صُمِم لمواجهة تنظيم القاعدة.. قانون الجرائم المعلوماتية ’فيتو السلطة’ على حرية التعبير
    الثلاثاء 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 - 10:08
    [[article_title_text]]
    بغداد  (ناس) - تتواصل المخاوف في العراق، من مشروع قانون "جرائم المعلوماتية"، بسبب تضمينه مواد اعتُبرت تكميماً للأفواه، وضربة للحريات العامة، فيما يدافع مشرّعون عن القانون، بداعي محاربة الابتزاز الالكتروني، وتهديد السلم المجتمعي.   

    ونقل تقرير نشره موقع "إندبندنت عربية"، تابعه "ناس"، (24 تشرين الثاني 2020)، عن منظمات وحقوقيين قولهم: إن "القانون يتنافى مع مبادئ الدستور العراقي التي تكفل حرية التعبير عن الرأي، وتحديداً المادة 38 منه والتي تكفل حريات التعبير عن الرأي والصحافة والاجتماع والاحتجاج السلمي".  

    تاليا نص التقرير:  

    "هذا القانون هو الأقسى بين المشابهة له من حيث الموضوع في الشرق الأوسط"، يصف رئيس النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين ياسر السالم "قانون جرائم المعلوماتية" الذي ينوي البرلمان العراقي إقراره في الفترة المقبلة. ويسرد مخاطر "القانون المرعب" على حرية التعبير والصحافة في العراق، معتبراً أنه "سيزج بالمئات في أقل تقدير، في السجون على خلفية قضايا تتعلق بحرية التعبير عن الرأي".  

    عقوبات كبيرة  

    يحاول البرلمان العراقي إقرار مشروع قانون "جرائم المعلوماتية"، الذي بات جاهزاً بانتظار التصويت عليه، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط الحقوقيين والمدافعين عن حرية التعبير، فضلاً عن مدونين وصحافيين اعتبروه "أداةً لتمكين السياسيين وحمايتهم من الانتقاد".  

    ويسعى البرلمان منذ سنوات، إلى إقرار هذا القانون، الذي يشهد في كل مرحلة حملات كبيرة مناهضة له، في حين يبرر المدافعون عنه أنه سيحد من حملات التحريض وجرائم الابتزاز الإلكتروني.  

    ويعالج مشروع القانون القضايا التي ترتبط بـ"الإنترنت والهاتف المحمول وكل القضايا الإلكترونية التي لها علاقة بمواقع التواصل الاجتماعي أو ترتبط بها"، فيما تصل العقوبات الواردة في نصه، إلى الحكم بالسجن عشر سنوات وغرامات مالية كبيرة بحدود 15 مليون دينار عراقي (حوالى 12.5 ألف دولار).  

    قال النائب العراقي بدر الزيادي إن "القانون سيقضي على المئات من حالات الابتزاز الإلكتروني"، مضيفاً في بيان أنه "سيتضمن تشكيل محكمة خاصة بجرائم المعلوماتية، تُحدَد من خلالها العقوبات التي وضِعت على المبتز من دون أي مساس بالحريات العامة".  

    قانون يعيد العراق إلى عصور الدكتاتورية  

    في المقابل، تحدث السالم، عن مفصلين رئيسيين يقفان خلف محاولات تمرير القانون، هما "تمكين السلطة من استخدامه ضد معارضيها، وإعادة العراق إلى عصور الدكتاتورية"، مبيناً أنه بصيغته الحالية "سيوّلد خشية كبيرة لدى العراقيين من مجرد استخدام هواتفهم الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي".  

    ويقول السالم، وهو عضو في "تحالف المادة 38" المعارِضة لتشريع القانون، إن "صياغة القانون تمت بطريقة تقمع أي آراء تنتقد رموزاً دينية وسياسية"، مبيناً أنه "موجه بالدرجة الأساس ضد المدونين".  

    وتتجه اعتراضات عدة على "ضبابية ومطاطية" بنود هذا القانون، حيث يشير الناشطون إلى أن عبارات عدة وردت فيه من دون تعريف أو تفسير من قبيل "الإخلال بالآداب العامة والأمن العام"، الأمر الذي ربما يجعلها خاضعة للأمزجة السياسية وقابلة للتأويل بما يتلاءم مع رؤاها.  

    وعبّر السالم عن استغرابه من "ورود تلك العبارات الفضفاضة في الكثير من بنود"، مؤكداً توجيهه أسئلة إلى جهات أمنية وسياسية حول تعريف الأمن العام من دون الحصول على أي ردود.  

    وأشار رئيس النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين إلى أنه "لا يوجد تفسير قانوني لتلك العبارة ويبدو أن تلك هي الغاية الأساسية، فضلاً عن مفردات أخرى وردت تتعلق بالآداب العامة والإساءة إلى سمعة البلاد وغيرها من المفردات".  

