رابعًا: المؤسسات الدينية والإرث الموروث
    الخميس 14 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 05:56
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    ولم يكن لرجال الدين من سبيل للسيطرة على عقول العباد إلا ببلاغة اللفظ، وطلاوة وعذوبة ورقة اللغة، وتعدد مفرداتها، والاعتصام بخوارق الأولين، وعجائب وأساطير المحدثين، وفلكلور العازفين، والاحتماء بتراث الكتبة والناقلين، ويصبح هذا التراث رهنًا لديهم، حبيس أدراجهم، لا يتناوله سواهم، ولو اقترب منه أحد ليكشف المكتوم أو يقرأ المسكوت أو يفضح المستور، لحاربوه واتهموه على الباطل قبل الحق، وهذا مباح ومسموح وإلا تراجعت الصدارة والوجاهة إلى مؤخرة الصفوف، والعز والنعيم إلى الفاقة والحاجة، ودلف علمهم إلى صناديق الخرافات. فهل يا ترى يتنازل هؤلاء عن صدارة الصفوف حتى وسط العلماء والوجهاء والمفكرين والفلاسفة والحكام؟.. بالطبع لا، الموت كل الموت لو اقترب أحد من وليمتهم.

    فليس لنا حاجة عند رجال الدين لتجديد الخطاب الدينى، فلن يجددوه، ولن يرفعوا أيديهم عنه، ولن يفتحوا الباب لغيرهم، هذا إرثهم الموروث، كل من اقترب منه أهلكوه وكفروه وشوهوه، علينا الاعتماد على أنفسنا في تجديده بعيدا عنهم، نبنى ونشيد بناء جديدا نقيم فيه، فإذا خرب القديم فلا فائدة من ترميمه، وهو بداية لعزل هذا التيار وتهميش دوره وتقليل شأنه وتخفيف تغوله وهيمنته على مقدرات ومصائر العباد. المهمة الأولى على الدولة، والثانية مهمة المثقفين والتنويريين، وما على الدولة إلا إلغاء التعليم الأزهرى وضمه إلى التعليم العام، وكذلك دمج جامعة الأزهر مع وزارة التعليم العالى والاكتفاء بكلية واحدة لأصول الدين لتخريج الدعاة على قدر احتياج المجتمع، ورفع يد وزارة الأوقاف عن الوقف المصرى العام، وإنشاء جهاز من المتخصصين والخبرات الجيدة لإدارته، حتى تعود المؤسسات الدينية إلى حجمها وعملها الطبيعى دون هذا الظهير الذي ينمو يوما بعد يوم، ودون هذه الأموال التي تتكاثر وتشغلهم عن مهمتهم الرئيسية، فليسوا رجال مال أو رجال علوم، هم رجال دين فقط لا أكثر ولا أقل.

    أما عن الثانية، وهى مهمة المثقفين والتنويريين في ظل حماية القانون، فإن الظروف في صالحهم مهما كان الظلام منتشرا، والدروب مغلقة، لأن فكر هذا التيار يدور في حلقة مفرغة، ولولا كمية الجهل على مر التاريخ التي اعتمدوا عليها منذ قرون لما قامت لهم قائمة، ولما وجدوا قبولًا بين الناس يومًا واحدًا، وكلها أمور ليست من جوهر الدين أو قلبه، فلا شغلوا أنفسهم بالعلم أو العمل أو الأمانة أو النظافة أو احترام حق الغير أو الالتزام والانضباط، أو اهتموا بمشكلة نقص المياه وما تواجهه مصر جراء بناء سد النهضة، وكأنهم في وادٍ والبلد في آخر، يتجاوبون مع الدولة والناس، ينصحون الناس بعدم الإسراف في استخدام المياه والاقتصاد فيها وترشيد استخدامها وهكذا.. لكنهم شغلوا الناس بشرعية الحجاب والنقاب، وطول الجلباب وقصره، واللحية والسواك، وزواج الصغيرة والرضيعة، ورضاعة الكبير، وتكفير غير المسلم، وجهاد الدفع والطلب، وحق الزوجة في العلاج عند المرض والكفن عند الوفاة، بل وصل الأمر إلى تغييب عقل المسلم، حين اعتبروا أن المحن والمصائب التي تواجه الناس في حياتهم ليس في بُعدهم عن المنهج العلمى والعملى، بل في بُعدهم عن منهج الله وعبادته، فَتَرَك الناس السبب الحقيقى لمشاكلهم واتجهوا للعبادة وأهملوا دنياهم، انتظارا لرضا الله ومغفرته، فكان ما نحن فيه من تخلف وجهل.. ولو تساءل الناس: لماذا تقدم العالم وتأخرنا؟ لما كان لتفسيرهم من سبيل إلى عقول الناس، وبلغوا السبب الحقيقى وهو إغفال وإهمال وفوضى وفهلوة واتكالية والاعتماد على الغيب والاكتفاء بالدعاء، ولن نصل بكل هذا إلا إلى نقطة الصفر، فليس لنا إلا العلم والعمل، هما منهج الله في إعمار الكون.

    وهذه الدائرة التي يدور فيها هذا التيار وفك رموزها أمام الشعب أمر ليس بالصعوبة في ظل ثورة المعلومات وسهولة الاتصال، فإذا أضفنا لهذا استعداد الناس للمعرفة، وعدم الرضا عن محطة الوصول في صحبة هذا التيار، وما صاحب الرحلة من وعود وعهود وأحلام وطموحات تساقطت وتخاذلت يومًا بعد يوم، وزادت مع طولها معاناة الناس ومشقتهم.. تصبح المهمة ميسورة طوال شوطها في ظل حماية القانون دون مطاردات، وفى جو يحكمه النقاش والجدل وليس الإرهاب والمطاردة والتخويف والتجريس والتشهير. وعندنا أولويات يحكمها المنطق والحق والعقل والعلم، فليس الحجاب دليل العفة، وليس النصر بالسواك، وليس الفقر والحاجة غضبًا من الله، وليس المرض عقاب الله لعباده أو امتحانًا لهم على الصبر، وليس الحمل فوق تسعة أشهر إلا تزييفا وتزويرا، ولا عقوبة دنيوية لتارك الدين أو الصلاة أو الزكاة، وليست الجنة أو الشهادة من حق أحد غير الله، وليس زواج الصغيرة إلا مخالفة صريحة لقواعد الصحة والإنجاب، وكل ما يخالف العقل والعلم مرفوض وغير مقبول.. وهكذا، كلما لجأنا إلى العلم والمنطق والعقل خفّ فريق لصالح الآخر، وانفض الناس عن دوائر الحواة والسحرة وضاربى الودع.. علينا أن نُحكّم جميعا العقل، فهو أساس التكليف، وهو معيار الاختيار والمفاضلة، وكلما كان ميزان الأمور على هذا النحو سيكون الأمر محسومًا لصالح العقل والعلم.

    الأسبوع المقبل.


    adelnoman52@yahoo.com
    "المصري اليوم" 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media