على عقد اتفاقات امنية وعسكرية انتهكت وفقها تركيا سيادة العراق وارضه لمئات المرات، فضلا عن تفريطه بالسيادة على نصف شط العرب في وقت اسبق.

    (9)

    استفحلت في التسعينيات نزعة القوة المائية الاكبر لدى تركيا وبرزت طموحات زعامة وصدرت تصريحات لاعقلانية ومتغطرسة بشأن مياه الرافدين، بما فيها من قبل رئيس الدولة التركي آنذاك، اعتبر فيها مياه الرافدين مياها تركيةً، عابرة للحدود، وقارن الثروة المائية في تركيا بالثروة النفطية لدى العرب، وسوّق افكار بيع المياه الى دول اخرى وغير ذلك، مما اثار سخطا كبيرا حتى من لدن وكالات ومجاميع دولية، في وقت كانت تركيا تسعى به للانضمام للاتحاد الاوربي، لقد تزامن تصاعد الموقف المتزمت لتركيا حول الموارد المائية المشتركة مع دخول تنف?ذ مشروع جنوب شرق الاناضول (غاب) مراحلَ متقدمة تكللت بانجاز سد اتاتورك، وهو رابع اكبر سد في العالم، وقبله سدّي كيبان وقره قايا، وملئه بطريقة استفزازية قطعت على اثرها مياه الفرات تماما عن الجريان في مطلع عام 1990، اذ حُوّل النهر بكامله الى بحيرة اتاتورك، دون الالتفات الى الاحتجاجات العراقية والسورية، وكان ذلك تذكيرا مخيفا بقطع مياه الفرات في الفترة 1976 - 1977 حيث تزامن ملأ سد كيبان في تركيا مع ملء سد الطبقة السوري فتعرض اثرها الفرات في العراق الى جفاف شبه كامل وكانت تلك كارثة لم يألف حدوثها سكان وادي الرافدين في السابق.

    (10)

    ان اهم شرط لنجاح المفاوضات المائية هو عقدها بين شركاء متساوين وحريصين على التوصل الى ادارة مستديمة للموارد المائية المشتركة، وبالمقابل فان اهم عائق امام الاتفاق التفاوضي هو شعور دولة المنبع بأن موقعها الجغرافي يمنحها سطوة وقوة اضافيتين لاخضاع دولة المصب لشروطها، وقد اظهرت غالبية الخصومات حول الانهار الدولية هذه النزعة، الا ما ندر، وان لم تتوفر رغبة التوصل الى اتفاق نهائي لدى جميع الاطراف، فان المزيد من التفاوض لا طائل منه، فقد بينت العديد من التجارب للاسف ان عدم التوصل الى اتفاق يرضي الطرف الاقوى، فانه لا يأبه لاستمرار المفاوضات الى ما لا نهاية، ان كان ثمة مفاوضات، او لإعادة النظر بما اتفق عليه، في حال وجود اتفاقيات دولية سابقة عقدت في ظروف مختلفة، او لا يرغب بالشروع بالتفاوض اصلا قبل احكام السيطرة شبه التامة على منابع المياه.

    (11)

    لم يجد التفاهم الاولي لعام 1946 بين العراق وتركيا متسعا من الوقت لتنفيذه، كما فشلت اللجان الفنية المشتركة التي شكلت لاحقا في التوصل الى نتائج مقبولة، بسبب تعقيدات وافرازات الحرب الباردة، ثم جاء العائق الاعظم عندما شرعت تركيا بتنفيذ مشروعها الاكبر (غاب) الذي سعت به، من بين اهداف اخرى، للسيطرة المطلقة على جريان الرافدين، وتحقيق فكرة القوة المائية الكبرى في الشرق الاوسط، وخلق واقع جديد على الارض لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه.
    وبالفعل اصبح بإمكان دولة المنبع التحكم الكامل بجريان نهر الفرات منذ عام 1990، وهي السنة التي اكتمل بها بناء سد اتاتورك، وسيكون بإمكانها خلال السنوات المقبلة التحكم شبه المطلق بجريان نهر دجلة بعد الانتهاء من تشييد سد اليسو، الا في حالات الفيضان الكبرى، وقد كان معروفا لأي متابع للملف المائي بين العراق وتركيا وسوريا، ومنذ الثمانينيات، انه لم توجد، ولن توجد، اية فرصة للتوصل الى اتفاقية نهائية لقسمة المياه المشتركة قبل عام 2015، وهي السنة التي خُطّط ان يكتمل بها مشروع (غاب)، وحيث سيكون الوضع التفاوضي لدولة المنبع بعد ذلك التاريخ مريحا جدا، اذ يتحرر المفاوض التركي من ضغوطات الزمن وحراجة الموقف، بل من السعي للبحث عن بدائل مرضية لجميع الاطراف، لانه يتحكم بجريان الانهار.

