في نقد مالكو "الانتفاضة"!
    الأحد 17 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 11:05
    هاني الحطاب
    (١) أن وضع العراق الحالي يستدعي من مزيد من النظر والقرأة ، لكون وضع خطر ، طافح في الامال والمخاطر ، فهو يبدو في مفترق طرق ، أما تقود لوضع أفضل بكثر مما هو به الأن أو ترجع به القهقري ، لما كان عليه قبل التحرير من النظام الصدمي . ولكن الأشكال ، بدأ يظهر في الحال ، في معالجة الوضع ، وحال التظاهر بالعراق ، فيدو أن هناك زمر كثير تريد وضع يدها على التظاهر  ، وجعلها ملكية خاصة لهم ، وليس مسموح لك بالكلام عنها بدون أذن منها ،  ولا نقدها ، أو تفسيرها ، ومعرفة من يقف وراءها وإلا أنت في خانة الأعداء لها ، وتجاوز على ملكتهم وحقهم . فأي نقد يمكن أن يوجه لا يعد  مبرر ، فهي وضعت منذ يومها الأول في أعداد المقدس ، وبات لها الناطقين بأسمها ، والذين يطلقون عليها الألقاب والصفات حسب ما يشتهون ، تماماً ، وبات سلوك المتظاهرين فوق كل شبه ، وكل لوم أو عتب ، ونقد يعد مثل  توجيه نقد إلى مسؤول في وقت صدام ، يؤدي إلى ما لا تحمد  عقباه ، هذه السلوك الصدامي بارز ، لدى مدعي ملكية المظاهرات . وبما أننا لا نريد أن نسلم لهم بهذه الملكية ، وأنهم يحاولون سرقت حق عام لكل العراق والكتاب في النقد والتقويم . فما يحدث يخص العراقين كلهم  ، وذهب زمان أن يكون البلد من ملكية أقلية تفرض أملأتها على الآخرين . فهم ، أي أصاحب هذه النوع من التوجه ، يرفضون ، خضوع سلوك المتظاهرين إلى مبدأ أو قاعدة ، لا يتلائم مع رؤيتهم ، فيما تجدهم ، من ناحية آخرى ، يفرضون تابوات كثير على الطرف الآخر ، وهذا النمط من التصرف بحد ذاته ، يزيد من الشكوك ، ويحفز ، على كشف الجانب المستور من هذه الظاهرة . بالطبع ، في هذه الحالة ، سنواجه  بعدد من الأسئلة ، التي يصعب الأجابة عليها في الوقت الحالي ، لكونه هناك الكثير من الأشياء الغامضة والخفية ، لا تزال غير واضح ، وليس بارزة لعيان في الوقت الحاضر وتحتاج لفتر لكي تظهر على حقيقتها ، وتطفو على السطح ، برغم من أن هناك الكثير المظاهر التي تشيء ، بجوهرها ، وحقيتقتها ، ولكن القول والتصريح بماهية التظاهر  ، الآن لا يتعد نطاق الحدس والتخمين . ونحن لا نريد نبي رأي على مجرد الحدس والتخمين  ، بيد أن يبقى في طرح تلك الأسئلة شيء مفيد  ، في قرع جرس الأنذار . بدل أن يمحضها الواحد كل حماسه ويوقع لها على بياض ، كما يريد من يدعي ملكيتها وتأميمها  مسبقا له ً. وهذا الأسئلة  ، هي هل هذا التظاهرات  عفوية ورتجاليه ، حدثت ، كرد فعل ، كما يحدث عادة مع زيادة سعر الخبز أو البنزين في بعض الدول ، كم وقع ، في مصر أو فرنسا ، أو تونس  ؟  