التوازن... أنواعه وتأثيراته
    الجمعة 28 ديسمبر / كانون الأول 2018 - 13:32
    علي عبد الواحد محمد
    تشير معاجم اللغة العربية ، الى المعنى اللغوي لمصطلح التوازن
    فقد ورد في قاموس معجم المعاني الجامع، معان عديدة للتوازن حسب الموضوع الذي وردت فيه الكلمة ، منها ما هو في الكلام الجاري ، وفي البلاغة والأدب وفي الطب وفي الإقتصاد  وفي السياسة وفي العلوم المختلفة ، وجوهر هذه المعاني هو "حالة سكون جسم ناتجة من تأثير قوى يبطل بعضها بعضا من جراء تعادلها".
    كما ورد في نفس القاموس عدد من الكلمات التي تعمل وفق نفس القاعدة وهي :" إتزان ، إيزان ، أوزن ، توزين ، توازن ، زنة ، موازين، وزن، موازيان ، ميزان ، ميزانية.... الخ ". ولوحظ إن معظم هذه الكلمات لها إستمالاتها في مختلف الميادين ، فمثلا نقول الميزان التجاري للحديث عن الصادرات والواردات في تجارة البلد المعني، وهكذا. 
    فمصطلح التوازن يدل، على إن هناك ، عدة مجاميع من القوى، متباينة في تأثيراتها وفي إتجاهاتها على محيط أو جسم مستقل عنها ، لتصل به الى حالة من السكون النسبي، او ألإستقرار المؤقت ،وقد تؤدي به (وهذا يحدث غالبا) الى الحركة بإتجاه محدد. حيث يتحدد هذا الإتجاه في الحركة أو حتى في الشكل نتيجة التجاذب ما بين هذه القوى . فكل ما في الكون إلا ويقع تحت تأثير هذه القوى وإتجاهاتها التي تحاول تحريكه او دفعه الى السكون ، وفي تفاعل تلك القوى، مع بعضها البعض يتم إنتاح حالة جديدة . 
    وكان عالم الفيزياء والرياضيات البريطاني إسحق نيوتن ، قد إكتشف قوانين الميكانيك ومنها القانون الأول فيه ، وإطلق عليه قانون الإستمرارية والذي ينص على (إن كل جسم في الكون يبقى على حالته من السكون او الحركة، ما لم تؤثر عليه قوة "قوى" أخرى تغير من حالته وإتجاهه). وما دمنا نتحدث الآن بخصوصيات المستوى الفيزيائي  وبالذات في الميكانيك ، حيث تبدو مسألة الموازنة بشكل اكثر وضوحا. لابد لنا من التوقف عند ما يسمى في الفيزياء، "محصلات القوى" ومفردها "محصلة القوة " ومن الفيزياء توسع إستخدام هذا الكيان ليستخدم في المستويات العلمية الأخرى التي تفعل فيها قوانين التوازن فعلها. 
      القوى الخارجية، ناهيك عن القوى الداخلية، في تأثيرها على الجسم المعين، تتميز بوجود إتجاه لتأثير كل قوة على حدة عليه وبطبيعة الحال يكون لها مقدار لقياسها والمجموع الجبري لهذه القوى وإتجاهاتها، يعطينا المحصلة. وإن هذه القوى بإختلاف إتجاهاتها وبإختلاف مقاديرها، تترك تإثيراتها على الجسم المعني،لاسيما وإن إتجاهات تأثير القوى قد يعرقل عمل بعضها البعض، وقد يساعد عمل بعضها البعض، لهذا وجد بالتجربة ، إن القوى المساعدة لبعضها البعض في العمل تكون إشارتها موجبة ، والقوى المعرقلة تكون إشارتها سالبة ، وعليه فإن هذا التأثير يكون في حالة السكون النسبي إذا كانت محصلتها تساوي "صفر قوة" أو يكون متحركا بإتجاه المحصلة، إذا لم تكن مساوية الى  "صفر قوة"، وقد يحدث تغييرا في شكل الجسم نتيجة عدم مقاومة الجسم للقوى المؤثرة عليه.

