أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٨)
    الخميس 23 مايو / أيار 2019 - 06:06
    نزار حيدر
       {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
       وهل يحتاجُ العلمُ إِلى الصَّبرِ؟!.
       أَكيد، فإِذا لم نصبِر على طلبِ العلمِ فسوفَ نستعجل، وإِذا استعجلنا فسنفشلُ في اكتسابهِ ونظلُّ نتخبَّط في الجهلِ!.
       إِنَّ الكثيرَ من النَّاسِ لا يصبرُونَ على العلمِ ولذلك ضيَّعوا الفُرص عندما اكتفُوا الْيَوْم بمتابعةِ وسائل التَّواصل الإِجتماعي التي تحوَّلت بالنِّسبةِ لهم إِلى مصدرٍ مفضَّلٍ ووحيدٍ للعلمِ والمعرِفة! ولأَنَّها لا تحمل العِلم الحقيقي ولا تنقُل المعرِفة الحقيقيَّة إِذ أَنَّها محشوَّةٌ بالكثيرِ جدّاً من الأَكاذيب والخُزعبلات والفَبركات والمصادرَ المشبوهة ولذلكَ ساهمت بشَكلٍ كبيرٍ في تسطيحِ الوعي!.
       وكثيرٌ من النَّاس يبحثُون عن علمٍ [سندَويجي]! على عجلٍ! وهؤُلاء كذلكَ سيطر عليهمُ الجهلَ حتى باتت عقولهُم خفيفةٌ يستخفُّ بها القاصي والدَّاني! فالعلمُ الحقيقيُّ لا يُمكنُ حصرهُ بسندَويجةٍ صغيرةٍ!.
       إِذا رأيتَ أَحداً مستعجلٌ على العلمِ فتأَكَّد بأَنَّهُ جاهلٌ لا يفقهُ شيئاً، لأَنَّ طالب العلم الحقيقي همَّتهُ الرِّعاية وليسَ الرِّواية والعكسُ هو الصَّحيح بالنِّسبةِ إِلى طالبِ العلم المزيَّف فهمَّتهُ الرِّواية، يستعجل تعلُّم شيئٍ لنسخِهِ ولصقِهِ ونشرهِ بُسرعةٍ.
       يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَة لاَ عَقْلَ رِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ}.
       والخبرُ هنا إِشارةٌ إِلى العلمِ بالمُجمل، فكيفَ نعقِلُ الخبر عقلَ رِعايةٍ إِذا لم نطلُب العلم الحقيقي والذي لا يتحقَّق لنا إِلَّا بالصَّبر؟!.
       الرِّعايةُ بحاجةٍ إِلى صبرٍ.
       يَقُولُ تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وفِي أُخرى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} و {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
       إِنَّ الصَّبر على العِلم يثبِّتهُ في القلبِ والعقل، أَمَّا الإِستعجال فلا يساعدُ على إِستقرارهِ، وإِنَّما يبقى متردِّدٌ على اللِّسان من دونِ استيعابٍ وفَهم، قابلٌ للذِّهاب والنِّسيان في أَيَّةِ لحظةٍ.
       والصَّبرُ من أَدواتِ البحث العلمي والذي هو الطَّريق إِلى التقدُّم والتَّنمية.
       إِنَّ الإِستعجال في طلبِ العِلم ينتهي بصاحبهِ إِلى أَحدِ أَمرَين؛
       *فإِمَّا أَنَّهُ لا يستوعب العِلم الحقيقي عندما يكتفي بالقُصاصات الطَّائرة التي تصلهُ من هُنا وهُناك عِبر وسائل التَّواصل الإِجتماعي!.
       *وهو بالتَّالي يظلُّ بمستوىً واحدٍ من الثَّقافة والمِعرفة لا يتطوَّر أَبداً! ولذلكَ يستعدي العِلم الحقيقي عندما لا يستوعبهُ!.
