أخسف بهم الأرض وأفرض هيبة الدولة
    الأثنين 3 أغسطس / آب 2020 - 08:12
    حسين كركوش
    يا سيادة رئيس الوزراء : أخسف بهم الأرض وأفرض هيبة الدولة وهيبتك الشخصية فالأرض العراقية تمور وفرص النجاح تتكدس أمامك

    إعلان الكاظمي عن تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة في حزيران القادم ، هكذا وبدون أن يتشاور مع أي جهة مهما كانت (اكرر مهما كانت) ، حل في ساحات خصومه وأعدائه السياسيين ، كما تحل الصاعقة المحرقة.
    هولاء كلهم كانوا ، قبل إعلان الكاظمي ، يفكرون و يتصرفون ، أيضا ، بـ(رهاوة). كانوا يرون أن أمامهم وقتا طويلا يعيدون خلاله ترتيب أوراقهم التي بعثرتها ، بل مزقتها انتفاضة تشرين ، وكانوا يعتقدون أن بمقدورهم أن يحيكوا براحة بال ، و بهدوء مجتمعي خال من (تعكير) التظاهرات الشبابية (بسبب تفشي كورونا) ، ما شاء لهم من مؤامرات للعودة منتصرين إلى واجهة المسرح : (تفجيرات ، اغتيالات ، اختطاف ، إشعال قتال طائفي ، تهديد بتقسيم البلاد ، إثارة قضية الأقاليم).

    جميعهم كانوا يعتقدون أنهم ليسوا على عجل من أمرهم ، و أن الكاظمي وحده (قطة على صفيح ساخن).

    لكن إعلان الكاظمي جعلهم يعضون أياديهم غما ، وراحوا يضربون بأكفهم على أكفهم من الندم. وعندما (ظنوا) أنهم استفاقوا من غيبوتهم و استعادوا وعيهم ، بدأوا يتذاكون ويتشاطرون : نريد انتخابات أبكر ، نتحفظ على موعد الكاظمي ، لا صلاحية لأي جهة بحل البرلمان ، الموقع الشاغر في المحكمة الاتحادية لم يحسم بعد ، البرلمان لم يستكمل بعد قانون الانتخابات وملاحقه ، وجود أزمات تعاني منها البلاد جراء تفشي كورونا لا تسمح بإجراء انتخابات مبكرة.

    ولما سُقط في أيديهم وأخذتهم المفاجأة ، راحوا يخطفون إعلان الكاظمي و يّجيرونه لصالحهم ، فقال ديناصور منهم كان يصول ويجول في الأيام الخوالي إن (دعوة الكاظمي لانتخابات مبكرة لم يكن اجتهادا منه وأنما اتفاقا سياسيا). وقال آخر إن (تحديد الكاظمي لموعد إجراء الانتخابات المبكرة جاء بطلب من الكتل السياسية الشيعية).

    ليقولوا ما شاء لهم.

    المهم الآن هو، أن الكاظمي بمقدوره أن ينام ملء جفونه عن شوارد إعلانه الانتخابي ، ويدع الخلق يسهر جَرّاه ويختصم.

    و (الخلق) في العراق قسمان. الأول هو الأغلبية المليونية الساحقة من الشعب العراقي التي تتلوى من ألم الحر و وباء كورونا ، والثاني هو ، (أوليغارشية) لا تتعدى الالاف تتحكم منذ عام 2005 بكل شيء ، كل شيء ، كل شيء.

    ومن الكفر السياسي أن يقال إن أفراد هذه (الأوليغارشية) طائفيون ، يدافعون عن الشيعة أو يدافعون عن السنة. أبدا ، لا.
    هم لا ينتمون لأي دين أو مذهب أو طائفة أو قومية أو عرق أو منطقة جغرافية من العراق ؛ هم عابرون لكل هذه الانتماءات.

    والحق ، أن مفردة أوليغارشية لا تنطبق عليهم ، ولهذا وضعناها بين قوسين. فهم لا ينتمون لفئة مثقفة ارستقراطية ، ولا هم من أقلية مالكة ثرية ، ولم يتوارثوا الحكم أب عن جد. هم (لملوم) من سقط المتاع ، لا أخلاق عندهم ولا ضمير ولا مروءة ولا ذمة ولا وجدان ، وصلوا الحكم بالصدفة وحدها.

    وحتى لا نتعب أنفسنا بشروح أكاديمية بطرة ، نقول إن أفراد هذه الأوليغارشية الذين يحكمون العراق منذ نحو عقدين هم ، هذه المجموعة التي رأيناها وسمعناها وهي تستوجب مراهقا عراقيا ، بهذه الطريقة :
    (بلاع العير. امك بالبيت اريد انيجها. طيزها جبير امك لو اصغير. امك بيضة لو سمرة. ابوك ميت و امك عدها واحد نياج ، عدها لو لا).

