جريدة الصباح الجديد كتاب "خلود المحبة " لسمير غريب.. وفاء لايقونات ملونة تعيش في قلوبنا
    الثلاثاء 22 أكتوبر / تشرين الأول 2019 - 20:17
    موسى الخميسي
    برؤية وبصيرة نافذة، استطاع الكاتب والناقد الفني سمير غريب في كتابة الجديد" خلود المحبة" الذي صدر عن دار" الهيئة المصرية العامة للكتاب" في القاهرة، ان  يحفر عميقا في معاني الفقد والموت ، وعالم المشاعر الإنسانيّة المرهفة، وهو يدخل في عالم السرد لسيرة  عدد من المثقفين المصرين الذين منحونا خرائط سرديّة جماليّة للحياة الثقافيّة والتحوّلات في عالم الفن والادب  ، من الذين عرفهم كاصدقاء ومعارف . مثقفون وفنانون، منكسرين ومنتصرين والجامع المشترك بينهم ،هو فعلهم الانساني المبدع  ، وهو المتعالي على الزمان والمكان. ومثلما أن لا حيازة في العلم فكذلك الثقافة مشاعة، والمجتمعات الأكثر استقرارا واتزانا هي التي تسود فيها الثقافة معممة على الأفراد غير منحسرة في طبقة ولا متقوقعة في أشكال أو تمثلات بعينها يأخذ، هذا الجامع " فعلهم الانساني"بتجلياته المتعددة تتحكم فيها عوامل ثقافية واجتماعية وتاريخية وغيرها. إنه فعل إنساني شامل يجتمع فيها ما اختلف، ويتفرق فيه ما ائتلف من أنماط وعي، وسلوكات، وعلاقات ، لشخصيات ساهمت بخلق ذاكرة مصر، وعدد من البلدان العربية المعاصرة في العقود الخمسة الماضية، انه شهادة عن كائنات بشرية رفضت الحروب والظلم والعنف والطغيان والاستبداد، من اجل اعلاء شأن الحياة الانسانية.                     سمير غريب ،اشبه برسام ، اعاد بكتابة ، وبشغف رسم ملامح رجال ونساء، كانوا احدى واجهات ثورة ثقافية وفكرية شاملة يحضر فيها الإنسان كقيمة فردية ومرجعية صانعة للتغيير. لقد صوّرهم بلوحات جميلة ملونة تحمل محبته ومودته الصادقة التي تصفح عن مزايا ومآثر وحسنات كل شخصية من تلك الشخصيات التي استحقت عن جدارة ان تدخل في قلوبنا كايقونات ملونة وجميلة، اتسمت حياتها وفعلها الابداعي بفهم لوازم البذر ومتطلبات الغرس في أرضية كأرضية واقع مصر والعديد من بلداننا العربية وتربتها المتأزمة بالحروب المذهبية والطائفية البغيضة، والنزاعات الفئوية وشروخات الهوية والانتماء وترسبات العرف والاوهام ، وتبعات السياسات الداخلية والخارجية ومشكلات الحياة الاقتصادية واحتداماتها الاجتماعية والنفسية. سنجد في هذه النصوص دائماً عناصر رومانسيّة أساسها محبة الابداع. لابدّ في كلّ نصّ من هذه النصوص أن نصدّقه بسبب بنائه اللغويّ الوقائعيّ والتهكّميّ الممزوج بالبساطة و الحنين إلى الحياة بأسئلتها المقلقة ورغبات بشرها في العطاء .                                         الكتاب، وهو يطوف في بعض من تفاصيل السيرة الشخصية، نقرأ نحن البعيدين، وكأنهم احياء.فهو يصورهم بنفس سردي شاعري عذب، كاشفا الكثير من اسرار الانكسار والانتصار التي عاشتها هذه النماذج الانسانية بريادتها الفكرية والاخلاقية، بخيالها وفنطازيتها، بخيباتها وانكسارها وضياعها، فهي نبتات انسانية، تحدّت ما احاط حياتها من صخور الكراهية،المكبوتة والمعلنة، لتعلن انحيازها  للانسان في مجمل ما ابدعته.  