الحراك العراقي اللبناني
    الأثنين 21 أكتوبر / تشرين الأول 2019 - 18:24
    راغب الركابي
    ثمة حقيقة جامعة بين الأثنين   هو ما يقوم على أساسه النظام السياسي في  البلدين ، ولعل تجربة لبنان الطائفية ألهمت جهابذت العراق لكي يحذو حذوها ويقلدوها ويكتبوا دستورهم  السيء على أساسها  ، فكان ما كان حيث حكم الطوائف والمذاهب والقوميات الذي خرب البلد واحال شعبه إلى ركام .
    وقد  ساعد في هذا  دور المحتل وأعوانه ومن هم على شاكلته الظاهر منه  والخفي  ،  أولئك  الأعوان  والعيون  الذين لا يملكون  رصيدا في الواقع  ،  لذلك مالوا إلى هذا الإقتراح فتحول البلد إلى ضيع ومقاطعات وكانتونات وصدق عليهم القول (  كل حزب بما لديهم فرحون )  ، وشجعت الطوائف أزلامها للنهب والسرقة وإفساد كل شيء وتعطيل كل شيء ، وإن  حاول  أحدا  أن ينهض  أو يصحح قام عليه أحاد  وجماعات ليمنعوه ويخربوا عليه  عقله  و فعله ، حتى غرقت السفينة بعدما عاث فيها أهلها الفساد والجور والظلم  ، ولكم أن تتصوروا حجم المسروقات من المال العام إذ بلغت ما يزيد على 460 مليار دولار هذا حسب الإحصاء الرسمي ، وما خفي كان أعظم وقد قيل قديما ( من أمن العقاب أساء الأدب )  ولنقل من أمن العقاب عاث في الأرض فساداً  ، وهذا هو حال جماعة الحكم التي توالت على العراق تباعاً  .
    كان العراق وشعبه  من قبل سقوط صدام يُمني النفس بحكم عادل يعطي للناس حقوقهم ويحترم حرياتهم ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، كان حلم العراقي أن تزول مظاهر الإستبداد والفساد  والمحسوبية  ،  ولكن ذلك الحلم وغيره  قد  تبخر مع الأيام ،  في وقت صعدت إلى الواجهة  جوقة  في الحكم  فاشلة  ساعدت عن عمد أو بدونه على هذا الفساد الكبير وأيدته  ، حتى  نمت  وتضخمت طبقة جديدة تصدت للمشهد السياسي و الإقتصادي مستفيدة من هذا الفلتان وإنعدام القانون وضياع هيبة الدولة ، هذه الطبقة  كان لها الدور الرئيسي في هذا الفساد  وهذه الضعة  ،  التي جعلت  العراق أسوء بلد في العالم من حيث الخدمات والعيش والكرامة والحقوق .
    لقد جاءت المظاهرات بعدما طفح الكيل وبعدما شعر الناس ان لا احد لهم غير الله وأنفسهم ، فهبوا من كل بيت وحارة وشارع ورفعوا شعاراتهم ببرائة   ،  معتمدين على الله ومتكلين عليه في أن يأخذ لهم حقهم  ،  فالمجرمون كُثر وهم يخافون كل صيحة  ،  ولهذا شرعوا بقتل المئات من غير ذنب   ، سوى تلك الصيحات التي تطالب بالحقوق والقانون وإنصاف المظلومين .
    وإذا كان السيد رئيس الوزراء جاد واظنه كذلك  ،  فليقم بعمل جبار غير مسبوق ، وأن تطلب ذلك تعريض الكثير من الأشياء  للخطر والإهتزاز   ، وعليه  أولاً  ان يُقدم على محاكمة رؤس الفساد بأسمائهم وصفاتهم  وعناوينهم  ، ويعمد بقوة للقضاء على التسيب المستشري في كل أجزاء البلد  من غير تردد أو مبالات  ، وذلك قدر من يرد الإصلاح  فعليه بالمبادرات الخلاقة غير المسبوقة .
    إن حال العراق كحال لبنان وفساده كفساده ، وتلك التوليفة من الإقطاعيين والطائفيين هم من يتحكمون بمقدرات الدولة و الشعب  ،  الذي ذهب إلى الجحيم  بظلهم  وتحت رآيتهم  ، وماهذه المظاهرات العملاقة إلاَّ دليلاً على تعري الحكومة بكل أطيافها  وألوانها  ، ومن هنا نقول :   إن  شعب العراق يقف معكم  يناصركم  ويدعوا لكم   ،  وهو يقول لكم  :  أيها المنتفضون بلبنان  شدوا الوثاق  ووحدوا رآيتكم  ولا تتنازعوا فتفشلوا  ويذهب ريحكم   ، ونحن معكم  نردد  (  إذا الشعب يوماً أراد الحياة ... )  ، ذلك هو القدر الجامع بيننا في هذه اللحظات المصيرية  .
      إن التناغم بين الحراكين هنا وهناك جاء من وحي المعانات والألم والهوان  ،  وبعدما فشل الجميع وتكشفت كل الأوراق والدفاتر السود ، هنا كان لا بد من موقف شجاع مُقدام غير آبه بما سيكون ، والهدف هو تحقيق العدالة ونصرت المظلوم  ونهاية  الظالمين  من حكام الطوائف الفاشلين  ، نعم سيناكف  هؤلاء  تجار الحروب والطوائف هنا وهناك لكن حتمية التاريخ والقدر والأيام ستقول كلمتها للحق والعدل والإنصاف .
    فيا أهلنا في العراق ويا أهلنا في لبنان عظوا على النواجذ   ، ولا تغرنكم تلك الوعود الزائفة ، وعليكم أن لا تتركوا الساحات حتى تروا قد تحققت أهدافكم وما قمت لأجله ، ودعوكم من ألأعيب السياسة والسياسيين ونفاقهم وكذبهم ودجلهم ، وأعتصموا بحبل القوة والإيمان والثقة بالنفس ، والله والناس جميعاً معكم ثقوا بهذا وأن كثرت المعانات والتخويف والتهديد والرشوة والإملاءات من هذا الطرف أو ذاك ، فأنتم أصحاب حق وما ضاع حق وراءه مطالب ..

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media