ثورة تشرين ...وطموحات الشباب المشروعة
    الثلاثاء 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 17:18
    د. جواد كاظم البيضاني
     كان شهر اكتوبر / تشرين الأول مميز لدى العراقيين ففي هذا الشهر حدث ما لم يتوقعه الساسة، اذ خرجت تظاهرات قادها فتية من الشباب كانت مطالبهم تقليدية تتلخص في إيجاد فرص عمل بسيطة، وهذا التظاهرات تحمل معاني عظيمة فهي تظاهرات عفوية ليس لها قيادة، او تنظيم مسبق،  ولم تنظم على أسس حزبية او مذهبية او دينية، بل خرجت من رحم المعانات قام بها شباب الطبقة المسحوقة في المجتمع العراقي . 

         ومن الواضح فان هناك أسباب سارعت في انطلاقها بهذا الحجم، لعل أخطرها، الحملة التي قادتها الحكومة من خلال الايعاز إلى امين بغداد وبدعم من السيد رئيس الوزراء، وترتب عليها ازالة محلات الباعة المتجولين دون توفير الحلول لهم وبشكل تعسفي، فلا يسمح لهذا البائس من رزم بضاعته التي غالبا ما كان يقترضها من التجار؛ ويسدد الدين المترتب عليه بعد بيعها ، ومعظم هؤلاء الباعة هم من الفتية العاطلين عن العمل، ثم اصدر مجلس الوزراء قراره بازالة المساكن في محلات (التجاوز) والتي تعرف بالعراق بالحواسم، وكانت حملة شرسة ، فقد الكثير منهم مواطن استقرارهم ، ويبدو إن النقل المباشر لعمليات الهدم دفع الناس إلى التفاعل مع هموم هؤلاء البؤساء الذين كتب لهم القدر إن يعيشوا حياة الحرمان، وكانت اخر انجازات الحكومة احالتها عدد ليس بقليل من الضباط المهنيين الذين كان لهم دوراً مشرفاً في عمليات التحرير إلى التقاعد، ومن بينهم الفريق عبد الوهاب الساعدي، واستبدالهم بضباط تابعين الى احزاب وتيارات سياسية بعيدة عن المهنية.

          لم تتوقف هذه الاعمال عند هذه الحد بل بدأت الحكومة باتخاذ قرارات تدعو إلى تخفيض رواتب الموظفين، والتضييق على أرزاق الناس ومن ثم سن قانون التقاعد الجائر. وسبق ذلك قرارات وقواينن واجراءات مجحفة كانت سبب في انطلاق ثورة تشرين الغراء التي قادها شباب بعمر الزهور يبحثون عن (وطن) فقدوه مع وصول الزمر الحاكمة التي قادة العملية السياسية إلى ما هي عليه الان وأوصلت البلاد إلى هذا الحال المزري. 

    نعم هي تراكمات بدأت مع وصول الأنظمة الاستبدادية عام 1968م التي كانت سبب مباشر في وصول العراق إلى ما نحن عليه، غير إن عجلة الإصلاح بعد الحقبة الدكتاتورية لم تفعل بل  اصبحت اوضاع الناس الاقتصادية بائسة، وواقعهم مزري، فلم تكن حكومة اياد علاوي باحسن من حكومة الجعفري. وكان المالكي أسوء من العبادي، ولم يقدم العبادي شيئ للإصلاح بل كان وبال على مؤسسة السلطة لا يختلف عن عبد المهدي.
    ان انتشار القبلية واشاعتها، وتفشي وباء الطائفية بشكل مخيف، وغياب سلطة القانون عوامل ساعدت على انتشار الفساد، ولعل هيمنة احزاب السلطة وعسكرة الشارع مع ضياع حقوق الناس وشعورهم ان الاحزاب التي تقود العراق انما تحرك من دول اخرى هدفها حماية مصالحها على حساب الدم العراقي ، وكان لعامل الوعي دوراً كبيراً في ردة الفعل العنيفة لدى الشباب الذين لم يجدوا لهم فرص ينعمون بها في بلد غيبت هويته، ودمرت مؤسساته.

         في ظل هذه الاوضاع المزرية كيف يمكن اجراء الاصلاح؟ وما هي السبل الكفيلة في انتشال الشباب من اوضائعهم الاقتصادية والاجتماعية الحرجة جداً؟  

       نعتقد إن ذلك يتحقق من خلال القضاء على الطبقية التي رسمتها الاحزاب الحاكمة في بنيتها القيمية، فنهشت في اقتصاد البلد وموارده حتى عد مواطنيه من افقر الشعوب بسبب حصر السلاح بيد المجاميع الانتفاعية المهيمنة على القرار والتي اصبحت لها القدرة في التحكم بمصادر المال من خلال سيطرتها على واردات النفط وهيمنتها على وسائل التصدير والاستيراد وكل المرافق الاقتصادية فاصبح العراق يحرك من جماعات المافية التي تعيث في الارض فساداً وتحرق الاخضر والمثمر من اجل مكاسبها ومكاسب الدول الموجهة لها.

