معاركنا الهمجية ؟!!
    الأربعاء 21 أغسطس / آب 2019 - 20:04
    د. صادق السامرائي
    معاركنا تبدو للآخرين همجية من الدرجة الأولى , في عالم تتعاظم فيه المعارك الفكرية والعلمية والإبتكارية والإستكشافية.

    عالم تتسابق فيه المجتمعات لإستثمار الفضاء وتعدين القمر وتحرير الطاقة من أوراق الشجر , ومن الماء والرياح والشمس والذرات والإليكترونات والنيوترونات.

    بل أنه عالم في أشد حالات النزال لإمتلاك العناصر النادرة في الجدول الدوري للعناصر , والتي أصبحت ذات إستخدامات علمية وإختراعية لا تخطر ببال.

    عالم يطمح إلى آفاق بلا حدود , وولوج أكوان من المعارف والعلوم والمخترعات التي أذهلت كل موجود.

    وفي هذا الخضم المحتدم لا تزال بعض المجتمعات تنقاد بهمجية عمياء , نحو سلوكيات مناهضة لوجودها وقدرات بقائها ومعاني تفاعلها في الحياة , ومنها مجتمعاتنا التي عبّرت عن أفظع درجات الهمجية  منذ بداية القرن الحادي والعشرين , ولا تزال في غاية الإمعان بسلوكها العدواني على ذاتها وموضوعها ومعتقدها وكل ما يمت بصلة لهويتها.

    وما تعلمت أبسط ضوابط ومرتكزات المعارك الفكرية والمعرفية , وإنما إستلطفت الإنطمار في تراب الأجداث والغوابر  والباليات , حتى إحترق الحاضر وغاب المستقبل , وتأسنت معالمها وإنقرضت طاقات أبنائها , وهُدرت في سوح التراهات.

    ولا يمكن لهذه المجتمعات أن تستعيد رشدها , وتعي دورها من غير معارك فكرية , تلهب الطاقات وتطلق الأفكار وتمنحها آليات التفاعل مع الحياة.

    فهذه المجتمعات لا تحتاج لتعزيز همجية السلوك بمعارك حزبية كرسوية فئوية طائفية , وإنما عليها أن تتخلص من القيود الإنقراضية , وتتعلم كيف تفكر وتحاجج وتبحث وتدرس وتقييم وتسعى نحو إدراك المستجدات , مثلما تفعل الشعوب الحية والمجتمعات المعاصرة القوية المتحضرة.

    فالمعارك الفكرية التي تحتاجها مجتمعاتنا لا تُسفك فيها دماء أو تطلق رصاصة واحدة , وإنما هي عبارة عن ميادين لمقارعة الحجة بالحجة والعقل بالعقل , والتفاعل الإنساني الخلاق اللازم لإستيلاد العقول قدرات العطاء الأصيل.

    وفي تأريخ مجتمعاتنا العديد من المعارك الفكرية التي خاضها أفذاذ أسهموا بتقدم الرؤى ونماء العقول وتهذيب السلوك , وفي مصر كان عباس محمود العقاد أحد قادة هذه المعارك والمقارع الصعب فيها , مما أسهم بإنجاب أعلام كبار في الثقافة المصرية.

    وفي مجتمعات أخرى تكاد تنعدم هذه المعارك الفكرية , مما تسبب في خمول العطاء وخمود الجد والإجتهاد.
    ولهذا فأن مجتمعاتنا مطالبة اليوم بالتوجه للمعارك الفكرية والعلمية والثقافية , بكل طاقاتها , لكي تتمكن من إنجاب ذاتها الحقيقية ورسم معالم دورها الأصيل.

    ولكي تبصر بعيون العقل المعاصرة!!


    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media