فظاهرة الفساد ، إذا لم نحسب ، الفترات السابقة ، قبل عملية التحرير العراق ، لها تاريخ طويل  في عمر الدولة العراقية . ونحن نتذكر التهمة التي قامة ضد الشعب العراقي وقت سقوط النظام  بأنهم مجرد للصوص ، حينما أخذ بعض  سقط المتاع من بيوت المسؤولين في الحكم ؟  فكيف تحول بين ليلة وعشائها إلى شعب ثائر  ضد الفساد بنظر من يدعون ملكية المظاهرات ،  وأين كان طيلة هذه الوقت منه ؟ والسؤال الآخر ، الذي يمكن أن يسأل ، من هم هؤلاء الشباب ، ولمن ينتمون ، وهل هم ثوريون ، ولديهم برنامج عمل ، وأي نوع من السلطة يريدو أن يقيموا ، بعد أن تعدت تظاهراتهم مطاليب الإصلاح ، هل هي سلطة الحزب الواحد ، ومن ثم  الرجل الواحد ، الأدب المقدس الذي يفدي بالروح والدم ، أما سلطة تعدية ، عن طريق الأنتخاب ، وهل الحرية والديمقراطية ركن أساسي من دولدتهم المنشودة  ، أم أن ربيع الحرية والديمقراطية، الذي جاء به التحرير ،  قد أنتهى بلا رجعة ؟ ولماذا التظاهر ضد الفساد يخص الشيعة ذاتهم ، أفليس هناك سنه فاسدون أيضا ولماذا لا تشارك  جماهير السنة في التظاهر ضده ؟ بالطبع ، هذه الأسلة وغيرها  يجب أن يُجاب عليها ، قبل أن يمحض الواحد التظاهر  ولاءه ، لكي يكون على بينة من أمره ، لأنها تخلف جذرياً ،  أعني  حقيقة المتظاهرين ، عن تلك التي قدمت دعمه إلى عملية التحرير ، لكون المرء خبر النظام وعرفه ، وكان  التحرير يعد  بالحرية والديمقراطية ، والتي تحققت فعلاً ، فيما بعد ، رغم أستغلالها ، وتشوبها ، من قبل أزلام النظام . وهذين الممارستين ، أعني ، حرية التعبر ، والنظام الانتخابي  ، يعدان  أثمن ما حققه التحرير ، وللذان يجب الدفاع عنهم ، لأن ، لا يمكن أن توجد   دكتاتوري في ظلهما ، وللذان يستمتعان بهما المتظاهرين بسعة كبيرة الآن  . ولهذا ، فأن المدعين في تملك الانتفاضة ، يخافون هذه الأسئلة ، ويتهمون أصحابها بالوقف ضدها . وعلينا الجذر والخوف مما يخبئه المتظاهرون . 
    فهم يريدون أن تسير ورأهم وأنت مسرنم sleeper walker . فنحن نعرف ، كل الثورات والحركات الإصلاحية ، يقف خلفها قادة ومعارضة وأحزاب معروفة ، يطمئن المرء لها بدرجة كافية   ، بمحضه ولاءه . ولكن ، مالكي التظاهر ، يريدوكً  أن تسير خلف المجهول  ، ولا معروف ، والغير مرئي إلى حيث لا تعلم أين يقودك  ! ولا أحد يعرف  عن ماذا سوف يتمخض هذا ، عن  غول أو ملاك ! فهل سفه العقل العراقي لهذه الدرجة ، ليأخذ بملاءات  ، ولينتظر ، أن  يخرج له المارد العملاق من القنية  ليقول لهم شبيك لبيك عبدك بين أديك! 

    هذه هي بتمامهما ما  يأمر به المدعين إلى  ملكية ما يسمونه "الانتفاضة " العراقية . 

