د. صادق السامرائي
عيد سنة ألفين وعشرين يختلف تماما عن أي عيدٍ , فهو عيد كورونا المطلق الذي ألزم الناس بيوتهم , وفرض عليهم دخول مساكنهم , وإلا سيجتاحهم الوباء العارم ويأكل منهم ما يشتهيه.
عيد كورونا وضع البشرية أمام ذاتها , وأخرجها من دائرة النزق التي كانت تسكر فيها , وفرض عليها أن تجالس نفسها وتبصر حقيقة الحياة ومعانيها وما يدور في أعماقها وماهية جوهرها.
عيد كورونا جعل الناس تبتعد عن بعضها , وتخشى الزيارة والإحتفاء بالعيد في البيوت والجوامع والفنادق , وغيرها من أماكن الإحتفال والإجتماع , لأن الكورونا سيندس بين الحاضرين ويصيبهم بدائه الوخيم.
عيد كورونا يقظة بشرية ما بعدها يقظة , وزعزعة إدراكية , وهزة وعيوية عنيفة , كأنها الإعصار الذي يداهم الأشجار فيجردها من أوراقها ويلقي ببعضها أرضا.
عيد كورونا , تمكن منّا , فعزلنا وأجبرنا على التعايش مع وحدتنا والتباعد عن بعضنا , والتفاعل عن بعد لكي نحافظ على حياتنا , وجعلنا نتيقن بأن المخلوق يواجه مصيره لوحده , فلا ينفعه مال ولا بنون , ولا أي وهم من أوهام سكرة الدنيا.
عيد كورونا لديه عيون ميدوزية تحدّق في الموجودات , التي لا تزال غير قادرة على كظم ما فيها من نوازع البغضاء والشرور , وما أن تلمحها حتى تحيلها إلى عصف مأكول , وترمي بها في غياهب أسرة العناية المركزة لتلقى حتفها بعد حين مرير.
عيد كورونا علينا أن نوظفه لإستكشاف طبقات وعينا , وفضاءات مداركنا , ومدارات عقولنا , فنتبصر ونتحذر ونعمل على تعبيد سبل نجاتنا من قبضة العدم , ومن الأسر في متاهات الرغبات والنزعات الدونية التي سحقت الإنسانية.
عيد كورونا يعلمنا المعنى الحقيقي للعيد , ويبعدنا عن الهشاشة والسذاجة والغباوة السلوكية , التي أدْمَنّا عليها وتوارثناها جيلا بعد جيل , فأرانا قيمة التفاعل الإيجابي الرحيم , وأن نكون أخوة , فالتراب أبونا وأمّنا , وكل مخلوق سواء بعرف كورونا , الذي يتحدّى مَن يرى أنه في مَنعة وأمان من صولاته العِظام.
عيد كورونا أجبرنا على التنافر والإبتعاد , ليُشعرنا بقيمة التفاعل والإقتراب , الذي وشحناه بالدموع , ومضينا في النيل من بعضنا بقيادة أبالسة ما فينا من أمّارات السوء والكراهية والعدوان وحب سفك الدماء.
عيد كورونا يخبرنا أن الحياة رحمة ومحبة وألفة وأخوة , فالمصير واحد وقافلة الأحياء يصعد إليها الكثيرون وينزل منها الكثيرون , وهي تسير على ظهر سيارةٍ تدور.
فهل سنتعلم معاني العيد السعيد؟!!
د-صادق السامرائي