أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٣)
    السبت 18 مايو / أيار 2019 - 06:00
    نزار حيدر
       {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
       هي معادلةٌ دقيقةٌ وخطيرةٌ في نفسِ الوقتِ؛
       فبينَ أَن يعدِل الأَبوَان مَعَ أَبنائِهم، ويُساووا في التَّعامل معهم، ويُظهِرُوا إِهتماماً زائداً بأَحدهِم، فيميِّزونهُ عن إِخوتهِ في التَّعاملِ، إِذا لمسُوا عندهُ من الصِّفات الإِيجابيَّة والإِستعداداتِ الخارِقة ما يميِّزهُ عن إِخوتهِ، وبينَ أَن يُشعرَ الأَبوان أَبناءهم بأَنَّهم عندهُم في الحقِّ سواءٌ لا يميِّز بينهُم شيءٌ من إِهتمامٍ أَو إِنفاقٍ أَو تعليمٍ أَو صحَّةٍ أَو ما أَشبه، وبينَ أَن يحذرَ الأَبوان من أَن يشعُر الأَبناء أَنَّ هناك تمييزٌ يمارسهُ الأَبوان بحقِّهِم.
       بين هذا كلِّهِ يلزم الأَبوان الحذر جدّاً حتَّى لا يكونُوا بمعاملتهِم الخاصَّة لبعضِ أَبنائهِم على حساب المُساواة معهُم جميعاً سبباً في إِثارةِ الضَّغائن والحسد بين الإِخوة، كما حصلَ بين يوسُف (ع) وإِخوتهِ.
       فنبيَّ الله يعقوب (ع) لم يفعل شيئاً سوى أَنَّهُ ميَّز بشَكلٍ طبيعيٍّ بين إِبنهِ يوسف (ع) وبقيَّة إِخوتهِ لعدَّةِ أَسبابٍ منها أَنَّهُ أَصغرهُم سنّاً وهذا شيءٌ طبيعيٌّ يفعلهُ كلَّ الآباء مع الأَبناء فعادةً ما يهتمَّ الأَبوان بأَصغرِ الأَبناء حتَّى يكبُر أَكثر مِن إِعتنائهِم بالأَبناء الكبار.
       فلم يكُن تمييز الأَب أَصغر أَبنائِهِ عن بقيَّة إِخوتهِ مشكلتهُ وإِنَّما المُشكلة كانت في أَبنائهِ الكِبار الذين لم يكونُوا، رُبما، يفهمُون ذَلِكَ، أَو لم يريدوا إِستيعابَ الأَمرِ! أَو رُبما أَنَّهم ورِثُوا الحسد من طرفِ أُمِّهم أَو قد يكونُوا قد تعلَّموا ذَلِكَ من الشَّارع، أَو لأَيٍّ سببٍ آخر! ولذلكَ حرصَ الأَبُ على أَن لا يُثيرَ في نفوسهِم عُقدةَ الحسدِ هَذِهِ قدرَ الإِمكانِ فأَوصى أَخوهم يوسُف (ع) بقولهِ {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
       وعلى الرَّغمِ من أَنَّ التَّمييز هُنا بين يوسُف وإِخوتهِ من قِبَلِ أَبوهم كانَ منطقيّاً وطبيعيّاً إِلَّا أَنَّ الحسدَ فعلَ فعلتهُ في الأُسرةِ وحدثَ الذي حدثَ عندما تآمر أُخوة يوسُف (ع) عليهِ وكادُوا أَن يقتلونهُ لولا أَنَّ أَحدهُم أَقنعهم بالعدُولِ عن إِرتكابِ الجريمةِ والإِكتفاءِ بإِلقائِهِ في {غَيَابَتِ الْجُبِّ} كما تقولُ القصَّة القرآنيَّة {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}.
       والآن؛ كيفَ يمكنُ أَن تتجنَّبَ الأُسر مِثْلَ هَذِهِ المشاكل بين الأَبناء؟! مشاكل الغيرةِ والحَسد؟!.
       قَبْلَ كلِّ شَيْءٍ يلزم أَن ننتبهَ إِلى أَنَّ الحسدَ هو أَحد أَخطر الأَمراض النفسيَّة المُستعصية في مجتمعاتِنا، والسَّببُ رُبما لأَنَّنا لم نحاول أَن ندرسهُ بشَكلٍ عميقٍ من أَجل أَن نبحثَ عن الحُلولِ اللَّازمة والمُمكنة كذلكَ بشَكلٍ عميقٍ!.
       يتصوَّر كثيرونَ أَنَّهُ مرضٌ عرضيٌّ جانبيٌّ لا ينبغي أَن يأخذَ من تفكيرِنا الكثير! ومن هُنا تبدأُ المُشكلة أَو قل تتعقَّد أَكثر فأَكثر.
       هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر فإِنَّ الحسد والغيرة عندَ الأَبناء لا تولد كبيرةً أَو واسعةً بطبيعتِها وإِنَّما هي تبدأ كالبذرةِ تسقيها سلوكيَّاتنا غَير السَّليمة مع الأَبناء فتبدأ بالنُّمو وتظلُّ تكبر وتكبر حتَّى تتحوَّل إِلى مُعظلةٍ مُعقَّدةٍ.
       وإِنَّ أَخطر السلوكيَّات التي تُساهم في تضخيمِ هذا المرض عِنْدَ الأَبناء هو عندما نُقارن بصوتٍ مُرتفع بين الأَبناء، فإِذا أَخطأَ أَحدهم قارنَّا سلوكيَّاتهِ بأَخيهِ الآخر وإِذا فشل أَحدهم قارنَّا ذلك بنجاحِ أَخيهِ الآخر وهكذا! فدائماً هُناك مقارنةً بصوتٍ عالٍ بينَ الأَبناء.
       يضافُ إِلى ذَلِكَ هناكَ دائماً تمييزٌ بين الأَبناء حتى في المُصطلحات والكلمات التي نستخدمَها للحديثِ معهُم، فواحدٌ لا يسمعُ من الأَب إِلَّا كلمات المديح والثَّناء والتَّعظيم حتى إِذا كان ما أَنجزهُ سهلاً بسيطاً تافها! وفِي المُقابل فإِنَّ الآخر لا يسمعُ من الأَب إِلَّا كلمات التَّجريح والتَّسقيط والتَّقليل من الشَّأن حتَّى إِذا كانَ ما أَنجزهُ مُهمٌّ وعظيمٌ.
       إِنَّ التَّفاضل والتَّفضيل شيءٌ طبيعيٌّ ومنطقيٌّ وعقليٌّ وعلى كلِّ المُستويات {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ} و {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} و {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ} شريطةَ أَن يكونَ التَّفضيلُ بأَشياءَ حقيقيَّة أَمَّا إِذا كانَ لأَسبابٍ تافهةٍ أَو لا معنى لها فسيكونُ التَّفضيلُ في هَذِهِ الحالة تمييزٌ مذمومٌ وهو الذي يُخشى مِنْهُ في تنميةِ الغيرة والحَسد بَين الإِخوة!.
       ١٧ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩ 
                                لِلتَّواصُل؛
    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Twitter: @NazarHaidar2
    ‏Skype: nazarhaidar1 
    ‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media