    وبما أننا لا نحب  ، أن نسير ، خلف كهان هذه الانتفاضة ، الذين يدعون ملكيتها ، ويفرضون قسراً ، أدعاءاتهم  وتخيلاتهم المريضة ، نحب أن نجد تفسير أكثر معقولية ، لتفسير ظاهرة التظاهر في العراق ، التي ، صاحبة عملية التحرير ، منذ اليوم الأول ، وأستغلت في أبشع الطرق . وسيطول بأن المقام ، إذا ذكرنا كل تفاصيل وما يخطر ببالنا في تفسير سلوك العراقين وردود فعلهم على الأشياء والاحداث بتاريخهم  المعاصر ، فهو حقاً حافل بالغرائب ولا معقول  . لذلك سنحاول قدر الإمكان أن نقتصر على عينات موحية . فمنذ سقوط النظم البائد والعراقين يخوض نقاش الطرشان ، ولم يتعلم أحد من أحد ، فكل عراقي من عالمهم إلى أجهلهم يقفون على قناعات رأسخة يصعب أن تزحزح  أحداهم  قيد أنملة عن موقفه ، فهناك دأئما موقفن من كل قضية ، ولا يقبل أي طرف أن يصحح ويعدل موقف على ضوء ما يقول  أحداهما بحج عقلانية ومعقولة  ، ويظل كل واحد  يعيد ما قوله بأشكال مختلفة ، حتى الملل والغثيان ، والطرف الآخر ، من ناحية آخرى ، يبذل جهده  في تصحيح رأي ما تقول به المجموعة الأول دون جدوى . أنها ،  رقصة فالس يتكرر  أيقاعها ، مع كل مناقشة بين عراقين ، إلى أن يبلغ التنويم والتخدير ذروة ، فقد تم تنويم المواطن العراقي ، على الحجة والحجة المضادة . على أن هناك فساد ، الذي يقول به الطرف الأول ، ويغض النظر عن كل ما عداه ، هو سبب كل المشاكل ، وليس الارهاب  ، فما يحدث يرجع جذره ، في رأي هؤلاء النقاد للفساد لا غيره ، وعلى وجه الحصر في السياسين الشيعة ، والأحزاب الاسلامية  ، وهكذا بات الفساد هو الاول والأخير  ، وكان لا أحد يخلق مشاكل لعراق سوى الفساد وأيران ، وتم تنويم المواطن ، على هذا الإيقاد الفارغ . وغدا قسم كبير منهم  مستعد أن يقوم بكل ما يطلبه من كتاب نقاد الفساد المزعومين . فقد تبين لنا أنهم جوقة نشاد  ، همها تخدير حواس العراقين ، لدفعهم لهاوية . فنقاد  الفساد كتاب مأجورين ، يزاد حماسهم مع كل وجبة دفع ، فتتصاعد شتائهمم  ونواحهم ، ويطالبون في الويل والثبور ، فهم  أحفاد كتاب قادسية صدام جدد .  فقد أوهمنا ، في فترة ، ظهور عبد المهدي ، بأن هؤلاء الكتاب ، حقاً يبحثون عن رجل حيادي ونزهيه حسب توصيفهم إياه في وقت ، وأنه سيكون الحل لكل المشاكل  ، ولكن تبين بعد حين ، ما أن زاحوا العبادي ، الذي صوره بمثل ما ،  صور عادل عبد المهدي في بداية توليه السلطة   ، وقالوافي حينها ، أن العبادي هو رجل الساعة  والوقت المناسب ، بعد أن صور المالكي ، الذي كان قبله ، على أنه الشيطان الأزرق . ومن كل هذا ، وغيره ، تبين لنا أن القوم  ، نقاد الفساد المستميتين يعملون حسب برنامج تسقيط كل واحد يظهر ، بعد أن يطبلو له ، ويجملوه  ، ويصوره،  في البداية ، على أنه الأمل المنشود ،  وأخر ما يطالبو به ، ثم ، ينقلبو عليه ، كما نقلبوا على سلفه ، حتى يصلو من كل هذه العملية لبغيتهم ، والرجل ألذي يريدوه . وبعد هذه الممارسة الطويلة من التسقيط ، أحسوا  بأن حملتهم التشهرية قد أتت على أكلها ، وأن آوان الفعل قد جاء ، وحان وقت نزع الاقنعة  ، لذا ، بادروا  إلى الهجوم ، على كل العملية  السياسية . لأن ليس الفساد بحد ذاته هو الذي يؤذيهم وأنما مجمل العميلة السياسية ، والفساد كان الذريعة وكلمة  السر لدخول لقب المواطن وقلب الأشياء رأساً على عقب .  

