مارجريت.. ترحَّموا عليها
    الجمعة 14 يونيو / حزيران 2019 - 11:07
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    مارجريت نبيل حنا، دكتورة التخدير بمستشفى الساحل التعليمى، وافتها المنية وهى واقفة فى غرفة العمليات تؤدى واجبها الإنسانى فى صبر وجَلَد، ينهار الجسد المنهك المتعب فى لحظة، ويتهاوى ويسقط ويصمت إلى الأبد، فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها، تسكن روحها وتلحق بالسماء، وترتقى صعوداً إلى الله، لترتاح إلى جواره، جوار الراحة والهدوء والسكينة والاطمئنان، الجوار مع الله ليس له سوى العمل الصالح، والعمل الصالح يرفعه «جواز المرور» المضمون إلى الله، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويتقبله ربها بقبول حسن، ماتت «مارجريت» على أعتاب الله، تخفف ألم الموجوع، وترفع عنه عناء رحلة الألم، فربما تكون سبباً فى الشفاء، فيدعو لها ولمن علَّمها وربَّاها، صورة مارجريت وابتسامتها الملائكية تفيض حباً ورضا، هذا النوع من الناس عطاؤه متصل لا يتكاسل، ممتد بلا حدود حتى على حساب راحته أو صحته، هل عرفت هذا من ابتسامتها؟ نعم.. وباليقين.. ولا أحتاج للحكم عليها سوى بها. نترحم عليها؟ نعم ويجب على الجميع طلب الرحمة والمغفرة، اللهم ارحمها واعفُ عن سيئاتها، واقبلها يا رب عندك مع الشهداء والقديسين وحسُن أولئك رفيقاً، ويموت بغيظه كل سلفى لا يقبل هذا الدعاء وهذا الرجاء لرب العالمين والناس أجمعين، وكل من على الأرض من نبات وحيوان وجماد وبشر.

    الغريب أن يخرج علينا من يقول: يا جماعة، لا تجوز عليها الرحمة، واستشهد بالآية «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».

    وبداية أعلمك أننى استغفرت لها مائة مرة وليس سبعين، وقد كان هذا الرقم أكبر الأرقام المستخدمة فى أوانها، فماذا الآن عن الملايين والمليارات؟ ولست فى مجال الحديث عن سبب نزول هذه الآية، ويمكن الرجوع إليها فى سبب النزول، وهى خاصة بحادثة معينة بذاتها، قالوا نزلت فى عبدالله بن أُبَى بن سلول، حين قال: «لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ»، فلما حضرته الوفاة وطلب ابنه «عبدالله» من النبى الصلاةَ عليه والاستغفارَ له نزلت هذه الآية، والآية الأخرى «مَا كَانَ لِلنَّبىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»، ونزلت هذه الآية، كما قال المفسرون، حين حضرت الوفاة أبا طالب عم النبى، ودخل عليه النبى وعنده أبوجهل وعبدالله بن أبى أمية، ورفض الدخول فى دينه، فقال له الرسول: «لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك». ناهيك عن أن أهل العلم وحذاق الأئمة «كما يصفون أنفسهم» قد فرَّقوا بين «المشركين» من ناحية «وأهل الكتاب» من ناحية أخرى، والمشرك هو الوثنى فقط، ولا أدرى لماذا لخبطوا الاثنين معاً «أهل الكتاب والمشركين» ووضعوهما فى وعاء واحد، إلا إذا كان لغرض فى نفس يعقوب، وأهل الكتاب ليسوا بالمشركين، وبنص القرآن «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ»، والكفر هنا معناه الإنكار فقط ليس كفراً بالله، «والواو» الموضوعة بين المشركين وأهل الكتاب فى اللغة تعنى «واو المغايرة»، يعنى أهل الكتاب غير المشركين، ومع ذلك، مال مارجريت طبيبة التخدير ومال هؤلاء المنافقين من الأعراب الذين حاربوه فى بداية الدعوة أو المشركين الوثنيين؟! ثم ما هو حكم ونفوذ وسيطرة دين على دين، وقانون على قانون، «لكم دينكم ولى دين»؟ فلا تبتئسى يا مارجريت ولا تحزنى وابتغى إلى ربك سبيلاً، وسبيلك هو إخلاصك فى العمل، فإذا كانت أُم النبى آمنة بنت وهب وأبوه عبدالله، ماتا قبل ابتعاث النبى وقبل ولادته، لم يفلتا من عذاب النار عند هؤلاء، كما جاء فى «البخارى ومسلم» وصححه «الألبانى» عن رسول الله أنه قال: «استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى»، وهو حديث أيضاً فى «النسائى وأبوداود»، فهل نصدق هذا عن رسول الأمة الذى جاء رحمةً للعالمين؟! ونزيدكم من البيت شعراً: «فيما رواه أحمد وصححه الألبانى أيضاً عن ابن رزين، قال: يا رسول الله، أين أمى؟ قال له: أُمك فى النار، قلت يا رسول الله: فأين ما مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أُمك مع أمى فى النار»، ولما رأى المشايخ وبعض علماء المسلمين وقْع هذا الحديث على الناس ونفورهم منه وتكذيبه واستنكاره، فقد وجدوا حلاً لهذه المعضلة، فقالوا وصدقوا ما قالوه وصدقه الدراويش «إن الله تعالى قد أحيا أبوَى النبى وآمنا به»، فهل نصدق أن كل البشرية من أول الخلق حتى بداية الدعوة فى النار ولن يغفر الله لهم، فما هى جريمتهم؟ فإذا كان هذا مصير البشرية كلها، فنحمد الله على الصحبة الوفيرة.

    الإخوة السلفيون.. دعوا الخلق للخالق، واتركوا الناس لرب الناس، واستغفروا أو لا تستغفروا، فإن الله غفور رحيم، ورحمته وسعت كل شىء، وأنتِ يا مارجريت «سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» و«وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ» و«إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» لكِ الرحمة، ولأهلك الصبر والسلوان، ونعتذر عما فعله السفهاء منا.


    adelnoman52@yahoo.com

    "الوطن" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media