د. صادق السامرائي
في تسعينيات القرن العشرين كنت أواظب على حضور الحوارات الشعرية والأدبية في المكتبة العامة في المدينة التي كنت فيها , وكانت أسبوعية تتوجها شهريا جلسات لقراءات شعرية وأدبية متنوعة لكتاب وشعراء , يتم دعوتهم لهذه النشاطات المنتظمة والتي يحضرها الكثير من أبناء المدينة.
وكنت مولعا بما يدور ومشاركا في القراءات الأدبية بأنواعها وبلغةٍ غير العربية , وإكتشفت من هذه التفاعلات أن الموضوعات التي يتناولونها في إبداعاتهم ذات روح مستقبلية وقدرات إبحار في الآتي البعيد , فهي إستشرافية وإستحضارية لكينونات تواجدت في فضاءات الخيال ويمكنها أن تتحقق في الواقع الأرضي.
ورحت أتأمل فيما يكتبونه من الأدب بأنواعه , فأذهلتني تخصصاتهم , فلكل شاعر إهتمامه وتخصصه بموضوع أو بفكرة فيغرق فيها , ويطورها ويخوض عبابها ويستخلص منها ما يمكنها أن تمنحه وترتقي إليه.
وكان صديقي أندرو وهو مهندس بارع , شاعر ولديه دواوين مبحرة في الكون والأجرام السماوية , ويقرأ ما يتصل بذلك من موضوعات وإصدارات جديدة.
فعندما تقرأ ما يكتبه شعرا , تشعر أنه قد إطلع على العلوم وغاص فيها , وكثفها بعبارات ذات مدلولات إيقاظية تنويرية تحفيزية إلهامية , وذات رؤى إنسانية.
فوجدت أن المفهوم المعاصر لأي نشاط إبداعي (قصة , رواية , مقالة , قصيدة ) عبارة عن فكرة تتجسد بالشكل الذي يراها فيه كاتبها , فهم يبحثون ويبحثون , ويدرسون لكي يكتبون , فما عادت الكتابة الشعرية كما نسميها في مجتمعاتنا , وكأنها حالة إلهامية أو غير ذلك من التصورات.
فالقصة بحث , الرواية بحث , القصيدة بحث , المقالة بحث , وإن لم نصل إلى هذا المستوى من الوعي الإبداعي , فلا تقل لدينا إبداع , فالبحث أساس القوة والحضارة والتقدم والإبداع الأصيل.
فقبل أن نكتب لنتساءل كم قرأنا وبحثنا في الموضوع الذي نريد الكتابة فيه , فالكتابة موهبة لكنها مهذبة بالدراسة والبحث اليومي الدؤوب والمضني.
أما أن نكتب كما يحلو لنا فهذا هو العبث وليس الإبداع , وأن نرتكن إلى ذات التعريفات الميتة للأشكال الإبداعية , فأننا نكتب بأقلام الأموات وبرؤى الأجداث , وهذا ربما يفسر إقامتنا في مواطن الغابرات.
فأغراض شعرنا وكتاباتنا , تعد لا قيمة لها ولا معنى في عصر المعارف والعلوم والثورات التكنولوجية والإبتكارية.
فهل سنكتب بمداد الإنسانية وبأقلام ذات تطلعات كونية؟!!
د-صادق السامرائي