    (٢)  ولنكرر ، أن  ما يحدث  في العراق ، يستدعي ، أن نعاود التفكير في الموضوع ، أن نبحدث عن السببب  أو الأسباب لهذه الحوادث ، لأن كما يقال بأن لكل حادث سبب ، وما نريد أن بحث هنا ، هو كيف ، أن العراقين يمكن أن يكون ثورين في لحظة  ، ويبقون لقرون خانعين . فنبحث عن الأسباب لثورتهم ، فهل تتم عن وعي وادراك ، وحاجة ماسة تفرضها الظروف والاوضاع ، أما أنها تنشئ عن عامل خارجي ، وعن تحريض ، قد لا يكون له أي صلة في أوضاعهم الداخلية ، مجرد كما يقال شيم المعدي وأخذ عباته .  ولنقل منذ البداية ، بأن العراقين غريبي الأطوار   ، ويعجز الكثير من المنظور العادي ، فهمهم ، ولا يمكن أبداً فهمهم بظروفهم الإجتماعية ولا الاقتصادية ، التي درج على تفسير سلوك الناس وثورتهم بها . فمزاجهم ، وسيكولوجيته ، أبعد من هذين العاملين ، ويتقاطعا معه بشكل حاد ، فهم يبدو لهم جينات غريبة ، ربما تعود للحيوانات نقرضة ولا يعرف العلماء شيء عنها ، شاء ت الصدف أن يجتمعوا في العراق . فالجماع الوحيد هي ماسوشية رهيبة ، كراهية  لأنفسهم ولموطنهم ، حد الدمار الكامل والزحف على البطون ، فأي تصرف وسلوك منهم  يجب أن لا يفسر في أسبابه المباشر ، بل عليك تبعث عن علة خفية له ، عن صدمة تاريخية ، ولذلك ، تجد النظرة العابرة والغافلة ، تفسر تلك الثورة  بتردي الأوضاع الأقتصادية والفساد ولكنك تجدهم كان يأكلون علف الحيوانات ويحمدون الله على تلك النعمة،  ومن كان يتأفف منهمهً يرمى بشتى التهم ويحسب على أعداء البلد . ولهذا فأن من يفسر التظاهر  بالجوع والفساد هو من أشد المنافقين والكذابين  ، فالعراقيون قد بشموا من العناقيد  ، وفِي بيت كل واحد بات يراكم أنواع الأسلحة والعتاد الحربي . وكل واحد لديه ثلاثة رواتب تقاعدية ، وما من مأدبة طعم تقام  إلا وانوع الأطعم التي لم يذقها هارون قد فرشت . لوفرة المواد الغذئية ، وحتى الدولار الواحد  بات لا يلتقط من على الأرض وكأنه فلس  .  بعد ما كان  صعب المنال ، فالعراقيون لم يعيشوا في عصر وفرة وبحبوبه أقتصادية كالتي يعيشونها الآن حتى أن من يسرق الملاين كأنه  يسرق مجرد فلسان  . فهؤلاء ، الذين ، يصرخون بأن تظاهرات العراق هي ثورة الجياع هي مجرد حسد نعمة ، من قبل أولئك العائشين على الصدقات الأجنبية ، ودول الجوار التي يغيضهم أن يرو العراقين غير متسولين، ويقفون في باب سفاراتهم لطلب الصدقة  ، فهم يريد أن يرجعوا بالعراق والعراقين إلى أكل العلف الحيواني الذي كان يؤكلهم ياه صدام في عهد الحصار ، لكي يشعر بالتفوق ، والفخر بأنهم يرسلون الأهلهم في الداخل ، كما في عهد المقبور صدام . وهذه من عجائب السيكولوجيا العراقية . لذا نحن لا نصدق أبداً بأن هذه التظاهرة هي ضد الفساد والسرقات التي بات هي الخبز اليومي إلى العراقين . فهذه تستخدم من قبل هؤلاء الذين لا تربطهم رابطة في محاربة الفساد سوى أنهم لا يجدون ما يسرقوه  ، أو في أحسن الأحوال تغيضهم حال العراق والرفاهية التي يعيشها البلاد(مقارنة في عهد