'لا تندفع ُ الجماهير الىٰ الثورة ِوفق َ مُخطّط ٍ جاهز ٍ للتحوّل الاجتماعي ، ولكنها تندفع بسبب إحساسها المرير بعدم قُدرتها علىٰ تحمّل النظام القديم فترة ً اطول '' وكأن تروتسكي في كتابه ِ'' تاريخ الثورة '' يحكي عن حال العراقيين اليوم ، وهو الذي كتب كتابه هذا في منفاه في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي .....
الإحساس المرير بالظُلم والقهر ، والإهمال المتعمد ، والحقوق الضائعة ، والكرامة المهدورة ، والتجاهل المستمر لرغبات وتطلعات الشعب من قِبل ِ القوىٰ المُتحكمة كلُّ هذا صار خُبزاً يومياً للناس ، كل هذا لم يَدَع ْ للجماهير من منفذ ٍ سوىٰ الانفجار بوجه الطُغاة المتحكمين برقاب الناس منذ سبعة َ عشر َ عاماً ولا زالوا ...
لم تنفجر هذه الجماهير لهواً او بطرا ، لكنها لم تستطع ان تستمر َّ بالعيش علىٰ الهامش وكأن لا شيء يحدُث ، وكأنّ البلد َ بألف خير ، وهم يرَونَ " كلُّ دَعيٍّ سرسري" يتصدّر ُ الساحة َ ويَغرف ُ ما يشاء ُ من خيرات ِ هذا البلد بلا وازع ٍ من ضمير ، ولا خشية ٍ من عقاب ، فكيف يخاف ُ من العقاب وهو الحامي والحرامي في آن ٍ واحد .
لم تستطع ْ هذه الجماهير ُ الصبر َ طويلاً على كل هذا العنت ،فثارت ْ ، ولكننا ندري أيضاً بانها لم تُخطّط لثورتها ، لم تخطط لهذا التحوّل الاجتماعي التاريخي الذي يحدُث ُ الآن والذي نرى لَهُ مظاهر َ شتّىٰ ، وأجمل هذه المظاهر من وجهة نظري الشخصية المتواضعة هو الوعي العالي والشجاعة الخارقة لهؤلاء الفتية والفتيات ، والمظهر الجميل الآخر هو دخول المرأة العراقية بكل عُنفوانها وجمالها وهيبتها الى ساحة المواجهة ، لقد كسرت ْ حاجز الخوف، وهاهو تبادل المواقع يحدث ُ علناً، فهاهُم نكِرات ُ الامس الذين اصبحوا يتحكمون برقاب الناس -بغفلة ٍ من الزمن - يتملكهم الخوف من هذه الجموع التي تتصّدىٰ للموت كل لحظة ، وهاهم يحاولون بأقذر الأساليب تشويه وجه الانتفاضة الجميل ووجه َ المرأة العراقية الأنبل ، ولكن هيهات ، '' امس ٌ مضىٰ ، وغداً سيطلع ُ من يديها ... ''
وفي مجرىٰ الانتفاضة ، ويوماً بعد يوم ، تنامىٰ الوعي والإدراك لدى الكثيرين وأخذ التفكير المنطقي القويم والإحساس بالحاجة ِ لبرنامج عمل يحلُّ محلَّ التصورات الثورية الرومانسية، فالىٰ جانب صور جيفارا وصور شهداء الانتفاضة بدأ الكلام عن انتخابات ٍ مبكرة كهدف ٍ مرحلي تسعىٰ هذه الجموع الثائرة لاستخلاصه ِ من براثن ذئاب السلطة بعد ان تم َّ إسقاط ُ رئيس ُ الوزراء " العادل " ، هنا نحن ُ أمام مُعضلة ٍ جديدة : هل ان الانتخابات المبكرة المُنتظرة او المنتظر حدوثها في الفترة الانتقالية التي يحددها البعض بسنة واحدة هي الحل الأمثل حالياًوالهدف الأولي في هذه الفترة ؟
علينا ان نتساءل ( مُبكراً) عن صدقيةِونزاهة ِانتخابات ٍ قد تحدُث في ظلّ غابة ٍ عظيمة ٍ من الأسلحة في يد المليشيات ، أليس الاولىٰ بأن ْ نُقدّم َ - في مطالبنا -مسألة نزع سلاح المليشيات هذا وحصره بيد الدولة قبل اي حديث عن انتخابات مبكرة ونحن ندري تماماً بان هذا السلاح قد يلعب ُ دوراً كبيراً في تعطيل المسار الديمقراطي الذي نبتغيه ؟
أليس المال السلطوي والسلاح المليشياوي أدوات َ تحريف ٍ حقيقية لأي مسعىٰ للتغيير ؟
السلطة - أية سلطة - لها أدواتها وتستطيع الاستعانة بها عند الحاجة ، وهناك أمثلة واقعية حتىٰ في أعرق الديمقراطيات الأوربية على قدرة السلطة التلاعب في مجرى الأحداث عن طريق المال مثلاً ، ومن حسن حظ الشعوب في أوروبا انْ ليس هناك مليشيات مسلحة ، ولكن الكل يعرف بوجود " لوبي"يستطيع التأثير في مجالات سياسية كثيرة، فكيف والحال الذي نعرفه عندنا في العراق والذي لا يمكن مقارنته مع أية دولة متقدمة ، لذلك فانّ الخشية َ كبيرة ٌ من ان الأمل الذي يسعىٰ اليه المنتفضون بالتغيير عن طريق الانتخابات المبكرة قد يكون ... مُبكّراً ، وقد يكون ُ
صعباً ، وقد يكون ...
واتمنىٰ ان أكون َ مُخطئاً !
طالب حسين. 20.2.2020