    "تتزامن إعادة طرح القانون في كل مرة مع الحراك الاحتجاجي"، وفق تعبير السالم، ما يعطي انطباعاً بأن الغاية منه "لا تتعلق بمعالجة الجرائم الإلكترونية بقدر ارتباطها بالمخاوف السياسية من الحركات الاحتجاجية التي باتت تتسع في السنوات الأخيرة".  

    وختم السالم بالقول إن "لدى العراق التزامات دولية ومواثيق وعهوداً دولية تلزم البلاد بحماية حرية التعبير، وهذا القانون يتناقض معها بالمطلق".  

    مخاوف على النظام السياسي   

    بدأت بوادر تشريع القانون في عام 2006، على خلفية استخدام تنظيم "القاعدة" منصات الإنترنت في تجنيد الشبان. وكانت بنوده تختص بهذا الجانب بحسب منظمات حقوقية، إلا أنه لم يُقرّ في حينه، وأُعيد إحياؤه في عام 2011 بظل حكومة نوري المالكي، إثر الاحتجاجات الشعبية في فبراير (شباط) من العام ذاته.  

    وتوالت محطات إعادة إحياء القانون في أكثر من مناسبة، وفي كل مرة تتزامن تلك مع حركة احتجاجية واسعة تشهدها البلاد، فبعد الفشل في إمراره عام 2011، عادت النقاشات حوله عام 2015 بعد حركة احتجاجية واسعة شهدتها البلاد، ثم طُرح مرة أخرى عام 2018 بعد سلسلة حركات تظاهرات اجتاحت مدناً عدة. ويربط حقوقيون ومدونون في الآونة الأخيرة بين محاولات تمريره في البرلمان والانتفاضة العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.  

    تعطي تلك المحطات التي ترافقت ومحاولات إقرار القانون، انطباعاً بأن الغاية الرئيسة لا ترتبط بالجرائم الإلكترونية من ابتزاز وخطابات كراهية وتضليل، بقدر تعلقها برغبات سياسية تحاول تقويض حرية التعبير، خصوصاً بعد الانتفاضة العراقية الأخيرة.  

    ويقول رئيس "جمعية الدفاع عن حرية الصحافة" مصطفى ناصر إن "تبدل صيغة القانون من مواجهة التنظيمات الإرهابية عام 2006، إلى صيغة تقيّد الحريات بعد عام 2011، جاءت بعدما أثارت منصات التواصل الاجتماعي التي انتشرت حينها، وأدت إلى نشوء الحركة الاحتجاجية، قلق رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والفاعلين السياسيين". وأضاف أن "اقتراح القانون في عام 2011 ركّز على مصادرة الحريات والتجاوز على مساحة التعبير عن الرأي، وإعادة تكراره بالتزامن مع الحركات الاحتجاجية في السنوات اللاحقة يعطي انطباعاً عن غاياته الأساسية".  

    ضبابية تتيح التلاعب   

    لعل هذا التزامن بين إعادة طرح القانون والتظاهرات في كل مرة، يؤكد مخاوف الناشطين إزاء تمكن الفاعلين السياسيين من إقرار قانون يتيح لهم إعاقة حرية التعبير وتقييده في إطار قانوني. وبشأن الضبابية والمطاطية في بعض فقراته، يلفت ناصر إلى أن "القانون لا يعطي تعريفات محددة لمراعاة المبادئ الدينية والمجتمعية والأسرية، ما يعيق عمل الصحافة ويجعل كل شيء قابلاً للتأويل بحسب أهواء المشرِّع". ويضيف أن "القانون ربما يكون أداة سلطوية لقمع الحريات وليس لمواجهة الجرائم الإلكترونية".  

    يتابع ناصر إن "الغايات السياسية تبدو واضحة في القانون المذكور، على الرغم من أهمية إقراره للجرائم الإلكترونية المتعلقة بخطاب الكراهية والتضليل والابتزاز، لكن إرادة تقييد الحريات هي الغالبة"، معتبراً أن "نتائجه على حريات الصحافة والتعبير ستكون كارثية".  

    سحب سلاح الشباب قبل الانتخابات المبكرة  

    ربط مدونون وكتّاب وصحافيون بين القانون والانتخابات المقبلة. وعبروا عن الاعتقاد بأن تزامن اقتراب موعدها، ومساعي الكتل السياسية إلى إمرار القانون يتعلق بمحاولاتها التخلص من معاريضها الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح وحيد في مواجهة القوى السياسية.  

