العراق في الصحافة الأجنبية.. وجد العراق طريقة لإلحاق الهزيمة بالفساد الذي لا يقهر
    الأثنين 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 - 06:42
    انطون فاسيلوف /ترجمة: عادل حبه
    أثناء مناقشة مشروع ميزانية البلاد لعام 2021، تجري محاولات في بغداد لتجنب إنحدار البلاد صوب جادة الإفلاس. ويشير الكثير من المراقبين إلى أن الوضع يرثى له. فلم يتقاضى الموظفون رواتب للشهر الثالث، وفي 10 تشرين الثاني، دعا رئيس لجنة الهجرة والتهجير النيابية رعد الدهقلي وزير المالية علي عبد الأمير علاوي إلى الاستقالة قبل أن تنحدر الدولة إلى "حالة الانهيار".
    تقدم الحكومة التبريرات، وتعلن إنها لا تبقى مكتوفة الأيدي أزاء هذه الحالة، وتسعى إلى جذب الاستثمارات الخارجية. وقام وفد مصري برئاسة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بزيارة بغداد في 31 تشرين الأول الماضي ، ووقع على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم. إلا أن التقارير تفيد بأن إستعداد مصر لتقديم المساعدة للعراق في مجالات الاستثمار والتمويل والتجارة والصناعة والبناء السكني ، أثار عاصفة من ردود الفعل السلبية في المجتمع العراقي. ويعلن المنتقدون إن موقف مصر من الناحية المالية والاقتصادية لا يختلف كثيراً عن الوضع في العراق، ويفترض أن يدفع العراق النفط العراقي مقابل الخدمات الافتراضية. ويجري التأكيد في وسائل التواصل الاجتماعي على أن هذا المزيج قد صُمم في واشنطن ويهدف إلى دعم جهود البيت الأبيض للاعتراف بإسرائيل من قبل الدول العربية التي لم تقدم على ذلك بعد.
    في العاشر من تشرين الثاني المنصرم، تم التوقيع على حزمة من الوثائق في بغداد مع المملكة العربية السعودية. وأعلن ممثلو المملكة عن استعداد الرياض لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار، وبشكل أساسي في الزراعة والبيئة في العراق. ويعتزم السعوديون على الخصوص تخصيص أموال لزراعة مليون هكتار من الصحراء في أربع محافظات جنوب غرب وغرب العراق على طول الحدود مع المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا. ومرة أخرى سُمعت أصوات احتجاجية عالية، بما في ذلك وزارة الموارد المائية العراقية التي عارضت هذه الإتفاقيات، وأكدت عدم رغبتها في نقل المياه إلى المناطق الصحراوية في الوقت الذي يعاني العراق من نقص المياه في المساحات المزروعة، إضافة إلى ملوحة مساحات شاسعة في جنوب البلاد. إن الحجج التي يوردها مؤيدي الاتفاقية بأنه في حالة تنفيذ المشروع، ستؤمن وظائف جديدة للشباب الذين يعانون الآن من فرص محدودوة للغاية للعمل. وهكذا لم تنل هذه الإتفاقيات إعجاب سوى نفر قليل في المجتمع العراقي.
     في خضم هذه التطورات، أعلن وزير الدفاع العراقي إنه بحث خلال زيارته الأخيرة لباريس إمكانية شراء مقاتلات فرنسية من الجيل الرابع من طراز "رافال"، وإن الإدارة العسكرية ستقدم مقترحاً بذلك لموافقة مجلس الوزراء. في تلك الأثناء عقد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي مؤتمرا صحفيا كبيرا في السابع عشر من تشرين الثاني، وتحدث عن اعداد مشروع قانون القروض من اجل تغطية العجز في موازنة عام 2021. كما أعلن استعداده للعفو عن جميع المتورطين باختلاس الاموال العامة في حال اعادتة رؤوس أموالهم الى العراق. في الوقت نفسه، بدا رئيس الحكومة بالغ الحرص في صياغة حديثه وامتنع عن التفاصيل.