       إِنَّ الثَّقافة الحقيقيَّة لا يجدها الإِنسان في وسائل التَّواصل الإِجتماعي بل في بطونِ الكُتب والمجلَّدات والدوريَّات العلميَّة الحقيقيَّة والبحُوث المُعتبرة وكلُّ هَذِهِ تحتاجُ إِلى الصَّبر لقراءتِها والإِطلاع عليها ومعرفتها وهضمها! ولذلك لا يلجأ إِليها النشء الجديد على وجهِ الخُصوص لأَنَّهُ مُستعجل! مستعجلٌ في كلِّ شَيْءٍ ومن ذلك في طلبِ العِلم!.
       تابعتُ الْيَوْم تحقيقاً مصوَّراً عن الشَّيخ عُثمان طه الخطَّاط القدير الذي كتبَ نُسخة القرآن الكريم المعروفة بمُصحف [المدينة النبويَّة] وهي الأَكثرُ انتشاراً وتداوُلاً بين المسلمين في العالَم! ومن خلال حديثهِ تبيَّن لي كم هوَ صبورٌ يتحلَّى بالصَّبر والتحمُّل الذي زرعَ عندهُ التأَنِّي والدقَّة فأَهَّلهُ ذلك لكتابةِ المُصحف الذي تستغرقُ النُّسخةَ مِنْهُ [٣] سنوات كامِلة!.
       وعندما تنتبهَ وتدقِّق جيِّداً بنُسخة المُصحف الشَّريف فستجد كم أَنَّ الشَّيخ الخطَّاط دقيقٌ في كلِّ شَيْءٍ! وذلكَ بفضلِ تحلِّيهِ بالصَّبر!.
       فإِذا كانت كتابة المُصحف الشَّريف بحاجةٍ إِلى كلِّ هذا الصَّبر! فكم نحتاجُ مِنْهُ لفهمهِ ووعيهِ واستيعابِ معانيهِ ودروسهِ وقَصصهِ وتشريعاتهِ وكلَّ ما يحتويهِ من علومٍ ومعارفَ وأَحكامٍ؟!.
       فهل نستغربَ قولهُ تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}؟!.
       ثم يأتي كلَّ مَن هبَّ ودبَّ مِن جماعة [الواتس آب] و [الفيس بوك] يُرِيدُ أَن يتفلسف بالقُرآن الكريم ويُبدي رأيهُ بآياتهِ ويستنبط منها أَحكامهُ وتشريعاتهُ ويميِّز بينَ المُحكمِ والمُتشابهِ في آياتهِ وهو الذي لم يصرف من وقتهِ شيئاً لوعيِ آيةٍ!.
       إِنَّ كلامَ الله تعالى والعلُوم والمعارِف بشَكلٍ عامٍّ لا يستوعبها جيلُ [الواتس آب] ولا يفهمها جيل [الفيس بوك]!.
       يلزم أَن ننتبهَ إِلى أَنفسِنا فلا نخدعها بالعلُوم الساندويجيَّة! فنصدِّق بأَنفسِنا إِذا مررنا بآيةٍ أَو روايةٍ! فنغترَّ لندَّعي أَنَّا قادرونَ على التَّفسيرِ والفَهمِ والإِستنباطِ! إِذ يلزمنا أَن نصبرَ على طلبِ العلمِ وإِلَّا فسوفَ لن نحصلَ على شَيْءٍ مِنْهُ أَبداً! ونظلُّ نخبُطُ خبطَ عشواءَ في ظُلماتِ الجهلِ!.
       أَرأَيتم الفرق الكبير والواسع بينَ من يجلس على مائدةِ الطَّعام وبينَ مَن يطلب ساندويجة؟! فذلك هو الفرقُ بين علُوم ومعارف [الفيس بوك] والكتاب!.
       ينبغي لنا أَن نتسلَّح بالصَّبر لطلبِ العلمِ والمعرِفة والتي يَقُولُ عنها رَسُولُ الله (ص) {مَن سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ عِلمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إِلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رِضاءً لطالبِ العلمِ وإنَّ العالِمَ ليَستغفرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا دِرْهمًا إِنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ).
       ٢٢ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
                                لِلتَّواصُل؛
    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Twitter: @NazarHaidar2
    ‏Skype: nazarhaidar1 
    ‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media