صدام)  ، التي هي أحسن في كل الأحوال مليون مرة ، مما كانوا عليه ، وما يريد لهم نقاد الفساد . فهذه الكائنات المريضة   ، شخصيات مزدوجة ومرائية ، تحب التمثيل وتظاهر بما لا وليس من سجاياها . ونحن نجد تفسير هذا ، الذي يقول أن تظاهرات في العراق هي نتيجة الجوع والحرمان ، تفسير متهافة ، ومغرض ، بل هي في رأينا ، عاقبة الشبع والبحبوحة الاقتصادية التي يمر بها العراق . فمعروف عن العراقي ، إذا أصبح لديه فائض من المال ، فأن أول شيء يفعله به هو شراء مسدس أو سلاح ليقتل به ، من له خلاف معه ، لكي يتظاهر برجولة والشبع والثراء ، لأن ، القتل في نظره هي ، أمتياز السادة والرجال . وكذلك ،  تجده  يهرع إلى أي تظاهرة وهوسه  ،  لكي يكون وسط الجمهور ومرئي ، حتى أن شاعر شعبي وصف هذه الحالة ، " عركة زعاطيط لمة زلم "  . وهناك شواهد كثيرة  ، على  أن المواطن العراقي يتحرك ، بنزعته الاستعراضية ، وبالشيمة ، عن حق وباطل (فكم من الناس من يذهب في زيارة الأربعين لحسين ، بدافع حب الحسين ، أكثر من بتظاهر ، وأن يكون مثل الأخرين)  ، أكثر من معرفة الصواب والحق والعدل . وبعد ، هذا  ، تجدهم ، يصفون ، هذه التظاهرات بحركة الشبيبة والشباب ، حتى ، يكون معذورين من كل اعمال تخريبة وأعمال طأشة ولتنفذ من خلالهم أعمال محسوبة لبعض . وكذلك ، يصاب المرء بالدهشة ، من تلك النشوة الباخوسية ، التي تعتري العراقين هذا الأيام ، التي لم يعرفوها من قبل ، فجموع غفير ، مسرنمةً ، مسلوبة الأرادة ، تسير حيث لا تدري إلى أين ، وهناك من يصرخ أنهم يقتلون الشباب ! فهذه الحشود المنومة ، تهتف ، بما لا تعرف ، لأنها ، تعيش في جو أعد لها ، في حفل باخوسي  ، القصد منه إنجاز عمل ما ، وتحيط بهم جواق من الطبالين والمزمرين ، ليتم كل شيء وسط ذهول جماعي ، حتى بعد الصحو ، يجد كل واحد نفسه وكأنه أخذ على حين غره . لكي يرجعوا ، مره آخرى إلى أكل العلف ، بعد أن بشموا من الشبع . فالعراقيون لا يثور إلا في حالة رخاء وشبع ، لأنه يبدو لهم  وكأنه لعن حلت بهم ، ويجب العوته للحالة  الطبيعية ، الجوع والفقر . ليشكروا الله على ما هم فيه ، ولكي ينتظرون صدقة أهل الغنى . ويصاب المرء بالذهول ، حينما يهني العراقين بعض البعض ،  ويحض بعضهم البعض بحماس ، على مزيد من التظاهر العنيف ، وحرق بعضهم البعض ، لأن كل واحد ، في لا وعيه ، يدرك  ، بذلك  سيرجع  العراق القهقري لما كان عليه من قبل ، فالكل يصرخ بأن عهد صدام هو الأفضل ، بفعل عادة جلد الذات ، اللذة الماسوشية  ، فتفسير هذا التظاهرات ، بأنها ثورة  على الفساد والفقر ، بعيدة كل البعد عن الواقع  ، لأن الفساد في العراق أصبح حالة طبيعية ، لا يشعر به أحد في الداخل ، لكون الكل يمارسه عن طيبت خاطر ، ولا يثير أستهجان لديه ، بل أنه يتفقد حين يغيب ، فالكل يتنشق هواءه حتى الأطفال  ولا يثير أستنكار لدى أياً كان ، وسوف يصاب الناس بالخلل لو رفع عنهم . ولكن الناس وقعوا تحت تأثير السرنمة التي تعيشها المنطقة منذ الربيع الأسود