إيران والشعبوية وما بعد الحقيقة. !!
    الثلاثاء 26 مايو / أيار 2020 - 19:33
    د. محمد أبو النواعير*
    أكاديمي في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة
        كثيرا ما كنت أراقب سلوك القيادة الإيرانية، وردات فعلها تجاه الأحداث، وردات فعل الجمهور (إيراني، عراقي، عربي، أمريكي)، تجاه سلوك القيادات الصانعة للسياسة الإيرانية.
       الدارس لعلم الاجتماع السياسي، يحاول دوما ان ينال معرفة تمكنه من دراسة السلوك السياسي للمجتمع.
        مشكلة الجمهورية الإسلامية (كدولة وحكومة لها مخرجات سلوك سياسي محدد)، أنها  لا زالت تعيش دور النخبوية السياسية والدينية والاجتماعية في صناديق التفكير السياسي لديها.
        التغير الخطير الذي طرأ على العالم يتجسد بقضيتين شكلتا عامل تغير بطيء وتصاعدي، لكل أنماط التفكير والحياة.
        التغير الأول هو سيطرة الشعبوية على محركات السلوك والتفكير والعواطف لدى اغلب البشرية، والشعبوية هي فلسفة تفكير تنحو نحو إبراز وتعظيم الفئات الشعبية الدنيا، وساعد على ذلك ضخ إعلامي وفكري وأدبي وفني كبير (غير مبرر وغير مفهوم المصدر)، لإعلاء شأن هذه الطبقة وإعلاء كل طرق السلوك والتعاطي والتفكير المتعلقة بأدبياتها.
        ما بعد الحقيقة هو التغير الثاني، والذي يتعاضد في كثير من معطياته مع النمط الأول، فما بعد الحقيقة، هي الحقيقة الوجدانية العاطفية التي يتم زرعها في مخيال الأفراد والجماعات بشكل تقني بطيء وتراكمي، من خلال خلق صور خيالية رومانسية للوجود تتجاوز الحقيقة الواقعية التي يعيشها الفرد.
        وقد ساعدت كل نشاطات الحضارة الإعلامية والسينمائية ومعها أدوات التواصل الاجتماعي، في تعضيد فلسفة ما بعد الحقيقة، حيث تستطيع الآن أن توهم شعبا شبعان، بأنه جائع ! وتحرف عنه الحقيقة، من خلال ضخ إعلامي خيالي متواصل على وعي المتلقين، يقنعهم بهذه الفكرة الخيالية.
    هنا، نجد أن الفكر النخبوي المنطقي العقلاني الواقعي العميق بدأ يضمحل، وتتناقص أدوات تأثيره في خلق دعمات أخلاقية وتطويرية للسلوك البشري.
        إيران إلى الآن تعتقد أن البشرية تعيش أو تتفاعل أو تقاد بفكر النخب. !
        أمريكا ودول الغرب نجحوا في ضربها من القاعدة، واقصد بها قاعدة التقبل أو الرفض الجماهيري الوطني أو الإقليمي أو العالمي.
        إيران تبحث في ردودها على أمريكا، عن مواقف كبيرة ومهمة وإستراتيجية، بينما زعطوط صغير كأحمد البشير، يظهر في برنامج قائم على فلسفتي ما بعد الحقيقة والشعبوية، استطاع مثلا أن يزعزع صورة إيران لدى قاعدة شعبية كانت تمثل اللب الساند للجمهورية. !
        يتناقل المغفلين أخبار عظيمة : إيران وفي رد كبير على عقوبات أمريكا، استطاعت أن توصل النفط إلى فينزولا. ! 
    وماذا بعد ذلك؟
    جمهور ومشاهدي احمد البشير والشرقية والحرة عراق ومجموعة ( MBC وأمثالهم في كل مكان في العالم)،ما دخلهم بذلك.؟
        إيران لا تعي أنها تكسب مواقف إستراتيجية كبيرة، ولكنها بدأت تخسر وتفقد ثقة الشعوب بها، بحيث أصبح من السهل على مجموعة من الشباب الشيعة، أن يقوموا بضرب صورة احد اكبر علمائها، بالأحذية.!!
    لماذا لم تؤثر على هؤلاء الشباب الانتصارات الإستراتيجية الإيرانية الكبيرة على أمريكا وإسرائيل.؟
         الجواب ببساطة، لان هؤلاء الشباب، ومئات الملايين مثلهم، باتوا يعيشون في بحبوحة الشعبوية الساذجة، والفكر الهزلي التافه، ويعيشون أحلام وأوهام يعتقدون أنها الحقيقة، تحدثهم عن ظلم وتخلف إيران، وهي في حقيقتها أفكار ما بعد الحقيقة.!
       إيران كسبت وتكسب كل يوم معاركها الإستراتيجية الكبيرة، وأمريكا وإسرائيل ودول كثيرة معادية لها، يضحكون عليها سرا، لأنهم نجحوا في نخر القواعد الجماهيرية المؤيدة والمحايدة للجمهورية، في كل مكان.
    لذا، إيران ناجحة جدا في صراعها مع العقول النخبوية والسياسية والإستراتيجية العالمية الكبيرة، ولكنها فاشلة جدا في التعامل مع شعوب المنطقة والعالم بطريقة تراعي فيها مستوى الشعبوية وعاطفة ما بعد الحقيقة عندهم. !
    كثيرا ما كنت أقول، ولا يقبل مني الآخرين: الجمهورية الإسلامية نجحت في التصارع والتناطح مع اكبر عقول الكرة الأرضية، وتمكنت من هزيمتهم بذكاء قادتها وحكمتهم، ولكن عندما تصل إلى الشعب العراقي، تتحول إلى أغبى الأغبياء. ! لان اغلب الشعوب اليوم لا تسمع للحكماء ولا تنظر لأفعالهم ولا يهمها ما يصدر عنهم. !

    *دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media