    (12)

    لقد انفقت تركيا على مشروع "غاب" ما يقرب من ثلاثين مليار دولار، وهو مبلغ ضخم ينفق على مشروع استصلاح اراضي وارواء في بلد من بلدان العالم الثالث (واقعا لا تستطيع حكومة اي بلد من البلدان الديمقراطية المتقدمة الحصول على تفويض لانفاق مبلغ كهذا على مشاريع مشابهة)، لذلك فقد خلق المشروع ردود افعال سلبية من الدول الدائنة والوكالات الدولية، فقد انسحب البنك الدولي من تمويل سد اتاتورك وانسحبت المانيا والنمسا وسويسرا من تغطية تأمين القروض المخصصة لسد اليسو من قبل مصارفها ووكالاتها المالية، وشهدت وتشهد تركيا عزلة دولية في المنتديات الدولية المعنية بالمياه، وآخرها المنتدى السادس للمجلس الدولي للمياه في مرسيليا الفرنسية، بالرغم من نجاحها في عقد المنتدى الخامس في اسطنبول. كما سبق ان صوتت تركيا الى جانب دولتين فقط بالضد من اتفاقية الامم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997 مقابل اكثر من مائة دولة مؤيدة للاتفاقية، وهناك شواهد عديدة لاطائل من الاسهاب بسردها، لكن ما هو مؤكد فإن الاهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوخاة من مشروع "غاب" لم تؤت ثمارها بعد، ولن تتحقق بالكيفية التي تخيلها مهندسو المشروع، فالعالم قد تغير كثيرا، وأظهرت المعرفة والتجربة البشرية ان البيئة هي كائن حي، والنهر هو تكوين واحد من المنبع الى المصب، ولا يصح العبث بطبيعته الا بالحدود الدنيا التي تتطلبها التنمية المستدامة.

    (13)

    ان تركيا دولة جارة وصديقة يشترك العراق معها بوشائج كبيرة، وبنفس المنطق تتطلب الصداقة الحقيقية ان يكون المرء صريحا، وهنا يفترض القول ان كلفة انشاء مشروع الغاب على العراق اكبر بكثير من كلفته على تركيا، مع فارق ان تركيا تسعى للانتفاع من المليارات التي انفقتها بعد اكتمال المشروع كعائدات وإيرادات مادية واجتماعية، لكن العراق سيبقى يدفع فاتورته الى ما لا نهاية، بصورة التدني بالإيرادات المائية ونقص في الطاقة الكهرومائية من سد حديثة، والاختفاء التدريجي لبحيرتي الحبانية والرزازة، وتدهور البيئة ونقص انتاجية الارض وانتشار التصحر، وانحدار نوعية وكمية الثروة السمكية، وانكماش المساحات الخضراء، ومخاطر تقلص وجفاف الاهوار، والهجرة من الارياف، والقضاء على التنوع البيولوجي، وتهديد السلم الاهلي، فضلا عما يمكن اعتباره مساسا بالسيادة الوطنية، لأن سيادة دولة المنبع على المياه التي تنبع من اراضيها مكافئة قانونا لسيادة دولة المصب على المياه الواردة الى اراضيها، وغير ذلك، وما لم يتم احصاء الاضرار والعمل على تعويضها بصيغة مقبولة، يكون الاتفاق حول قسمة او ادارة المياه المشتركة ناقصا.

