هل تنبهوا إلى الكوارث المحيقة بهم؟
    الأثنين 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 - 11:06
    ماجد علاوي
    يجري الحديث عن مطالبة برلمان الإقليم مساءلة حكومته عن الاتفاقية النفطية التي عقدتها مع تركيا والسارية لمدة 50 سنة وبقيت سرية إلى الآن. إنْ كانت هذه "صحوة" وليست مزايدات نيابية، فسيليها صحوة أخرى لمعرفة مصير عشرات المليارات من الدولارات التي قبضت عن مبيعات النفط ولا يعلم بها سوى الأسرة وآشتي هورامي وزير البترول والموارد الطبيعية في حينه.  وستتبعها كارثة الديون المليارية التي حملتها حكومة الإقليم للأجيال القادمة بالبيع إلى مشترين يضمنون (850) مليون دولاراً عوائد شهرية للإقليم. هذه الكوارث ولدتها عقود المشاركة اللصوصية التي عقدتها حكومة اللإقليم والإصرار على التصدير المستقل.

    كل هذا ليس بالأمر الجديد، ولا هي معلومات اكتشفت مؤخرا، ولكن الجميع، تقريبا، إنساقوا مخدرين بالأحلام والأوهام إلى الفخ انسياق القطيع إلى مسلخ الذبح. لقد نبه الأستاذ فؤاد الأمير منذ عام  2013 في كتابه "الجديد في عقود النفط والغاز الموقعة من قبل حكومة إليم كردستان ص262"، إلى ما كشفه أردوغان في حديث له إلى قناة (CNN Turk): [إننا على وشك التوصل إلى اتفاق مع أكراد العراق] وبعد بضعة أشهر وقعت تلك الاتفاقية التي لم يطلع عليها أحد. ويقال أن ممثل الشريك في حكومة الإقليم كان مع الوفد الذي ذهب لعقد الاتفاقية، ولكنه لم يعلم بالاتفاقية والتوقيع عليها إلا في الطائرة في طريق العودة من تركيا إلى أربيل. وعندما أبدى ما يشبه الاحتجاج على تجاهله طيبوا خاطره وقالوا له يمكنك الاطلاع عليها الآن ما دمنا في طريق العودة!!! وأصبحت بعد ذلك من أسرار الدولة طي الكتمان. 

    وفيما يخص بعض ما رشح عن الاتفاقية فأكتفي بأيراد هذا النص من كتاب الأستاذ فؤاد الأمير "النفط الصخري و أسعار النفط  و الموازنة العراقية العامة - ص 149" والصادر في سنة 2015:
    [لقد حصلت (تركيا) على نفط رخيص، وعلى رقع تنقيب وتطوير نفطية كثيرة ومهمة في الإقليم، وفي أغلبها بالتعاون مع شركة أكسن موبيل الأميركية، وأصبح السيد مسعود البارزاني حامي مصالح الأتراك في العراق على حساب الكورد والعرب. ووقعت اتفاقية في مجال الطاقة لمدة (50) عاماً مع الإقليم لا يعرف مضمونها أحد، إلا ما يصدر من الأتراك أنفسهم أحياناً.

    وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي تانريلدز في آب الماضي: "إن بلاده ستشتري الغاز الطبيعي من العراق –يقصد من إقليم كردستان– عام 2017، ولكن ليس بنصف سعره عالمياً، وإنما أقل من نصف السعر باعتبار أننا بلد مجاور". ويضيف الوزير... أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من غير تركيا وموافقة الحكومة المركزية في بغداد". مشيراً إلى العلاقات "المهمة" والاتفاقيات والعقود المبرمة التي تربط أنقرة ببغداد!!.
    ويضيف –في الخبر نفسه– رئيس المجلس التنفيذي العام للطاقة في تركيا محمد سربيل أن: "مشروع الغاز الطبيعي هو أهم مشروع تركي سينفذ في شمال العراق...  سنخفض سعر الغاز الطبيعي الذي نشتريه الآن بسعر (12–13) دولاراً للمليون (وحدة حرارية بريطانية BTU) إلى (7) دولارات حسب الاتفاقيات التي أبرمت".]

    وقد كشف مايكل نايتس مؤخرا (العلاج بالصدمة / معهد واشنطن 13/11/2020 ) أن حكومة الإقليم تبيع النفط بسعر 33 دولار في الوقت الذي سعره في السوق العالمية 45 دولار، أي بتخفيض 27%. وطبعا هذا سعر البيع للكيان الصهيوني والآخرين، وبالتأكيد فاللسيد التركي تخفيضاته الخاصة التي تتجاوز ذلك بكثير.

    أما الكارثة الأخرى، أي مصير أموال مبيعات النفط فأرجع مرة أخرى إلى كتاب الأستاذ فؤاد الأمير " النفط الصخري و أسعار النفط... - ص 155":
    [تؤكد وزارة الموارد الطبيعية أثناء هذا الخلاف (بين وزارة مالية الأقليم ووزارة الموارد الطبيعية) وبصورة علنية ومن خلال بيانات، بأن عائدات النفط موجودة في بنك خلق التركي وعلى وزارة المالية استلامه. ثم يذهب وزير المالية بمفرده، إذ رفض وزير الموارد الطبيعية مرافقته، إلى بنك خلق لاستلام حساب مبالغ مبيعات النفط، ليتسنى له توزيع الرواتب وبقية نفقات الإقليم، فلا يجد في الحساب غير (14) مليون دولاراً عن مبيعات سابقة تم تنفيذها في 2014. ويتبين لوزير المالية أن حساب العائدات المالية لمبيعات النفط ليست في بنك خلق التركي، وإنما في كوميرز بنك الألماني، ولم يكن يعرف لا هو ولا غيره بوجود حساب لمبيعات الكورد في هذا البنك!!]. 

    وعندما تعقد الأمر وأحرجت حكومة الإقليم لجأت إلى كارثة أخرى، بيع النفط بالآجل وقبض المبالغ مقدما مع تحميل فؤائد أعلى بكثير من معدل الفائدة السائد (كما يبيع الفلاح المحتاج "على أخضر" حصته من الزرع):
    ["وقعت (حكومة الإقليم) في حزيران 2015، عقوداً مع شركات عالمية ذات خبرة في تجارة النفط، ومن قبل مشترين لتصريف نفطها… ومقابل ذلك فإن المشترين يضمنون (850) مليون دولاراً عوائد شهرية للإقليم"... وإن مناوئي هورامي يقولون أن مبالغ المبيعات هذه، التي استلمت مقدماً لم تصل جميعها إلى الإقليم لدفع الرواتب!!]، وبالنتيجة كارثة أخرى متمثلة بعشرات المليارات من الديون  في رقبة  ألأجيال الكردية القادمة. 

    إذا كان الفساد في العراق هو من خلال المسارب المتفرعة من الأنبوب الرئيسي وكل جهة وحسب شطارتها في توسيع أنبوب الشفط الخاص بها، فأن الأمر قد قضي في الإقليم: الأنبوب الرئيسي المغذي كله يصب في بئر واحدة لا قرار لها، والأجيال القادمة لها الله... فهل يعي المخدرون بالأوهام واقعهم المزري وأي هوة ستبتلع كل ثرواتهم الحالية والمستقبلية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media