ستظل الصلة قائمة بيننا وبينهم، وتظل تلك الأواصر والوشائج القوية بين أناس لم نلتق بهم، وربما لا نلتقيهم أبدا، الا بافكارهم ووعيهم وما ابدعوه، فقد استطاع سمير غريب في نصوصه الـ 56، أن يشتغل على تقنيّاته. فهو يستتبع أسئلة فلسفيّة أعمق عن ابداع الانسان ، وعلاقته بالوعي أو بالواجب، كما عند الكاتب والمفكر لويس عوض، والمعمارية العراقية زها حديد،التي قال عنها" للعرب ان يفخروا بها، وللنساء العربيات خاصة ان يفخرن، فهي زهوة قدّمت نفسها من حديد بالفعل" اما عن الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، فوصفه قائلا"لم يكن عفيفي جماهيريا، لم يحب بهرجة الاعلام وضوضاءه، كان يعيش بقيمة الحقيقية، وليس لزيف المظاهر، يعيشها في حياته ، ويعبر عنها في كتاباته العميقة، مثلما كان فريدا في شعره، حفر لنفسه طريقه الشعري مميزا ".، وكتب عن الشاعر العراقي مظفر النواب، والفنان النحات المبدع المصري آدم جنين،وباحث الفنون شاكر عبد الحميد، والمنشد الشعبي أحمد برين الذي اطلق عليه تسمية " قبس من روح مصر".. الخ.                                                وبغض النظر عن الأجناس والأنواع، والموضوعات والرموز التي تحدثت عنها هذه المقالات التي نشرت في فترات متباعدة في الصحف المصرية وصحيفة الحياة اللبنانية، اغلبها مرثيات ، تهدف الى ابراز خصوصية حياة وفكر شخصيات تستحق احترامنا وتقديرنا الفائق لانسانيتهم الرائعة، فهي تدفع المتلقين في كل زمان ومكان في اتجاه البحث عما تميزت به.                                                                       لقد انطبعوا في القلب، حركوا مشاعر الرفض والاحتجاج والغضب وثورات الشباب وحماسات القلب التي كانت هدأتها المعرفة والتجربة والاغتراب الطويل الذي يجعلنا كقراء نتفاعل وتشتعل ذاكرة كل منّا مع مقالات، اشبه بنصوص شعرية . ما كتبه سمير غريب  ، هو وفاء محبة خالدة وكبيرة لمن خلد في قلوبنا، واشاع في نفوسنا القيم الانسانية النبيلة والجمال الفني الرفيع المتدفق في رواحه وارادته الواعية، الى طريق العدل السليم في الحياة، بنظر ثاقب وفكر واع لمفرداته المنبثقة من خياله ورؤاه الفكرية التي تكشف عما يمتلكه من خزين يوظفه في اداء رسالته الكونية ، عارفا بان الثقافة معرفة والإنسان بطبعه كائن معرفي، يمتلك العقل ويمارس التفكر ويجري حساباته، معللا ،ومتأملا، ومستنتجا، انها ردّ للجميل الذي صنعه هؤلاء، توق محبة لجميع من كتب عنهم، على اختلاف مشاربهم، توقاً جباراً حارقاً يخلق من كل واحد منهم كتلة مشتعلة، كل ما كان في حياتهم ومن لازال يعيش معنا الان تواقون للمسك بزمام حيوات أنفسهم،عاشوا حياتهم بلا نفاق، بلا تمثيل، بحقيقتهم الكاملة الشاملة.فهو يؤكد في مقدمة كتابة على حرصة " بان تكون موضوعات الكتاب مرآة صافية لمعنى خلود المحبة، استعدت فيه وجوها أحببتها، رحلت او اطال الله عمرها، استمتعت بها أوتعلمت منها، راجعت فيه كتبا قرأتها وتأثرت بها، استرجعت تجارب عشتها في حياتي او شاهدتها".       

     روما: موسى الخميسي                                    
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media