    (14)

    القضية الاكثر إثارة، والتي هي بحاجة الى تحليل عميق وموقف جدّي، باعتبار بلدنا هو بلد المصب، هي ان مياه الرافدين وروافدهما اصبحت تصدّر الى العراق على شكل بضاعة ومنتجات زراعية، فالعراق يستورد منتجات زراعية كثيرة من دول الجوار التي تسيطر على منابع المياه، الى حد اغراق السوق العراقية بها احيانا، وبحيث تفقد معه المنتجات الزراعية العراقية قدرتها على الصمود في السوق نتيجة لضعف امكانياتها التنافسية، مما يتسبب بالمزيد من الخسائر والافقار لفئات شعبية كبيرة، وخاصة فقراء الفلاحين وسكان الريف، واذا كانت هذه البضاعة المستوردة، تُنتج في مساحات مستصلحة حديثا في دول الجوار باستخدام مياه الرافدين (التي كانت برمتها مياها عراقية قبل بناء السدود) فان الامر بحاجة الى وقفة مراجعة وإجراءات حاسمة تضمن حقوق العراق، فالجوار الجغرافي يحجز ويستخدم المياه الطبيعية الجارية التي كانت تدخل العراق منذ الازل بدون عوائق، ثم يصدّرها للعراق على شكل مياه افتراضية لأنها استخدمت في سقي وانتاج المزروعات التي تملأ سوق الغذاء في العراق، وهذا يخلق بالطبع مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية، ويجب ان تؤخذ هذه القضية بالاعتبار، الى جانب الاضرار المباشرة الاخرى التي ذكرت في الفقرة السابقة، في اية مفاوضات لقسمة مياه الرافدين المشتركة.

    (15)

    تستمر تركيا في تشييد سد اليسو على نهر دجلة على مسافة 65 كم عن الحدود العراقية، وقد قرأت في اكثر من موضع تصريحات مسؤولين اتراك اشارت الى ان بناء السد سيكتمل في عام 2015، بعدما اعلن في نهاية القرن الماضي عن اكتمال مشروع "غاب" عام 2010، وحقيقة فان الاستمرار في اعمال تشييد السد ينطوي على تحد واضح للرأي العام العالمي، فضلا عن المحلي والاقليمي، خاصة بعد ان سحبت الحكومات الاوربية الثلاثة، المانيا وسويسرا والنمسا، تأييدها لتمويل نسبة تقدر بحوالي ثلث كلفة المشروع، الذي تزيد كلفته الكلية على مليارين ونصف المليار دولار، هنا لا بد من ملاحظة هامة وهي ان المبلغ الذي كانت ستحصل عليه تركيا من الكونسورتيوم المالي الاوربي بحد ذاته ليس كبيرا، لان تركيا قادرة على ايجاده من ممولين آخرين، لكن الانسحاب من تمويل المشروع بعد الموافقات الاولية، مثّل ضربة كبيرة لطموح تركيا بكسب الموقف الاوربي الى جانب مشروع "غاب" والقبول بالمقاربة التركية حول ادراة واستخدام مياه الرافدين دجلة والفرات، وبالنتيجة تعزيز فرص تركيا بدخول الاتحاد الاوربي.

    (16)

    لقد كان الدعم الاوربي في البدء، دافعا لتركيا شجعها على الامعان في تجاهل تأثير مشروع "غاب" على العراق، وبدرجة اقل على سوريا، وقد اضعف الوضع العراقي منذ حرب الخليج الاولى قدرات العراق على الوقوف بحزم ضد الحاق الاذى بحقوقه المائية، او تقليل الاضرار التي لحقت او ستلحق به، أو في الضغط للاتفاق على صيغة مقبولة للطرفين (أو الاطراف الثلاث في حالة نهر الفرات)، اي تحقيق اتفاقية طويلة المدى لإدارة مياه الرافدين المشتركة، فقوة العراق في السبعينيات والثمانينيات كانت متكافئة الى درجة كبيرة مع تركيا وسوريا، والاقوياء المت?افئون اكثر قدرة على اتخاذ القرارات، واقرب الى الاتفاق على الحلول العادلة والمرضية لجميع الاطراف، لكن تلك النافذة الزمنية لتحقيق اتفاقية دولية حول مياه الرافدين، أهدرت بعد تحطيم قدرات العراق اثر دخوله نفق الحروب والعزلة فاستبيحت سيادته على المياه والارض والسماء، واستكملت تركيا، ودول الجوار الاخرى، والى حد كبير، انشاء منشآت السيطرة والسدود الكبرى، وأدخلت بذلك عوامل اضافية الى طاولة التفاوض لتزيدها تعقيدا، لان هذه المنشآت اقيمت بقرارات انفرادية دون التشاور مع العراق، بل واعتراضه، وهي تعمل لمصلحة طرف واحد وتسبب في غالب الاحيان أضرارا في دولة المصب.

