من مهازل العملية السياسية في العراق
    الجمعة 15 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 17:36
    د. جواد بشارة
    هل نحن أمام مهزلة وكوميديا مرة أم تراجيدياً ومأساة عند مشاهدة المشهد السياسي العراقي المضطرب اليوم؟  فالسيد رئيس الوزراء العراقي في خطابه يحذر شعبه بأنه أما خيار الدولة واللادولة، ما يعني إما أن يبقى في سدة الحكم وتكون هناك دولة أو يذهب ويستقيل عندها سيتحول العراق إلى اللادولة. فهل يصدق السيد عادل عبد المهدي نفسه فعلاً أنه على رأس دولة تحترم حالها وتحترمها المنظومة الدولية في وقت لا يعرف لا هو لا حكومته  ــ إن كان ادعائه صادق بأنه لا يعرف ــ  هويات من أطلق النار بالرصاص الحي على المتظاهرين وتسبب بمقتل أكثر م 300 شخص وجرح ما لا يقل عن 15000 خمسة عشر ألف جريح استشهدوا على يد قناصة ملثمين انتشروا فوق سطوح البنايات الحكومية وغير الحكومية منذ الأيام الأولى للتظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية من الأول من تشرين  أكتوبر. ثم تفاقم التخبط الحكومي الرسمي عبر تصريحات تثير السخرية  ولا تقنع حتى الطفل الصغير من قبيل أن هناك أشخاص يلبسون الزي العسكري الرسمي  الذي ترتديه القوات النظامية مثل قوات الرد السريع ومكافحة الشغب وحفظ النظام ، تتصدر المتظاهرين ، أي يقفون أمام المتظاهرين وخلفهم النساء والأطفال ويحملون أسلحة نارية ويهاجمون القوات الأمنية غير المسلحة سوى بالهراوات ويطلقون عليها النار حسب تصريح رئيس الوزراء الذي أضاف : "نشهد ازدياد حالات الخطف التي تقوم بها جهات توحي بأنها تنتمي إلى إحدى مؤسسات الدولة، ونرفض هذه الممارسات بشدة ونعدّ هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الجناة إطلاق سراح المختطفين فورا "هل هذه  دولة حقاً يفخر بها رئيسها ويحذر شعبه من فقدانها وخسارتها إذا لم يعودوا إلى بيوتهم ويوقفوا احتجاجاتهم ومطالبهم المشروعة؟ هل فعلاً الحكومة تجهل الميليشيات التي تقوم باختطاف المواطنين؟!. وبالأمس ظهر علينا وزير الدفاع العراقي السيد نجاح الشمري على قناة فرنسا42 في مقابلة تلفزيونية ليدلي لنا بتصريحات أقل مايقال عنها أنها مريبة وتثير الاستغراب والدهشة والاستنكار لأنها تفضح واقع الحال  مما أوقعه وحكومته في حالة من الإحراج الكبير واضطر وزارة الدفاع إلى إصدار بيان توضيحي جاء فيه إن "ما يقصده وزير الدفاع، نجاح الشمري، ممن وصفهم في تصريحه بـ(الطرف الثالث) الذين يقومون باستهداف المتظاهرين وقتلهم، هم عصابات تستخدم الأسلحة ضد القوات الأمنية والمتظاهرين معاً".وأضافت الوزارة في بيانها تقول إن "هذه العصابات تستخدم رمانات الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين، وكذلك ضد القوات الأمنية". وأضاف وزير الدفاع نجاح الشمري في المقابلة التلفزيونية مع المحطة الفرنسية قائلاً: إن القنابل المسيلة للدموع لم تستوردها أي جهة عراقية وان كل القنابل التي أدت إلى مقتل المتظاهرين غير موجود شبيه لها لدى القوات العراقية بل إنه حتى أداة الإطلاق والبندقية المستخدمة في الإطلاق غير عراقية ودخلت إلى العراق دون علم الحكومة وليس عن طريق الحكومة. وعن سؤال  حول ما إذا تلقى أوامر مباشرة من  قاسم سليماني هل سينفذها أم يمكنه رفضها وعدم تطبيقها