    لقد أثار ذلك بشكل خاص استفزاز المشاركين في منتديات شبكات التواصل الاجتماعي في اليوم التالي عندما ظهرت قائمة تضم 24 بنكًا تشير إلى حجم الأموال المسحوبة وأسماء أصحابها، بما في ذلك العديد من السياسيين المعروفين. بالطبع، لا يمكن إلا أن تتولى محكمة بتسمية هؤلاء الأشخاص مجرمين، لكن هذا بالضبط ما يحاول العراقيون تحقيقه: التحقيق في الحقائق المطروحة والحصول على جواب " من أين لك هذا" من أولئك الذين امتلكوا عقارات فاخرة في الخارج إن السلطات تتحدث لفطياً فقط عن محاربة الفساد. وهناك تفسير واحد فقط لهذا - فالكثير من الأشخاص من ذوي النفوذ متورطين في الفساد. لقد حصدت الاحتجاجات الحاشدة التي اجتاحت البلاد العام الماضي مئات القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، ولكن لم تتخذ أية خطوة صوب التغيير. فالتظاهرات المطالبة بحل الحكومة والبرلمان تم قمعها بشكل سريع وحاسم. وعلى سبيل المثال، اندلعت في تشرين الثاني احتجاجات في بغداد وكربلاء والبصرة، حيث استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود. أما فيما يتعلق الأمر بالصحافة الاستقصائية أو التقارير الجريئة والظهور الإعلامي، فإن فرص إطلاق النار على مدونيها عالية جداً، والجميع يعرف ذلك.
    في ظل مثل هذه الظروف، تحولت شبكات التواصل الاجتماعي على نحو متزايد إلى منصة لتبادل الآراء ونشر المواد المثيرة للاهتمام. بالطبع إن النشر على الإنترنت لا يؤدي في العادة إلى التدخل الفوري للسلطات القضائية. و لكن وسائل التواصل الاجتماعي في العراق تعد آخر الملاذ والمنافذ التي يمكن للناس التحدث عبرها بحرية نسبية. وبما أن الوثائق تؤدي إلى احتجاج شعبي كبير، فإنها بدأت تظهر في كثير من الأحيان على الإنترنت، مما أدى إلى نفاذ صبر السلطات. وأصبح على عاتق البرلمان أن ينظر في المستقبل القريب في مشروع قانون "جرائم المعلوماتية". ونشرت بالفعل على شبكات التواصل الاجتماعي مقتطفات من مشروع القانون الذي سيترتب على ذلك (إذا تم الاعتماد على هذا المشروع) أن أي مستخدم عراقي للإنترنت سينتهي به المطاف خلف القضبان ويدفع غرامة كبيرة.
    وتبعاً لذلك، تضمنت مسودة القانون استحداث عقوبة تصل إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر وغرامة قدرها مليوني دينار عراقي لكل من ينشر "أية مادة مسيئة تمس شرف شخص آخر". ويقترح في مسودة القانون أن يعاقب كل من ينتهك "الاعراف الدينية والعائلية والسلوكية والاجتماعية" بالحبس لمدة سنة وغرامة تصل إلى خمسة ملايين دينار. أي أن عقوبة تقويض الأواصر الإجتماعية تتضاءل أمام الإتهام الرئيسي وهو "الإضرار بسمعة الدولة" ضد الموقع، والذي يمكن أن يؤدي بكاتبه إلى السجن المؤبد وبمدير الموقع غرامة تصل إلى 30 مليون دينار. أي أنه من الممكن محاكمة أي مستخدِم للإنترنت تقريباً. وعندها لن يفسد أحد مزاج من هم في السلطة، وسيتم التغلب على الفساد!!!!!؟؟
    في حالة تبني هذا القانون ، سيقترب العراق من الأعراف المعتمدة في السعودية، حيث يتم سُجن أكثر من مدون بسبب جملة واحدة تنتقد العائلة المالكة أو السياسة الحالية. وحتى أؤلئك الموجودين بلاد المهجرة،  فإنهم لا يجرؤون على التحدث بشكل انتقادي - خاصة أولئك المنتقدين المغفلين الذين يمكن بسهولة تقطيع أوصالهم بمنشار في القنصليات العتابعة للدولة. وبالنظر إلى حقيقة أنه تم انتخاب أحد أفراد العائلة المالكة السعودية لمنصب رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن هذه المنظمة لا ترى أي شيء غير طبيعي في هذه الممارسة. فلم يعد من المستغرب  أن ترغم السعودية هيئة الأمم المتحدة على استبعاد المملكة من قائمة مرتكبي وفيات الأطفال خلال الحروب، بما في ذلك في اليمن، رغم كثرة الحالات الموثقة. واعترف الأمين العام آنذاك بان كي مون بأن ذلك تم تحت التهديد بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة، وخَلُص إلى أن "هذا كان أحد أصعب القرارات وأكثرها إيلاماً".
    في عام الذكرى اليوبيلي الخامسة والسبعين للأمم المتحدة، علينا أن نعترف بأن عقد الجمعية العامة لليوبيل عبر "الفيديو-كونفرنس"، لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على أنشطة المنظمة، وإن رقمنة الحياة التي تفرضها المعدلات المتسارعة في العالم قادرة على استبدال مبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية.

    انطون فاسيلوف
    ترجمة عادل حبه
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media