    (17)

    لا يضيف الخوض بالتفاصيل الفنية لمشروع سد اليسو شيئا مهمّا للنقاش، وهي تفاصيل بعضها معروف ومتاح، وسبق لي الكتابة عنها في الصحف العراقية، لكن من الضروري تذكير غير المختصين بمعلومات اساسية بغرض ادراك مخاطر المشروع على نهر دجلة ومنها ان سعة خزين سد اليسو تبلغ (11) مليار متر مكعب، وهي اكثر من نصف معدل تصريف دجلة السنوي على الحدود العراقية البالغ (20) مليار متر مكعب، واكبر من التصريف السنوي في اوقات الشحة، حيث يتدنى الى (9) مليار متر مكعب سنويا، فمن المؤكد ان ايرادات نهر دجلة على الحدود العراقية ستنخفض الى حوالي النصف في السنوات الاعتيادية، وان هناك احتمالا كبيرا بقطع ايرادات النهر تماما عن العراق في السنوات الشحيحة، خاصة عند إكمال سد جزرة الاروائي على دجلة الى الاسفل من سد اليسو، والذي سيستخدم لإرواء مئات الآلاف من الاراضي المستصلحة، كما سيقلل سد اليسو من اهمية سد الموصل وفائدته في العراق الى درجة كبيرة، لانه نصف ايراده السنوي في موسم الربيع حيث الذروة سيستخدم لملء سد اليسو، وفي وقت يستعد العراق لانفاق مبلغ ضخم لتصليح اسس سد الموصل الذي يعاني من خلل مزمن، وبذلك تتعرض الزراعة في حوض دجلة في العراق الى مخاطر واضرار?كبيرة، وتنكمش مساحات الاهوار التي تتغذى من دجلة وغير ذلك الكثير.

    (18)

    اعتقد ان من يقلل من مخاطر سيطرة الجوار على موارد الرافدين المائية، او يهملها، يرتكب خطأً كبيرا في التقدير، اذ ان الامر يتعلق مباشرة بالامن الوطني العراقي، وينطبق الامر بنفس الدرجة على الذين يعتقدون ان لا حقوق لتركيا في الرافدين لمجرد انها لم تستغل مياه الرافدين قبل هذا التاريخ، هناك ايضا اصوات قليلة تروّج أحيانا، عن سذاجة أو جهل، الى فكرة ان يقوم العراق بمباركة وتمويل سد اليسو لكي يكون للعراق دور في تشغيله لاحقا، وهذه فكرة مرفوضة جملة وتفصيلا، ان العراق بحاجة الى موقف تفاوضي ذكي وصارم وقابل للتحقيق، بعيدا عن التلويح بالحرب بقدر ابتعاده عن العواطف والشعارات، بل بالانخراط الواعي اقليميا ودوليا وثنائيا في عمل دبلوماسي مكثف، وبرامج ومشاريع وطنية وإقليمية عابرة للحدود من اجل خلق شروط تشجع على التفاوض المباشر من موقع الشريك القوي، وليس الضعيف المستجدي الذي لا يملك غير الشكوى من دول الجوار في حالتي الفيضان والجفاف!