السيئ الصيت ، والصراخ الببغائي ضد الفساد  . وعسى أن لا يفهم ، مما تقدم ، أننا ضد الإصلاح ومحارب الفساد والتغير، ولكن نعرف تماماً ، أن ما يحدث ليس المراد منه التغير والفساد ، وإنما العود للوراء ومحاربة  الديمقراطية والحرية . فكل الشواهد تدل ، على أن هناك قيادة خفية هي التي توجه التظاهر ، وأن الناس البسطاء هم وقود هذه العملية ، فالشباب  ، تستخدم بساطتهم ، وسذاجتهم ، لخدمة تلك المنظمات الخفية . التي هي ، في الحقيقة المحرك لكل ما حدث  وما يحدث ، رغم اختلاف الأسماء والمسميات التي يطلقونها عليها . فما يسمى ثورة الشباب ، القصد منه خداع الشباب معتمدين على عدم خبرتهم ومحاولة تظليلهم . فليس هناك لثورة لشباب وأخرى لشيوخ . فالثورة ، هي مساهمة كل فئات المجتمع وليس على منهم أقل خبرة ، فحركة الشباب في العراق ، لا يمكن مقارنتها بثورة الشباب في فرنسا ها ١٩٦٧  التي ، قادة سارتر وميشيل وكل النخب المفكرة بفرنسا ، فيما تجد حركة الشباب يقودها ، رئيس جريدة المدى  . فثورة الشباب ، بحد ذاته ، بدون قادة مفكر وطنية نزيهة ، تثير  الالتباس ، وتدعو لقلق ، والحذر . فالثورة والشباب ، شئين مختلفين  ، فإحداها ، يدل على النضوج والخبرة  ،  فيما الآخر ، يدل على الطيش والغفلة  . وبما أن من يريد أن يخلط الأوراق  ، لا يتهيب من ركوب مركب التناقضات ، وخلط الأشياء ، لكي يتسنى من بعد جني ثمار تلك المعمعة . ولذلك ، لم  يلو كتاب نقاد الفساد جهد ، في  تبيض صفحة الشبات واظهارهم على أنهم الغد الباسم، والحكمة الألهية ،  وعلى تسيود كل شيء ، يخص ما أنجزته الحكومة ، والعويل بأن  لم يتحقق طيلة هذه الفترة منجز واحد ، ولم يتغير شيء لا على الصعيد الاقتصادي والسياسي ، ولا على صعيد الحرية الفردية ولا حرية التعبير ، ولا على تحسين المستوى المعيشي ، لفئات كبيرة من المجتمع العراقي . فقد خصوص وقتهم وطاقتهم ، كلها لنقد الفساد ، وتضخيمه ، وبدوافع وطنية خالصة ولحب  الله  ! كما يقولون  ، بدون أي غراء خارجي . وهم في الحقيقة  ،  لنقر لهم بذلك ، تمكنو من أقناع أناس العالم ، وكثير من المواطنين العراقين البسطاء ، بهذه الثيمة . لأن هناك دعم وماؤازة من العالم الخارجي ، لهذه النوع من الدعاية ، وتشويه الحقائق ، فثلاثة أرباع ، من مثل هذا الكلام كان مجرد دعاية رخيصة ، من كتاب مرضى روحاً وبدناً . وإذن !  ، الهدف من هذا التظاهر ، لم يكن في الواقع ، كما تشهد على ذلك وقائع كثيرة ، من أجل تفشي الفساد ، لكون لا يضرر الشباب وحدهم ، وأنما كل المجتمع . فلماذا ، كان الشباب وحدهم ، وثورتهم هذه التي تعد بالقضاء على الفساد أو الحد منه ، ثورة مضادة   على الديمقراطية  وكل ما تحقق ، والمطالبة ، بعود النظام القديم ! فهذه الثورة المضادة لنظام الديمقراطي لا تشبه لا بشكل ولا بالمضمون روح أي ثورة حقيقة ، وأنما حنين وعودة للأيام الذل والهون .  

                      هاني الحطاب 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media