    وصرح المدوّن البارز حسين علي، صاحب صفحة "حسين تقريباً"، أن "لدى العراقيين ذاكرة طويلة من التجارب السيئة مع هذا النوع من القوانين، لأنه يتيح لقوى السلطة ملاحقة المدونين والناشطين والصحافيين المعارضين". وأضاف أن "قوى السلطة كانت تعتقل وتغيّب وتغتال في إطار غير قانوني، وربما تحاول الآن شرعنة تجاوزاتها، فضلاً عن محاولات تبرير القمع أمام العالم بذلك"، لافتاً إلى أن "الغاية الرئيسة من إعادة المشروع إلى الواجهة، هي اسكات المعترضين على النظام السياسي".  

    وتنص المادة 8 من القانون على أنه "يُعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات ولا تزيد على عشر، وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار ولا تزيد على 15 مليوناً، لكل مَن استخدم شبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسوب وما في حكمهما، بقصد الاعتداء على المبادئ والقيم الدينية أو الأسرية أو الاجتماعية".  

    وتساءل علي "مَن الذي سيحدد ما هي المبادئ الدينية؟ بخاصة أن مفسراً كبيراً مثل العلامة محمد حسين الطباطبائي يقول في مقدمة كتابه الميزان، إن المسلمين مختلفين في ما بينهم على التفاسير في كل شيء ابتداءً من صفات الله وصولاً إلى أحكام الوضوء".  

    ورأى الكاتب العراقي قيس حسن أن "غاية إعادة تسويق قانون جرائم المعلوماتية ومحاولة التصويت عليه في البرلمان لا علاقة لها بالقيم الاجتماعية كما يدّعي مشرعوه، بل ترتبط وثيقاً بالانتخابات المبكرة". وأوضح أن الكتل السياسية "باتت تدرك أنها مفلسة أمام الجمهور والرأي العام العراقي، إذ حوّلها جيل الشباب المعارض إلى عار على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الأخرى، وهذا هو الدافع الرئيس لتشريع القانون". واعتبر أن "اقتراب موعد الانتخابات المبكرة جعل الكتل السياسية تستعجل تشريع القانون لنزع هذا السلاح من يد الشباب".  

    جدل قانوني   

    في المقابل، صرح المتخصّص القانوني عادل اللامي أن "القانون جيد ومعمول به بدول عدة في العالم، التي تصيغ قوانين لمعالجة الجرائم الإلكترونية"، مبيناً أن "معظم دول العالم عدلت قوانينها أو وضعت قوانين جديدة وفق ما جرى من تطور تكنولوجي، لمعالجة الجرائم المرتبطة به". وزاد أن "المقترح يرتبط بقانون العقوبات العراقي، وكان ضرورياً لأنه يشير إلى جرائم لم يتم تضمينها في القانون خصوصاً  ما يتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي وغيرها".  

    وتابع، أن "أي اعتداء يجب أن يكون له عقاب، ومع هذا لم يمنع القانون مَن ينتقد في حدود الآداب العامة من طرح رأيه بكل حرية في أي ظاهرة اجتماعية أو سياسية".  

    وبشأن بعض بنود القانون الفضفاضة، أشار اللامي إلى أن "لتلك المفردات شروحاً ومحدِدات وسوابق في قانون العقوبات العراقي"، مردفاً أنه "بإمكان القضاء العراقي تحديد ما يُعدّ تجاوزاً على الآداب العامة أو القيم الدينية والمجتمعية".  

    وختم بالقول إن "حرية التعبير واضحة ومحددة في القانون، لكنها تحاسب على التشهير والسب والقذف وبقية التفاصيل التي تُعدّ تجاوزاً ولا تدخل في مساحة حرية التعبير عن الرأي"، لافتاً إلى أن "الانتقادات مبالَغ بها، خصوصاً من بعض المعترضين الذين لم يقرؤوا القانون حتى".  

    أما الباحث القانوني علي التميمي فقال إن "بالإمكان استثمار هذا القانون لأهواء الفاعلين السياسيين، والتعاريف الواردة فيه مقتضبة وغير واضحة وتُدخِل المطبّق في مشاكل"، لافتاً إلى أنه "يخالف مواد الدستور العراقي وميثاق العهد الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان". ولفت إلى أنه "لم يتناول الجرائم الخطرة وكيفيات معالجتها كالمخدرات والإرهاب والاتجار بالبشر والتحريض على الطائفية والقومية أو التزوير وانتحال الصفات وغسيل الأموال".  

    وبشأن العقوبات الواردة في نصه، أبدى التميمي اعتراضاً على عقوبة السجن، مبيناً أنها "يجب أن تقتصر على الغرامة وفق جنس العمل". وأنهى أن "مشروع القانون يعاقب المحرض، حتى ولم يُجرّم، مايخالف المبدأ لانتفاء الركن المادي فلا عقوبة على النوايا"، لافتاً إلى أن "القانون جاء بمواد غير مفهومة، منها عقوبة المساس بالقيم الدينية والأسرية، وتُدخِل مطبِّقه في إشكالية فهم النص".  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media