    (19)

    شهدت الدول المشتركة بمياه الرافدين، وما تزال، مخاضا غير مسبوق، دخلت على اثره مرحلة جديدة لها استحقاقات مختلفة، لذلك فمن غير المستبعد، في حال استقرار الوضع قريبا، توافقها على ترتيبات طويلة الامد بشأن قسمة المياه المشتركة. فالنتيجة النهائية لهذا المخاض ستكون في صالح الشعوب، وان خيار الاتفاق على استدامة الموارد الطبيعية المشتركة، وليس الاقتتال من اجلها، هو الخيار العقلاني الوحيد.
    فالشعوب تدرك ان الاخطار والتحديات التي تواجهها المنطقة لا تتوقف عند الحدود الوطنية، بل هي عابرة للحدود، سواء كانت التحديات طبيعية، كالتغير المناخي والتصحر والاوبئة، او تحديات سياسية - امنية تُنتهك اثرها سيادة البلدان والشعوب بدون تمييز، وسيصبح واضحا اكثر من اي وقت مضى، ان انتهاك حقوق أحد الاطراف لا يصب في مصلحة مجموع الاطراف، وأن اضعاف الشريك ليس في مصلحة الشراكة، وأن استنزاف الموارد المائية لدولة المصب لا يصب في مصلحة دولة المنبع، وأن الاستدامة خير من المكاسب القصيرة الامد، او المكاسب الانتهازية الطابع والمؤقتة التي تغري بها ظروف عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.

    (20)

    ان القانون الدولي للمياه ليس دستورا مكتوبا بفقرات وتطبيقات محددة صالحة لكل زمان ومكان، وليس وصفة جاهزة او حلا سحريا وفوريا للخصومات والنزاعات حول الحصص المائية وادارة الموارد المائية المشتركة، بل هو مجموع الاتفاقيات والمعاهدات والاجراءات والآليات والمبادئ المتفق عليها كأساس لتنظيم علاقات الدول المشتركة بالموارد المائية، المصنفة على انها مياه دولية، حول الطرق التي يتم بها استخدام واستغلال تلك المياه لتحقيق اهداف مشتركة، مثل الشراكة في الإدارة والاستخدامات المتنوعة للمياه، اومنع تلوثها، وضمان توزيعها العادل بين الدول، وحماية التنوع الاحيائي وخصوبة التربة، والتكيّف مع المعطيات المناخية والهيدرولوجية، وتحقيق التنمية والفوائد المشتركة، وما شاكل ذلك مما تفرضه الخصائص الفيزيائية والهيدرولوجية والسياسية لكل حوض او مجرى نهري دولي.

    (21)

    هناك قضيتان مهمتان يفترض ادراكهما بخصوص القانون الدولي للمياه، فضلا عن كونه اطارا عاما ومجموعة مبادئ مقبولة من المجتمع الدولي لحل الخصومات المائية، وهما: عدم الزامية القانون الدولي للمياه، بمعنى انه لا توجد آلية دولية للسهر على تنفيذه وتأمين عدم الاخلال بمبادئه من قبل اي دولة عضو بالامم المتحدة، اما الخاصية الثانية، وهي فائقة الاهمية، فان الاتفاقيات الثنائية بين الدول المتشاطئة تجمّد او تلغي مفعول القانون الدولي، لأن الامر بالنهاية يخضع للسيادة الوطنية وحرية البلدان الأعضاء في اختيار آليات حل الخصومات مع دول الجوار التي تشترك معها بالموارد المائية، ولا يمكن اجبارها على اتخاذ مواقف مخالفة، كما ان القانون الدولي لا يطبق تلقائيا في حال الاخلال ببعض مبادئه، من جهة اخرى يجب تأكيد أن الاتفاقيات الثنائية هي ليست نصوصا واتفاقيات "مقدسة"، ولا يمكن بسببها التهرب من الالتزامات التي يفرضها القانون والاتفاقيات الدولية أو الاقليمية حول المياه المشتركة، خاصة إذا تسبب احد الاطراف بأضرار تهدد مجاميع بشرية ومناطق واسعة بأخطار كبيرة، وغالبا ما تتضمن الاتفاقيات الثنائية آليات مراجعتها حسب الضرورة.

