لماذا ارتفع الإنفاق العسكري العراقي؟
    الأربعاء 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 22:39
    صباح نعوش
    باحث إقتصادي
    تتسم المصروفات العسكرية في العراق بخمس سمات أساسية: من حيث حجمها ترتفع بصورة مستمرة. ومن حيث تداعياتها تسهم مساهمة فاعلة في العجز المالي المزمن. ومن حيث طبيعتها أنها اعتيادية وليست استثمارية. إذ تصرف للمرتبات واستيراد الأسلحة. وأما التصنيع فيكاد يكون منعدما. كما أنها مخصصة لاستخدامات داخلية. فلا فرق رئيس بين الإنفاق الدفاعي والإنفاق الأمني. وأخيراً تعاني المصروفات العسكرية بشدة من الفساد المالي.
    بلغ الإنفاق العسكري في العراق 23656 مليار دينار (حوالي عشرين مليار دولار) في عام 2019. ويشمل نفقات وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وهيئة الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب. يمثل هذا المبلغ 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي و 17.7% من النفقات العامة و22.3% من إيرادات الدولة. أنها معدلات مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول النامية والصناعية. ما هي إذن أسباب هذه الظاهرة؟
    أنها لاشك عديدة أهمها مالية الدولة والأعداد الغفيرة للعسكريين والصراع الداخلي العنيف والفساد المالي المستشري.
    بسبب ارتفاع عوائد النفط تحسنت إيرادات الدولة في العام الجاري قياساً بالعام السابق. فقد انتقلت هذه الأخيرة من 91.6 ترليون دينار إلى 105.5 ترليون دينار. الأمر الذي أفضى إلى تصاعد الإنفاق العام فتزايد العجز المالي. ومن العوامل المؤثرة على هذا التصاعد الإنفاق العسكري. فعلى سبيل المثال انتقلت نفقات وزارة الدفاع من 7.4 ترليون دينار في عام 2018 إلى 9.0 ترليون دينار في عام 2019.
    وإذا كان ارتفاع الإيرادات العامة يقود إلى تزايد الإنفاق العسكري. فأن هبوطها لا يؤدي بالضرورة إلى انخفاضه. ففي عام 2017 مقارنة بالعام السابق هبطت إيرادات الدولة وكذلك نفقاتها. لكن مصروفات وزارة الدفاع ارتفعت من 7.3 ترليون دينار إلى 8.7 ترليون دينار. الإنفاق العسكري في العراق كما هو حال دول المنطقة يعتمد على إيرادات الدولة لكنه يخضع كذلك لعوامل سياسية.
    وعند العودة إلى ميزانية الدولة للعام الجاري نلاحظ أن عدد منتسبي وزارة الدفاع 288.9 آلاف شخص ووزارة الداخلية 583.6 آلاف شخص. يمثل عدد هاتين الوزارتين 29.6% من مجموع موظفي الدولة. بمعنى أن قسطاً كبيراً من نفقات الدولة يغطي مرتبات العسكريين وهي بطبيعتها غير إنتاجية. كما أنها منتفخة لأسباب منها كثرة الضباط برتبة عميد ولواء وفريق. عدد هؤلاء يفوق بكثير العدد المماثل في جيوش الدول الكبرى.
    وبدلا من تقليص عدد العسكريين تم في الفترة الأخيرة إعادة المفصولين منهم إلى الخدمة. لأن الحكومة لا تجد سوى المؤسسة العسكرية للتوظيف. كما أن الفصل أساساً إجراء غير موفق لأسباب ترتبط بمعيشة حوالي مائة ألف مواطن. بل كان من الأجدى إعادة تأهيلهم لممارسة أنشطة إنتاجية تفيدهم وتنفع المجتمع بأكمله.
    أما السبب الثالث لارتفاع الإنفاق العسكري فهو الصراعات الداخلية العنيفة. يعيش العراق حالة من عدم الاستقرار في جميع الميادين خاصة الأمنية. وتتسم هذه الحالة بالاستمرار والتنوع: تفجيرات مراقد الأئمة في سامراء وما ترتب عليها من أزمة خطيرة. داعش الإرهابي وتدمير الموصل. الحركة الانفصالية الكردية. القضاء على الحراك الشعبي في الأنبار. التصدي بعنف لاستياء المواطنين في البصرة. الاقتتال بين المليشيات للسيطرة على مراكز القرار. الحراك الشعبي العارم الحالي. ناهيك عن عمليات التفجير والتخريب والاعتداء اليومية المبرمجة.
    وتلعب طهران دوراً بارزاً في تمزيق البلد عن طريق النعرات الطائفية والأحزاب الدينية والمليشيات التابعة لها. تهتم بالصراعات وتغذيها بهدف تدمير البلد المدمر أساسا. هذه ليست نظرية المؤامرة بل واقع الحال.
    يتطلب عدم الاستقرار رصد أموال طائلة في الميدان العسكري. كما أن تفاعل هذه الحالة مع الإنفاق العسكري المتزايد يقود بالضرورة إلى تقهقر مستمر لمستوى معيشة المواطنين. مما يفسر تصاعد البطالة والفقر وتدهور الخدمات وتدني الإنتاج وكذلك تفاقم العجز المالي وما يترتب عنه من ارتفاع المديونية العامة خاصة الخارجية وتراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية. لا يملك العراق إذن برامج جدية للإصلاح الاقتصادي بل لا يملك حتى الأرضية الملائمة لهذه البرامج. وهكذا لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب هيمنة إيران وسياستها العدوانية تجاه العراق.
    وأما السبب الرابع فهو الفساد المالي الذي يمكن تقسيمه إلى ملفين: أولهما الوظيفة الفضائية وثانيهما عقود التسلح.
    اعتاد العراقيون على إطلاق تسمية الفضائي على الشخص الذي يتقاضى مرتباً من الدولة دون أن يقوم بعمل وظيفي فعلي. وهذه الظاهرة تشمل جميع الوزارات. ولكن القسط الأكبر من الوظائف الفضائية تخص المؤسسات العسكرية لسبب بسيط وهو أن عدد منتسبيها يعادل حوالي ثلث الموظفين في العراق.
    أما عقود التسلح فهي من ابرز صور الفساد المالي. ورغم وجود بعض التقديرات المنشورة هنا وهناك إلا أن حجمه الحقيقي غير معروف بسبب طبيعة الآفة. وفي أغلب الأحيان ينجم الكشف عن العقود الفاسدة من قبل مؤسسات الدول المصدرة للعراق.
    ينبغي إعادة النظر في مصروفات العراق العسكرية ومعالجة أسباب ارتفاعها التي تشكل أحد ابرز مشاكله التي أدت إلى تدمير اقتصاد البلد وماليته. ولا يمكن لهذه المعالجة أن تنجح إلا تحت ظل حكم وطني ودولة مستقلة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media