زيارة جزار أنقرة إلى بيت الأكاذيب
    الأربعاء 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 22:49
    أ. د. ألون بن مئير
    أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية
    تأتي دعوة ترامب لرئيس تركيا أردوغان إلى واشنطن في وقت فريد من نوعه يتابع خلاله مجلس النواب التحقيق في قضية عزل الرئيس ترامب وفي الوقت نفسه إنشغال أردوغان بغزوه لسوريا وتنامي إحباط الشعب التركي من سياسته الداخلية القاسية والخارجية أيضا ً المحفوفة بالمغامرات. السؤال هو ، ما هي الرسالة التي سترسلها زيارة أردوغان إلى كل من أصدقاء وأعداء الولايات المتحدة ؟

    سوف يستشعر أعداؤنا فكرة أن الولايات المتحدة لم تعد تسترشد بأي مبادئ أخلاقية. إن دعوة أردوغان إلى واشنطن في الوقت الذي لا يزال فيه الدم الكردي عالقا ًعلى يديه يؤكد فقط على أن ترامب ليس لديه أي تردّد أو وازع أخلاقي وأنه تحت قيادته قد يصبح أصدقاء اليوم أعداء الغد. وأصدقاؤنا ، من ناحية أخرى ، يشعرون بالحيرة حيال سبب قيام الولايات المتحدة بإعداد زيارة رسمية إلى البيت الأبيض لقائد وحشي مثل أردوغان الذي ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد شعبه وخاصة ضد الأكراد الأتراك والسوريين على حدّ سواء.

    تكثر التكهنات حول ما قد يخرج من اجتماع ترامب وأردوغا، لكنني أعتقد أنه لن ينتج شيء جوهري من لقاءهما المباشر وجهاً لوجه باستثناء محاولة كل منهما جني بعض المكاسب الشخصية. في الواقع ، ترامب يعمل فقط من أجل ترامب ونرجسية أردوغان لا يتم تجاوزها إلا من خلال أنانية ترامب المتضخمة وأناقته المثيرة للشفقة.

    إن رغبة أردوغان في زيارة البيت الأبيض مدفوعة بعدد من الاعتبارات "الرصينة”: بالنسبة لأردوغان ، فإن الزيارة تُظهر لجمهوره أنه يتمتع بدعم الولايات المتحدة بينما يتباهى بأنه زعيم عالمي تحسب حتى الولايات المتحدة حسابه وتمنحه المكانة والإحترام اللذين يستحقهما فقط رؤساء دول أخرى بارزون مثل ميركل الألمانية وماكرون الفرنسي.

    علاوة على ذلك ، ستشجع الزيارة أردوغان على مواصلة حملته المسعورة ضد أكراده وتظهر عدم اهتمام الولايات المتحدة بانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان. ستثبت الزيارة كذلك أن الولايات المتحدة تتسامح مع قيام أردوغان بعلاقات ودية متنامية مع روسيا وتنسى تماماً قيام أنقرة بشراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 على الرغم من أنه يضر بشدة بتقنية الناتو الحساسة ومعلوماته الإستخباراتية.

    للأسف، والأكثر إثارة للقلق هو أن الزيارة تشير بوضوح إلى أن ترامب لا يهتم بعزم أردوغان الشرير للقضاء على المعارضة الكردية السورية ، وحدات حماية الشعب (YPG) ورفاقهم في السلاح، الجيش السوري الحرّ (SFA) ، والحفاظ على موطئ قدم دائم في سوريا، الأمر الذي سوف يكثف فقط الصراعات الإقليمية وعدم الإستقرار في المنطقة.

    وبالنسبة لترامب، تقدم زيارة أردوغان عمل آخر مثير لصرف انتباه الجمهور الأمريكي عن مشاكله اليومية المعقدة لفترة قصيرة على الأقل من الوقت. وبالنظر إلى الغضب من جانب كل من الجمهوريين والديمقراطيين عقب قراره السريع المتهور بسحب قواتنا من سوريا ، أراد ترامب أن يثبت أن قراره كان القرار الصائب. فبعد كل شيء هناك وقف لإطلاق النار والقوات الأمريكية تحمي حقول النفط السورية التي ينظر إليها بسخرية على أنها ميزة ، بغض النظر عن حقيقة أن المئات من أقرب حلفائنا – الأكراد السوريين – قد قتلوا بالفعل على أيدي القوات التركية وأن عشرات الآلاف إضطروا للنزوح من ديارهم.

    علاوة على ذلك ، ونظرًا لأن ترامب هو في الغالب واجهة بلا مضمون، فهو حريص بشدة على إثبات أنه، في الواقع ، منخرط بنشاط في الشؤون الخارجية في البحث عن حلّ لمختلف الصراعات في الشرق الأوسط ، بما في ذلك الصراع التركي- الكردي. وأراد أيضا ً أن يثبت لقاعدته أنه أقوى رجل وسوف يأتي القادة من كل ركن من أركان العالم "ليفركوا معه الأكتاف” مما سيرضي أنانيته أيضًا.

    ومهما كانت، على أي حال، زيارة أردوغان غير مهمة إلى البيت الأبيض، غير أنّ من المقلق أن أردوغان قد نجح في تهميش الولايات المتحدة بشكل فعال من أن يكون لها موقف مهمّ أو ما تقوله حول مستقبل سوريا. مصير سوريا الآن بين يدي بوتين وروحاني في إيران وأردوغان نفسه. وبصرف النظر عن جميع النوايا والأغراض، فقد ألقى ترامب سوريا لأحضان هؤلاء الزعماء الثلاثة ، وهدفهم الرئيسي هو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لأن كل منهم يريد متابعة أجندته الخاصة في المنطقة دون تدخل أمريكي.

    من المؤكد أن الجزار التركي أردوغان والكذاب سيء السمعة ترامب وجدوا مطابقتهم لبعضهم البعض ، وليس لديهم أي خجل ولا ندم على حول كيفية إستغلالهم لبعضهم البعض لتعزيز مصالحهم.

    ستنتهي الزيارة بنفس الطريقة التي بدأت بها. لن يأتي شيء ذات مضمون في اجتماعهم غير المتجانس ، حيث لا يوجد أي شيء يقدمه الواحد منهم للآخر وسيبقى إلى حد كبير ازدراؤهم المتبادل تجاه بعضهم البعض طالما بقوا في مناصبهم.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media