    (22)

    ما ورد اعلاه بحاجة الى نقاش مستفيض، ولكن سأكتفي بإثارة قضيتين هامّتين تتعلق الاولى بمدى الزامية القانون الدولي، حيث ان الغالبية العظمى من الاتفاقيات الدولية، ومنها الاتفاقيات البيئية، غير ملزمة قانونا حتى للدول التي صادقت عليها، ناهيك عن الدول التي لم تصادق عليها اصلا، وان الاستثناء الوحيد في ما يخص الاتفاقيات البيئية، هو اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) لانها ملزمة قانونا للدول الاعضاء، لذلك فان المصادقة على اتفاقية دولية هي بمثابة اعلان عن الالتزام الطوعي للبلد المعني ببنود تلك الاتفاقية، ومن البديهي ان تترتب على ذلك الاعلان التزامات سياسية ومالية واخلاقية، ولكن الامر يعتمد بالنتيجة على مدى احترام الدولة نفسها لتوقيعها، وبالأخير لا شيء يجبرها ايضا على البقاء عضوا في الاتفاقية إن لم تحترم التزاماتها ضمنها، وبالطبع فان اللوائح الداخلية لتلك الاتفاقيات تتضمن آليات لانسحاب الاعضاء غير الملتزمين بها، اما القضية الثانية فهي ان عدم الزامية القانون الدولي للمياه لا يجيز تفسيره على ان دولة المنبع او اية دولة متشاطئة اخرى هي في مأمن من عواقب خرق مبادئ القانون الدولي، حتى وان لم تصادق على المعاهدات الدولية المعنية، لذلك فان معارضة تركيا - مثلا- لاتفاقية قانون استخدام مجاري الانهار الدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997، لا يعفيها من احترام الالتزامات التي تتضمنها تلك الاتفاقية، كما يمكن لأي مجموعة افراد ان يلاحقوا اي طرف يتسبب بالحاق الاذى بوسائل معيشتهم وبيئتهم او يهدد بقاءهم نتيجة لافعال ومشاريع تؤدي الى تغيير مجاري الانهار او تجفيفها او تلويثها الخ.

    (23)

    يرتكز القانون الدولي للمياه على أداتين، اولاهما القانون العرفي (Customary Law) اي مجموع المبادئ والقواعد السائدة المستمدة من الخبرة الانسانية المنبثقة عن الاجراءات والممارسات المقبولة، والتي استخدمت في حالات سابقة دون ان تكون بالضرورة مكتوبة، اما الاداة الثانية فهي الاتفاقيات الدولية، وهذه تصنف حسب مجالات تطبيقها الى:
    1. اتفاقيات عالمية (Global Treaties or Conventions) ان كانت شاملة لجميع الدول الاعضاء، وافضل مثال عليها هو "اتفاقية قانون استخدام مجاري الانهار الدولية للاغراض غير الملاحية" التي اقرتها الجمعية العمومية للامم المتحدة عام 1997، وهي اتفاقية غاية في الاهمية لكنها لم تدخل بعد حيز التنفيذ بالرغم من انها حازت اصوات الاغلبية الساحقة للدول الاعضاء في الجمعية العمومية، ولكن عدد المصادقات على الاتفاقية لم يبلغ بعد الحد المطلوب لإدخالها حيز التنفيذ، علما ان تركيا صوتت ضدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك الى جانب دولتين اخريين فقط، فيما صوتت غالبية الدول الاعضاء لصالحها، ومع ذلك فان عدم دخول الاتفاقية حيز التنفيذ لم يمنع الاستناد عليها في حالات خصومة حسمت في اروقة المحكمة الدولية.
    2. الاتفاقيات ذات الطابع الإقليمي، وأفضل مثال عليها هو اتفاقية هيئة الامم المتحدة للتعاون الاقتصادي الاوربي (UNECE) المعنونة بـ "اتفاقية حماية واستخدام مجاري الانهار والبحيرات الدولية لعام 1992" وقد دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1996، وتجري حاليا عملية توسيع نطاقها لتشمل بلدان أخرى من خارج أوروبا، وقد عبّر العراق رسميا عن رغبته بعضويتها مؤخرا.
    3. الاتفاقيات الثنائية لقسمة المياه المشتركة، والتي اشرنا الى اسبقيتها على الاتفاقيات الدولية في فقرة سابقة، وهي بالطبع أكثر اهمية من اي اتفاقية دولية أخرى، إذ أن الدول المتعاقدة وفقها تمارس حقوقها السيادية، ومن غير المعقول ان تبتعد الالتزامات الواردة فيها كثيرا عن مبادئ القانون الدولي لأن ذلك سيكون سببا في فشلها السريع.

