من الذي كتب العهد الجديد؟
    الجمعة 31 يناير / كانون الثاني 2020 - 02:20
    د. جعفر الحكيم
    العهد الجديد هو الكتاب المقدس لدى الاخوة المسيحيين ( فقط) والذي يعتبر لديهم الجزء الثاني من الكتاب المقدس , بالاضافة الى الجزء الاول ( التناخ اليهودي) , الذي يشترك المسيحيون مع اليهود بالاعتقاد بقدسيته , ويطلق عليه المسيحيون تسمية (العهد القديم)

    ويتكون العهد الجديد من 27 سفراً وهي :

     الأناجيل الأربعة:إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا وتسمى الأناجيل القانونية

     بالإضافة إلى أعمال الرسل  وسفر الرؤيا 

    وأربعة عشر رسالة لبولس وسبع رسائل لرسل وتلاميذ آخرين ( بطرس ويعقوب ويوحنا ويهوذا ) والرسالة الى العبرانيين.

    يتفق معظم العلماء والمتخصصين في مجال دراسات العهد الجديد على ان أجزاء هذا الكتاب , كتبت على فترات زمنية مختلفة ومن قبل أشخاص متعددين ,  ربما يصل عددهم الى حوالي اربعين شخصا.

    وقد شغل الجدل حول هوية الأشخاص الذين كتبوا العهد الجديد حيزا واسعا في فضاء الدراسات التاريخية لهذا الكتاب المهم جدا

    واستمر هذا الجدل لفترات زمنية طويلة, والى يومنا هذا , لازال الجدل قائما , في الأوساط العلمية والاكاديمية المتخصصة ,ولم يتم حسم النقاش حول الشخصيات الحقيقية التي كتبت كل جزء من أجزاء هذا الكتاب.

    ويبدو ان المسيحيين الأوائل قد تأخروا في جمع وحفظ النصوص التي يعتقدون بقدسيتها, ضمن كتاب واحد حتى منتصف القرن الميلادي الثاني, وربما يكون سبب ذلك ,هو اعتقاد المجاميع المسيحية المبكرة بقرب عودة المسيح ومجيئه الثاني لكي يدين خصومه ويقيم مملكة الرب , فلم يكن - والحال هذه- هناك دافع لديهم لجمع وتأليف كتاب مقدس!

    ومع طول الانتظار وتأخر العودة المرتقبة , وانقضاء الجيل الأول وربما الثاني من المسيحيين , أصبح حفظ النصوص وجمعها في كتاب واحد ضرورة ملحة. 

    لذلك شرع آباء الكنيسة بعد منتصف القرن الميلادي الثاني بهذه المهمة , وتم خلال فترات زمنية لاحقة انتخاب الأناجيل القانونية من بين اناجيل كثيرة تم اعتبارها منحولة وغير قانونية, وهذه الاناجيل القانونية الاربعة , ورغم القرار الكنسي بنسبتها الى الأشخاص الذين تم ( لاحقا) اضافة اسمائهم الى عناوين تلك الاناجيل , لكن تبقى هذه التسمية وهذه النسبة هي مجرد رأي او اعتقاد ديني , يفتقر الى الادلة التاريخية المعتبرة , وليس حقيقة تاريخية موثوقة.

    أما بالنسبة لبقية أجزاء العهد الجديد , فقد كان هناك أيضا جدلا داخل الكنيسة المسيحية حول قانونية الكثير منها ,مثل بعض الرسائل (  رسالة يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا ) وكذلك استمر الجدل حول قانونية أجزاء اخرى لوقت طويل قبل ان يتم حسمه لاحقا باضافة تلك الأجزاء لتكون نصوص مقدسة ذات أصل سماوي كما هو الحال مع الرسالة الى العبرانيين وسفر الرؤيا !

    ويجب الاعتراف بأن مهمة تحديد الأشخاص الذين كتبوا جميع نصوص العهد الجديد, هي مهمة عسيرة جدا , وتحتاج الى جهود جبارة, ومعرفة معمقة, وخبرات طويلة في مجالات عديدة لا تنحصر فقط بالمعلومات التاريخية , وانما تتسع لتشمل الاحاطة بعلوم المخطوطات وأساليب الكتابة اليونانية القديمة ,هذا بالإضافة الى الإلمام الشامل بتلك اللغة ومفرداتها.

    ونحن هنا ,عندما نتناول هكذا موضوع مهم, لابد لنا للرجوع الى آراء شخصيات علمية اكاديمية, لها باع طويل في هذا المجال , وتعتبر مرجعيات علمية مشهود لها في الاوساط الاكاديمية العالمية بشكل لا يقبل التشكيك او النقاش.

    ومن بين أهم هذه الشخصيات العلمية , تعتبر الأوساط الأكاديمية البروفيسور ( بارت ايرمان ) أحد اهم الأساتذة المتخصصين في دراسات العهد الجديد وتاريخ المسيحية المبكر , ومن أبرزهم وأكثرهم نشاطا وتأليفا , مع احرازه سمعة علمية راقية جدا لا يختلف حولها حتى أشد المخالفين له .

    والبروفيسور ( بارت ايرمان ) هو رئيس قسم الدراسات الدينية في جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل , وأستاذ دراسات العهد الجديد وتاريخ المسيحية المبكر, و يعتبر قامة علمية سامقة , له خبرة في مجال تخصصه الأكاديمي لمدة تزيد على الثلاثين عاما , وقد تخرج من تحت يديه عشرات الطلاب برسائل الدكتوراه.

