"مُبارَكٌ لك يا أبتاه!! وكل عام وأنت بخير".
"وإياكم إن شاء الله، أحسنتَ يا ولدي. وإن كنتُ أعلمُ سبب هذه المباركة الطَّيِّبة إلا أنه يُسعدني أن تتلقّى أُذُنايَ عِلَّة هذه المعايدة من فمك الكريم. فَجُدْ عَلَيَّ وأَتْحفني مُوَضِّحاً ما لديك من كلمات عطرة وحروف نَيِّرة".
"حاضر يا "تاج رأسي". لا رَيْب في البَيْن أنّ مناسبتَيْن عَطِرتَيْن تدفعان كُلَّ مَنْ تَربّى تربيةً صالحةً ـ مثل التي قُمتَ بأدائها يا نور عَيْنيَّ ـ للمبادرة بطيب الكلام في حضرَتَيْ ذكرى ولادة سيد الأنام وذكرى ولادة مولاي الإمام".
"تمهيدٌ رائع يا بُنَيّ... أَكْمِل وَزِدْ في البَوْحِ توضيحاً وفي التنوير إشعاعاً وابعث في جَوِّ الكلام بركةً لعلّ ثواب الله يُغدَق في محضر اسمَيْهما الشّريفَيْن".
"لك ما أردتَ يا مُلهِمي ومصدر تنشئتي.
أهلاً بك ـ وبجميع المؤمنين والمؤمنات ـ في ذكرى ولادة نبي الإسلام، رسول الله وإمام الرحمة(ص)، وذكرى ولادة تاج رؤوسنا، مفخرتنا وحبيب قلوبنا إمامنا جعفر الصادق(ع)".
"نِعْمَ التأهيل في الإضاءة على هذَيْن الحدثَيْن النَّوعِيَّيْن. ولكنك ما زلتَ في بداية المبادرة الكريمة، والمرجو وجود مزيد مهم لِيُضاف على هذه الإطلالة القَيِّمة فيزيدها بركةً ويكسيها ثوب الانتفاع والتزود لما فيه خير الدنيا والآخرة... فما مزيدك يا ولدي المطيع والموالي المؤمن؟".
"هنا جوهر المنفعة التي لا بُدَّ من عدم إغفالها والتّريّث عندها والتّدبّر في مضامينها والخروج بنتيجة مسلكية وعِبرة نَيِّرة تنتشلان الغرقى في أهوائهم، تُنبِّهان الغافلين عن الدّرب القويم وتَحُثّان العاملين للاستمرار في سبيل العطاء وتثقيل الميزان الأُخروي بما تَيَسَّر من الخير والعمل الصالح. إلا أنني يا أبتاه أُفَضِّل الصّمت في حضرتك والإنصات في ظِلِّ وجودك لما أنت أعلم به مني بل وأستاذي فيه وفي غيره من المواعظ ودُرَر الحِكَم. فَتَفضَّل يا نور عَيْنَيّ والأُذُنان لك صاغِيتان".
"شكراً لك يا ولدي على هذا التظهير الحَسَن والإطراء اللطيف، وخُذْ عِلماً أنه إِذا وُفِّقتُ ليسير الكلام ومنافعه فهذا ليس من عندي، وإنما هو من فضل الله عليّ وعلى جميع العباد الفقراء أمثالي. يا بُنَيّ الحبيب، مناسبتان عطرتان... فعلينا بالفائدة من صاحبَيْهما، والله المُسَدِّد ببركتَيْهما:
فضلٌ من الله علينا أن أوجدنا في هذه الدنيا وأتاح لنا مروراً مؤقتاً. فهيّا إلى الاستفادة... هَلُمَّ للاستزادة... وإلى الاستعانة دُرْ".
"أَلْطَفتَ الجو بيسيرٍ من التلميح، فحبّذا لو تُغدِق علينا بقليل من التوضيح، يا أبي، حول نقطتَيْن بارزتَيْن: استعانة بماذا؟ وعلى ماذا؟".
"للتوضيح والإجابة مصدرهما وأهلهما يا ولدي، وهنا يُصْعَدُ مركب الانتفاع ويُخرَج بفائدة مسلكية في ظِلَّيْ المناسبتَيْن الكريمتَيْن. فقد جاء في الخبر:
{١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم العون على تقوى الله الغنى.} [الكافي ـ الجزء الخامس].
إذاً يا بُنَيّ، الدرس العملي المهم:
العمل المُباح الذي قد يستخدمه أهل الدنيا والبعيدون عن المساري الإيماني إشباعاً لشهواتهم الفانية، عليك بالاستفادة الخَيِّرة منه وذلك بالاستعانة به على تقوى الله... وبالتالي إعمار الدار الآخرة.
ومثاله الواضح ـ في الحديث أعلاه ـ هو الغنى.
فإذا أنعم الله عليك وأغناك من فضله، فلا تتردّد بإشهارهما سلاحَيْن تزوّدَيْن لدار البقاء: أَنفِق في سبيل الله، تصدّق على المحتاجين، اُسْلُك سبيل الاستثمارات الخيرية، أَمِّن حياة كريمة لعيالك وإلى آخره من المصاديق التّقوائيّة المُكْسِبة.
فهل تلقّفتَ ـ يا ولدي ـ إجابة على نقطتَيْك المُصوَّبتَيْن بدقة لطيفة؟".
"بالطبع يا أبتاه: استفادة من ميزة دنيوية ـ والغنى مثالها ـ لنتيجة أخروية.
فنِعْمَ الاستفادة يا أبي، طوبى للسالكين وهنيئاً لأهل التزوّد {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.
وفي الختام، هل تسمح يا والدي أن نصغي قليلاً لكاتب السطور إفساحاً له بالمجال كي يختم المحضر بقليلٍ نافع؟".
"على الرحب والسعة، لك ما أردت مع أطيب التحيات وخالص الدعاء".
شكراً لكما وكل عام وأنتما ـ وجميع المؤمنين والمؤمنات ـ بخير وصلاح وثبات على الإيمان والولاية إن شاء الله.
وَنِعْمَ الختام، حديث الآل(ع)، في نفس سياق الحديث السابق، حيث جاء في محلّه:
{٩ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نعم العون على الآخرة الدنيا.} [المصدر السابق].
أيها الأعزّة (الأب، الابن والقرّاء)، إذا أهل الدنيا فشلوا في الاستفادة منها ووقعوا في فِخاخها وتلوّثاتها، فَأَحْسِنوا التموضع واجعلوها رأس مال تزودي تعمرون به ذاك المآل الأخروي الذي لا مهرب منه ولا بديل {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].
أبو تراب كرار العاملي