    (24)

    لا بد من الاشارة الى مرجعية عالمية اخرى مهمة جدا في ميدان القانون الدولي للمياه وهي اتفاقية هلسنكي لعام 1966، فهذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ ايضا ولكنها مثلت خطوة كبيرة للامام في قانون المياه الدولي، وبالاخص ترسيخ المبادئ العامة لقانون المياه التي تمثل اليوم روح القانون الدولي وتنسجم تماما مع مطالب ومواقف العراق (وسوريا) ويمكن ايجازها كالتالي:
    • الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة.
    • عدم الحاق اي أذىً ذا شأن بالدول المتشاطئة وان حصل ذلك فليجأ الى النظر بالتعويضات.
    • واجب التعاون وتبادل المعلومات بين الدول المتشاطئة.
    • حماية وصون الانظمة الايكولوجية والادارة المتكاملة للموارد المائية المشتركة.
    • تبادل الآراء والاخطار المسبق عن المشاريع المخطط لها.
    • تسوية النزاعات حول المياه المشتركة بالطرق السلمية.
    من المفيد تأكيده ايضا ان القانون الدولي ابتعد في منحاه عن فكرة السيادة المطلقة على المياه لأنها جارية ومتغيرة مع المواسم والطقس وان حدودها الجغرافية، وهي حدود طبيعية تحددها تضاريس الارض، تختلف عن الحدود السياسية التي هي حدود وهمية لا تخضع بالضرورة للتضاريس، وبهذا لا يمكن ممارسة السيادة المطلقة على المياه كما هو الوضع على الارض اليابسة.

    (25)

    لا شك ان نهري دجلة والفرات نهران دوليان، وينطبق الامر كذلك على العديد من الروافد التي تقع منابعها في دول الجوار، وان القانون الدولي يشكل اطارا صالحا لحل الخلافات بشأنها، وهو ينسجم تماما مع مصالح العراق كدولة مصب، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يكفي انسجام مطالب العراق مع مبادئ القانون الدولي كضمانة لحماية حقوقه المائية ومنع حدوث خلافات مع دولة (او دول) المنبع؟، الجواب: كلا.. لان القضية شائكة وبحاجة الى عمل مكثف ومتواصل لخلق شروط القسمة المنصفة للمياه المشتركة.
    اما السؤال الآخر الذي يحق ان يطرح فهو: هل يتيح عدم وجود اتفاقية ثنائية طويلة الامد بين العراق وتركيا المجال لتركيا لفعل ما تشاء في الموارد المائية المشتركة للرافدين؟ والجواب ايضا كلا، فعلى سبيل المثال كان تأثير المواقف الدبلوماسية العراقية كبيرا على قرار الدول الاوربية الداعمة لتمويل سد اليسو، وذلك بوضع (153) شرطا كان على الجانب التركي تنفيذها كي يستمر دعمها المالي للمشروع، وعندما عجزت تركيا عن الاستجابة لتلك الشروط سحب الاوربيون دعمهم وكان ذلك نجاحا باهرا يمكن البناء عليه كثيرا لفرض شروط اخرى تحفظ حقوق العراق في دجلة.

    د. حسن الجنابي، اكاديمي ودكتوراه هندسة من جامعة وارشو/ بولندا، أخصائي بالموارد المائية والبيئة ومشاريع الاستصلاح الزراعي وعلم الهيدرولوجي وقوانين المياه الدولية وأنظمة المعلومات الجغرافية.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    مجلة "الثقافة الجديدة"
    العدد 368/ 369
    أيلول ـ  ت1 / 2014
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media