فأجاب محرجاً سأرفضها  وإنه لم يقابل سليماني منذ أن تسلم منصبه كوزير للدفاع مما أثار امتعاض سليماني والقيادة العراقية الحقيقية المتمثلة برؤساء الأحزاب والكتل الإسلامية الحاكمة والتابعة  للولي الفقيه علي خامنئي في طهران والمنفذة لأوامره  وأوامر ممثله من الحرس الثوري قاسم سليماني. وكان تصريح وزير الدفاع العراقي أثار من جديد قضية وجوب الكشف عن الجهة أو الجهات " المجهولة" التي تقتل المتظاهرين وتخطفهم وتعذبهم وتستخدم ضدهم  "قنابل اخترقت جماجمهم ، يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تستخدم عادة لتفريق المتظاهرين والتي تزن ما بين 25 و50 غراماً حسب اعتراف ووصف وزير الدفاع ، وهو الأمر الذي أكدته في مطلع الشهر الحالي منظمة العفو الدولية في تقرير لها حول القنابل التي اخترقت أجساد المحتجين في العراق. كما أفادت المنظمة الدولية في تقريرها في حينه أن قوات الأمن العراقية استخدمت قنابل مسيلة للدموع "اخترقت جماجم” المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام في بغداد، مشيرة إلى أن هذه القنابل المصنوعة ببلغاريا وصربيا، يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تستخدم بالعادة والتي تزن ما بين 25 و50 غراما. و أشارت إلى أن تلك القنابل "نوع غير مسبوق” من الأسلحة التي تهدف إلى قتل وليس إلى تفريق المتظاهرين. ينبغي القول بأن تصريح وزير الدفاع ، نجاح الشمري من باريس حول السلاح الذي استخدم في قتل المتظاهرين، وإعلانه أن الدولة لم تستورد مثل تلك الأسلحة والقنابل، وأن طرفاً ثالثا هو الذي أجهز على المحتجين، أثار جدلاً واسعاً في الشارع العراقي خلال الساعات الماضية، ما أجبر وزارة الدفاع على تقديم توضيح قالت فيه إن ما قصده الوزير ممن وصفهم بالطرف الثالث الذي يقوم باستهداف المتظاهرين وقتلهم، هم عصابات تستخدم الأسلحة ضد القوات الأمنية والمتظاهرين معاً بيد أن توضيح الوزارة بدوره لم يوقف التساؤلات، حول الجهة التي استوردت أسلحة كهذه والجميع يعلم أن الطرف الثالث الغامض معروف وهو الميليشيات الشيعية التابعة للأحزاب الدينية الموالية لإيران .
    فهل يمكننا إطلاق صفة الدولة على نظام لا حول له ولا قوة ويعلم عن طريق الإعلام بحدوث اختطاف في وضح النهار على يد مسلحين تابعين  لإيران يكرسون حالة اللادولة في العراق، ويطلع رئيس الحكومة، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر وغيرها على اختفاء عشرات النشطاء والمتظاهرين في ظروف غامضة وسط بغداد في حين يكتفي رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبد المهدي بتحذير الخاطفين ، أي مهزلة أكبر من هذه في عراق اليوم؟ فهناك عجز واضح وانفلات أمني  وانتشار السلاح بيد عناصر مسلحة منفلتة خارج إطار الدولة لديها نفوذ حقيقي وفوق القانون والمساءلة ،  أي وجود وسلطة موازية لسلطة الدولة تمارسها ميليشيات الأحزاب الحاكمة ومن وراءها إيران في العراق ولا احد يجرؤ على التصريح بذلك بالاسم. فالميليشيات المسلحة تمتلك نفوذا يفوق نفوذ الدولة الغائب أصلاً ويمتثلون لإرادة طهران وتحكمها بالقرار السياسي والاقتصادي في العراق . ومن علامات ضعف وهشاشة الدولة  اختطاف ضابط كبير في وزارة الداخلية مع حمايته على يد مسلحين " مجهولين" وفي وضح النهار في أهم أحياء