       ولو اخذنا مدينة البصرة مثال على ذلك لوجدنا إن هذه المدينة تم تقسيمها اقطاعات بين الأحزاب التي تملك اجنحة مسلحة، وكان لزاماً على اهلها دفع اتاوات للعمل في الموانئ او شركات النفط، وبدأت هذه الأجنحة المسلحة ايجار الساحات والمرافئ إلى التجار او الشركات مقابل مردودات مالية توزع على رجالاتها، فضلا عن دفعها إلى الدولة الموجهة لهذا التنظيم او ذاك، اما سكان هذه المدينة فيعانون من القهر والجوع والحرمان ،وفضل الكثير من اهلها العمل في بغداد او الهجرة خارج البلد لان هذه الأحزاب تعطي فرص العمل إلى البنغاليين والباكستانيين فضلا عن جنسيات اخرى فالسكان الأصليين يمثلون تهديد خطير لمكاسبها التي حققتها. أما الأضرحة المقدسة لدى الشيعة فتدار من المؤسسات الدينية، وهناك صراع خفي غير معلن بين هذه المافيات للاستحواذ على العائدات المالية الهائلة، وأصبح العراقيين خارج هذه اللعبة، فالعاملين في هذه الأضرحة كلهم من العوائل ذات الأصول الفارسية او الهندية او الباكستانية او الأسر (المهجنة) ، ووصل الامر إلى القبور التي أصبحت استثمار ضمن سياسة انتهجتها الأسر الحاكمة في مجلس محافظة النجف لزيادة مدخولات الأحزاب، التي تعاني من نقص الموارد بعد انقطاع الامول التي كانت تصلها من الخارج ، ووفقاً لهذا السياسة كان على أهل الميت دفع ألاف الدولارات لدفن موتاهم. اما المنافذ الحدودية فلكل حزب منفذه الخاص الذي يدر عليه المليارات، وغالباً ما تصرف هذه الأموال بصورة انتقائية لفائدة هذا الحزب او رجالاته، او لتغطية نشاطاته الإعلامية التضليلية. اما الضرائب التي تفرض على المواطن فحدث ولا حرج، ضريبة تحويل المسكن، ضريبة تحويل عائدية السيارة ضريبة الكهرباء (المنقطعة اصلا) ضريبة الماء، ضريبة، الرصيف، ضريبة الطابع، ضريبة رواتب شهداء الحشد، ضريبة العلاج الصحي. 

    ولو عدنا إلى الصحة فحدث بلا حرج، فالمستشفيات خاوية على عروشها، والأطباء المهنيين تركوا البلاد بسبب التهديدات التي تعرضوا لها من ارباب الأحزاب المتسلطة ومافيات الجريمة، مع نفاذ الأدوية التي لا تغطي حاجة الناس، اما عمليات الاستفزاز التي زاولها (نواب الشعب) على الأطباء (المهنيين) والمؤسسات الصحية فمعروفة للقاصي والداني  فاصبحت مستشفياتنا اثر بعد عين، بعد إن كانت من أفضل مستشفيات المنطقة وأحسنها. 

           وفقاً لهذه الهذه السياسات الممنهجة تم تدمير البنية التحتية لمؤسسات الدولة العراقية وأصبح العراق في غياهب الظلام ومستقبل ابناءه مجهول ، وعليه فلم يكن امام الاجيال الصاعدة غير الثورة للقضاء على هذه الطغم الطائفية التي وصلت إلى السلطة في غفلة من الزمن، وقادت العراق  نحو المجهول، وكانت دعواتهم الى التغيير الشامل في نظم الدولة ومؤسساتها. 

    فالثورة التي انطلقت في الشارع العراقي كانت بسبب هذه التراكمات التي ذكرنها جزءاً بسيطاً منها، ولم يعد خافي على هؤلاء الفتية الذين انتفضوا بوجه الظلم إن يترجموا رفضهم إلى واقع على الارض من خلال رفضهم لكل الابعاد الطائفية والمناطقية والقومية التي بنيت عليها مؤسسات الدولة العراقية ، ولم يعد خافي على احد المطالب التي حددها الشباب الثائر والتي ضمت استقالة الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور ، وان يكون هناك اشراف دولي على عملية التغيير التي ينشدوها، مع مشاركة النشطاء المستقلين وخبراء الدستور في العراق من المستقلين غير المسيسين في اعداد الدستور ، وتقديم الذين تثبت عليهم جرائم اختلاس او فساد إلى القضاء.  

    #في_الحديث_بقية. تقبلوا تحياتي 


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media