    وهو أستاذ امريكي من عائلة مسيحية, كان ينتمي الى طائفة المسيحيين الإنجيليين الاصولية, وبعد تخصصه , قرر لقناعات شخصية, ترك الإيمان المسيحي , وأصبح لا ديني

    وقد قام بتأليف العديد من الكتب المهمة جدا والتي تعتبر مراجع علمية وتاريخية, وسوف اضع اسماء بعض الكتب مع ترجمة أوسع لهذا البروفيسور في خاتمة هذا المقال .

    لقد تناول البروفيسور ( ايرمان) موضوع تحديد هوية الأشخاص الذين كتبوا العهد الجديد ,في العديد من مؤلفاته المهمة

    ويستطيع ان يرجع لها الراغبون في التفصيل والبحث المعمق.

    لكنني سأضع في هذا المقال, خلاصة رأي هذا المرجع الأكاديمي البارز , حول الموضوع, بشكل مختصر , لكي اوفر للقارئ زبدة القول حول هذا الأمر الذي أثار الجدل والنقاشات الطويلة وتم تأليف عشرات الكتب حوله!

    وقبل ان اعرض رأي البروفيسور ( ايرمان) سوف اضع بعض التعريفات المختصرة لقسم من التوصيفات او العناوين التي يستخدمها المتخصصون في مجال تحديد درجة ونوع الموثوقية التاريخية للنصوص او الكتب, ومنها : 

    كتابات مجهولة ( انو نيمس) وهي النصوص التي لم يكشف لنا كاتبها  عن هويته , والتي لاتزال مجهولة لنا

    كتابات متشابهة(هومو نيمس)وهي نصوص مكتوبة من قبل أشخاص يحملون أسماء مشابهة لأسماء شخصيات شهيرة.

    كتابات مزورة ( فورجد) وهي نصوص تعمد كاتبها إخفاء هويته, ونسبة تلك النصوص الى شخصيات اخرى.

    كتابات معروفة المصدر: وهي نصوص نسبها كاتبها الى اسمه الصريح .

    بعد هذا التبيان المختصر للمصطلحات , نذهب لاستطلاع رأي البروفيسور (ايرمان) حول هوية كتبة العهد الجديد 

    وهي كالتالي :

    كتابات مجهولة: ويقع تحت هذا التصنيف الأناجيل القانونية الاربعة بالاضافة الى سفر اعمال الرسل والرسالة الى العبرانيين وكذلك رسائل يوحنا الأولى والثانية والثالثة.

    كتابات متجانسة (هومونيموس) : سفر الرؤيا , حيث يعتقد ان كاتب هذا السفر اسمه ( يوحنا) ولكن تم لاحقا نسبة هذا السفر الى ( يوحنا التلميذ) وهو شخص اخر , غير شخص الكاتب الحقيقي!

    كتابات مزورة : رسائل يعقوب وبطرس ويهوذا , وكذلك الرسالة الثانية الى تسالونيكي , الرسالة إلى أفسس, وتيموثاوس الأولى والثانية بالاضافة الى الرسالة الى تيطس 

    وهنا ايضا يضع البروفيسور ( ايرمان) سفر أعمال الرسل ضمن هذا التصنيف من باب الاحتمالية.

    رسائل معروفة المصدر : وهي رسائل بولس السبعة : الرسالة الى رومية, كورنثوس الاولى والثانية, فيلبي, الرسالة الى فيلمون , بالاضافة الى  تسالونيكي الاولى والرسالة الى أهل غلاطية.

    وخلاصة القول: فإن غالبية أجزاء العهد الجديد كتبها أشخاص مجهولون بالنسبة لنا - حسب رأي البروفيسور (ايرمان)  وتتوزع تصنيفات هوية مؤلفي غالبية أقسام العهد الجديد على الشكل التالي:

    نصوص مزورة : 10 -13 جزء

    نصوص متشابهة المصدر : 1

    نصوص معلومة المصدر : 7 أجزاء

    ترجمة البروفيسور بارت ايرمان : 

    هو أستاذ دراسات العهد الجديد وتطور المسيحية المبكرة في جامعة نورث كارولينا ويعتبر من أهم علماء دراسات العهد الجديد و الدراسات النقدية الكتابية وخبير في تاريخ بدايات المسيحية. 

    حصل على شهادة الدكتوراة والماجستير في اللاهوت من مدرسة برينستون اللاهوتية حيث درس تحت إشراف البروفيسور الشهير ( بروس متزجر).

     يعمل الآن رئيس قسم الدراسات الدينية في جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، وكان رئيس المنطقة الجنوبية الشرقية لجمعية الأدب الكتابي وعمل محررا لعدد من مطبوعات الجمعية

    قام بتأليف  30 كتابًا ، بما في ذلك ثلاثة كتب مدرسية. كما قام بتأليف ستة من أكثر الكتب مبيعًا لصحيفة نيويورك تايمز

    من أهم مؤلفاته 

    كيف أصبح يسوع إلها ؟

    إساءة اقتباس يسوع

    مقاطعة يسوع 

    مشكلة الرب 

    ازدهار المسيحية

    يسوع قبل الأناجيل 

    وغيرها من الكتب العديدة المهمة, بالاضافة الى المئات من البحوث المنشورة , والمحاضرات على اليوتيوب وكذلك العشرات من المناظرات الرائعة والماتعة مع أساتذة متخصصين ورجال دين مسيحيين .


    د. جعفر الحكيم 


    المصدر

    https://ehrmanblog.org/how-many-books-in-the-new-testament-were-forged/


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media