العاصمة العراقية بغداد وأكثر أمناً . فلقد ذكرت الأنباء القادمة من العاصمة العراقية أن مسلحين ملثمين ومسلحين بأسلحة متوسطة  يقودون سيارات رباعية الدفع  لا تحمل لوحات تسجيل مرورية أوقفت رتل  اللواء ياسر عبد الجبار  رئيس المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، في شارع الوزراء بمنطقة الجادرية في بغداد، وأنزلوه منها، ثم اقتادوه إلى مكان مجهول. والمعروف أن منطقة الجادرية هي محل سكن إقامة كبار المسؤولين العراقيين  وزعماء الكتل والأحزاب السياسية  الموالية لإيران كهادي العامري وعمار الحكيم . ويبدو أن هؤلاء الملثمين أنفسهم هم الذين يقومون  بترهيب وقتل واختطاف نشطاء وصحافيين ومتظاهرين، ، في محاولة لإرهاب المحتجين وللتأثير سلباً في الحراك الشعبي ، ولم يكن بوسع الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة  اللواء عبد الكريم خلف  ورئيس الوزراء سوى  الاعتراف أن عملية الخطف تمت على يد جهات مجهولة، وقد جاء  تعليق  رئيس الوزراء رسمياً وبالحرف عندما صرح :" "نشهد ازدياد حالات الخطف التي تقوم بها جهات توحي بأنها تنتمي إلى إحدى مؤسسات الدولة، سواء بعناوين حقيقية أو مزيفة"، مشيراً إلى أن كاميرات المراقبة سجلت "اختطاف اللواء الدكتور ياسر عبد الجبار محمد حسين عميد المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري في وضح النهار وفي منطقة الجادرية من بغداد واقتياده إلى جهة مجهولة". وأضاف القائد العام للقوات المسلحة  ورئيس الوزراء مستنكراً :" "إننا نرفض هذه الممارسات بشدة ونعد هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الجناة إطلاق سراحه فوراً ومن دون قيد أو شرط"، مشيراً إلى أن "الأمر يتناول أي شخصية أخرى مختطفة، فالقانون يعاقب على احتجاز أو اعتقال أي شخص من دون أوامر قضائية أصولية ومن غير الجهات المخولة بأوامر إلقاء القبض وتنفيذه".
    من الواضح تماماً أن حديث عبد المهدي ينم على اعتراف ضمني ولكن غير صريح وبالإسم  بوجود جماعات مسلحة تنفذ عمليات الخطف تابعة للدولة لكنها خارجة عن سيطرتها، أو أنها تستخدم عنوانها وأدواتها على الأقل، معترفاً بأن لدى هذه الجماعات نفوذاً وتأثيراً واسعين، لكن اللافت هو استخدامه لغة التحذير والنداءات والتوسل في الحديث عن ميليشيات خارجة عن القانون، تستخدم مقدرات الدولة لترويع السكان ومحاربة المتظاهرين وقتلهم بالرصاص الحي. والحال  فقد ذكرت مصادر مطلعة  أن المجموعة المسلحة التي قامت بجريمة الاختطاف ترتبط بكتلة نيابية كبيرة في البرلمان العراقي  وموالية لإيران هي كتلة الفتح أرادت معاقبة هذا المسؤول العسكري الكبير لأنه رفض قبول عناصر منتمية لهذه الكتلة البرلمانية وميليشياتها المسلحة  الانضمام للمعهد الذي يقوده لأنهم غير مؤهلين . إنها مقدمة  لضياع الدولة الرسمية وإنهاء دورها وتحطيم هيبتها فليس من المعقول أن يتوسل رئيس الدولة  الخاطفين لإطلاق سراح المختطفين بدل اعتقالهم ومحاكمتهم علنا أياً كانت الجهة التي تحميهم. وأخيراً تجدر الإشارة إلى إطلاق سراح اثنين من النشطاء البارزين في بغداد، وهما صبا المهداوي وعلي هاشم، اللذين اعتقلا لدى جهة مجهولة مع تصاعد الاحتجاجات أوائل الشهر الجاري. 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media