    والتوازن يتجلى في كل مجالات الحياة، السياسية منها ، والإجتماعية ، والإقتصادية ،والبايلوجية ،والصحية ، وإلآيديولوجية............الخ ، ويتجلى في كل العلوم الطبيعية ، في الفيزياء وفي الكيمياء، وفي الوراثة وقوانينها، وفي التكاثر ، وفي الطبيعة ذاتها.  
    وتلعب التفاعلات والتجاذبات ما بين القوى، الدور الحاسم في   ألإستمرارية ، في الحياة، وشكل وجود المواد وتكاثرها ونقصانها. فقد إكتشف  العلماء ما يؤكد إن التوازن ما بين عناصر محددة في الطبيعة، عندما توفرت الظروف المساعدة لها أدت الى نشوء بدايات الحياة. نتيجة لتكون المواد العضوية ، من عناصر الطبيعة، ومن ثم تكون المادة الحية.  في هذه الإشارة السريعة أردت أن أوضح فقط اهمية الموضوع !.
         إن الشخصية البشرية تتأثر بمجموعة العوامل الإجتماعية المتفاعلة معها، وبمجموعة العوامل الإقتصادية المحيطة بها، وبمجموعة من العوامل الجغرافية والبيئية التي تنشأ فيها ، وبالعوامل النفسية والصحية.ويتم تحديد تأثير كل عامل من هذه العوامل عن طريق رسم مستطيل مقسمة مساحته الى اربعة مستطيلات صغيرة ، وذلك بتحديد ثلاث نقاط على عرض المستطيل تكون متساوية الأبعاد، ورسم مستقيمات موازية للطول فينقسم المستطيل الى أربعة مستطيلات صغيرة متساوية المساحة كما في الشكل التالي :
        التأثيرالإجتماعي
        ألتأثير ألإقتصادي
       ألتأثير ألصحي والنفسي
      ألتأثير  الجغرافي والبيئي

    وعند رسم قطر للمستطيل الكبير من زاويته العليا اليمنى الى زاويته اليسرى السفلى سنلاحظ مقدار التأثير الطبيعي  لكل عامل من من هذه العوامل ، لإنتاج "الشخصية المتوازنة" او "الشخصية المتزنة"، وعند حدوث خلل في نسبة عامل معين على حساب العوامل الأخرى ، تصاب الشخصية بالخلل.وبالتأكيد إن المختصين بهذا الجانب من الموضوع أكثر دراية، في هذه المسألة العامة.
      كذلك في الطبيعة ألأم هناك مجموعة كبيرة من العوامل (الموجودات) المرئية وغير المرئية، تتعايش او تتفاعل مع بعضها البعض لتنتج التوافق ما بين المكونات ، فأكثرنا يعرف ، إن كرتنا الأرضية تحوي على نسب محددة من العناصر ومن ضمنها الغازات المفيدة للإنسان والغازات المضرة له، وأثبتت التجارب إن زيادة طفيفة في غاز الهيدروجين مثلا تسبب الحرائق ، وزيادة الغازات المنبعثة في الجو من عوادم السيارات ومن المصانع أدت الى حدوث الثقب في الأوزون ، مما أثر على البيئة والمناخ ويهدد بذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي للأرض، ولنا أن نقيس حجم الكوارث الناجمة عن ذلك. وتذكرنا الحملة الوطنية في جمهورية الصين الشعبية أيام الراحل ماوتسي تونج، لمكافحة العصافير التي كانت تزعج الفلاحين ، كيف إن إصطياد العصافير بالكميات الهائلة يومها ، ادى الى أنتشار نوع من الحشرات أكثر إزعاجا من العصافير ، فتم العدول عن مكافحة العصافير، فإختفت الحشرات ، فهي كانت غذاء هذه الطيور. وهناك الكثير من الأمثلة الحية الملاحظة في بلدنا العراق ، الذي تقلصت فيه المساحة الخضراء، الأمر الذي ادى الى تصاعد الغبار وإزدياد العواصف الترابية. إن قضايا البيئة (القضايا الكلوبالية)، اصبحت في عصرنا الراهن من القضايا المهمة للنضال ، واصبحت مفاهيم مثل الطاقة الخضراء ، والبيئة النظيفة، وتخليص البيئة من الألغام والنضال ضد إنتشار أسلحة الدمار الشامل، وحقوق الحيوان ، ومكافحة التصحر وغيرها من المفاهيم التي تجمع حولها ملايين البشر للنضال في سبيلها. بل وأضطرت فيها العديد من الصناعات الى إنتاج المنتوجات الإيكولوجية (الخالية من الماد الكيمياوية المصنعة) نتيجة للنزعة العالمية هذه. كما تتجه الأمم الى الإكثار من إستخدام السيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات صديقة البيئة.
    إن البرلمان العراقي ، شأنه شأن غيره من البرلمانات في البلدان حديثة التجربة البرلمانية، تتجاذبه القوى ،ولا تصل فيه الى حالة الإتزان إلا بعد مخاض عسير، وسلسلة من التنازلات والتوافقات ، فتكون النتيجة الوصول الى قرار غير مرض للذين شاركوا في صياغته.لاسيما إن بعض القوى المشاركة في هذا البرلمان إتخذته وسيلة للكسب ، أكثر مما هو وسيلة للتغيير ودفع العملية السياسية وبالتالي البلد الى الوضع الطبيعي، ولو أمعنا النظر في الإستعصاء الحالي في تمرير الكابينة الوزارية لوجدنا إن ألأمر لا يخرج عن مسؤولية حالة التوازن .
    فالبرلمان لم يستطع عقد الجلسة، لتمرير الوزير المختلف عليه، وذلك لإنسحاب النواب غير المتفقين مع ترشيحة ، مما سبب إخلالا بالتوازن المطلوب لعقدها. فلابد إذاً من الإتفاق على المرشحين من قبل الكتل الكبيرة ،عليهم وعلى نزاهتهم. وهكذا سنلاحظ إن قضية تكون الكتل البرلمانية الكبرى ، وتجمعها وتباعدها على أساس برامجها المطروحة، سيكون الأمر الفيصل في الحياة البرلمانية المقبلة ، وحجر الأساس في مسألة التوازن المطلوبة. 
    والملاحظ الآن إن مسألة برنامج الكتلة وقبوله جماهيريا، يدعم عملها ، ويمكنها من أداء دورها المطلوب منها . إضافة لضرورة تمتع أعضاءها ومكوناتها بالثقة الجماهيرية المطلوبة، ولابد من سيادة روح التضامن والثقة بين مكونات الكتلة  وإحترام الإستقلالية الفكرية والتنظيمية والسياسية لهم  ، كي تستطيع ، إقناع الجماهير بصدق برامجها وجدوى العملية السياسية برمتها، لاسيما وإن عملية الإنتخابات الى الدورة البرلمانية الحالية شهدت حالة من المقاطعة الواسعة للإنتخابات ، هذه المقاطعة التي كانت في جوهرها تعني الرفض الواضح لنتائج الدورات السابقة ،وتحسبا لعودة نفس الوجوه الى سدة الحكم وهي التي لم تقدم شيئا يذكر لمصلحة المواطنين المستقلين، إذاً عليها مد جسور الثقة والتواصل مع المواطنين الذين هم هدف عملهم.ولاشك إن التوازن موضوعة واسعة منتشرة في كل مناحي الحياة بشكل موضوعي ، وتتجسد في كثير من الأحيان على شكل قوانين في العلوم الطبيعية وفي العلوم الإجتماعية في الإقتصاد وفي الفلسفة.
                         
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media