    هذه هي الاوليغارشية التي تحكم العراق منذ 17 سنة. و هذه هي الدولة العراقية. بل هذه (صفوتها) ، قوات حفظ القانون. فما بالك بعمل أجهزتها الأخرى ؟

    لقد قيل وكتب الكثير من قبل مراكز بحوث ومنظمات الشفافية الدولية عن توصيف الدولة العراقية ، وفي أي خانة من خانات الدول توضع ؟ هل هي فاشلة ؟ ضعيفة ، ضعيفة جدا ؟ منهارة ؟
    يرى البروفسور روبرت روتبرغ ROBERT I ROTBERG استاذ مادة الحكم والعلاقات الأجنبية في جامعة هارفرد ، في مقال عنوانه ( Failed States , Collapsed States , Weak States : Causes and Indicators دول فاشلة ، دول منهارة ، دول ضعيفة : أسباب ومؤشرات) بأن حكومات هذه الدول تفقد شرعيتها بسبب اضطراب أو تشنج يسود نتيجة انتشار عنف داخلي ، حرب أهلية ، مثلا ، لا تعود هذه الدول بموجبه قادرة على توصيل الحاجات أو الخدمات السياسية الإيجابية إلى سكانها فتفقد شرعيتها وتصبح الدولة القومية نفسها غير شرعية في عيون وقلوب أعداد متزايدة من مواطنيها.

    الدولة العراقية الآن ، وبعد 17 سنة ومليارات أسطورية دخلت خزينتها ، ليست عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات الضرورية لمواطنيها ، فقط ، وأنما صارت مهمتها أن تسأل المواطن العراقي أن كان ( بلاع عير ، و طيز أمه كبير أو صغير ، أمه سمرة لو بيضة ، عدها نياج لو ما عدها).

    هل أن دولة كهذه يفيدها (اصلاح) ، أو تغيير لوجوهها السياسية ، أو أحزابها الحاكمة ، أم أنها تعاني من مرض (بنيوي) خبيث وصل مراحله الأخيرة ، وكل ما تحتاجه هو (الموت الرحيم) لترتاح وتريح مواطنيها ؟

    والموت الرحيم ، أو رصاصة الرحمة ، هيأته انتفاضة تشرين المستمرة ، و الآن صار بيد رئيس وزراء أسمه مصطفى الكاظمي.

    وصف الكاظمي نفسه بأنه (شهيد حي) وقال (أنا جاهز) للموت ، و(ارضاء ضميري فوق كل اعتبار). و هذا تحدي أرعب الجميع. و الشهيد الحي ليس من شيمه أن يرضى بأنصاف الحلول ، ولا أن يمسك العصا من الوسط. الشهيد الحي هو من يمسك العصا من طرفها ويهوي بالطرف الآخر على من يراهم أعداء الشعب ، بدون تردد وبدون خوف.

    الآن ، على رئيس الوزراء ، الكاظمي ، استقبال هذا الفتى في القصر الرئاسي ، حتى لو كان من عتاة المجرمين (وزارة الداخلية قالت إن الشخص الذي ظهر في الفيديو ووقع عليه الاعتداء ، موقوف لدى مديرية مكافحة اجرام بغداد لسرقته دراجة نارية) ، وينحني أمامه معتذرا.
    هذه فرصة سياسية ثمينة أمام الكاظمي لرد الاعتبار لكل من لحقه ظلم من العراقيين ، و أيضا ، ليجعل من هذا الفتى (عصا) أو حجرا يضرب به كل العصافير السمينة التي ما تزال تغني وهي تقف على خرائب دولة عراقية لا مثيل لفشلها في كل المعمورة.

    أن يقول الكاظمي وهو يستقبل معتذرا هذا المواطن العراقي الفتى : اذا كانت هذه هي ممارسة الدولة مع (طفل) من مواطنيها ، فكيف لا يتم قتل مئات الشباب المتظاهرين ؟ وكيف لا تسقط مدينة الموصل ومحافظات أخرى بيد داعش بلمح البصر ؟ و كيف لا تهرب مليارات الدولارات خارج العراق ؟ وكيف لا تقاد الدولة من قبل المليشيات ؟ وكيف لا ترهن سيادة الدولة العراقية لأطراف خارجية ؟ وكيف ، وكيف ، وكيف ؟

    وقبل ذلك وبعده ، أن يقول الكاظمي ، وبإلحاح : لن أتوقف عند الإعلان عن ذكر عدد شهداء التظاهرات ، انما لن يغمض لي جفن (أنا الشهيد الحي) عن معرفة أسماء الجهات التي قتلتهم ، أفرادا أو جماعات ، في الحكومة ومن خارجها ، وتقديمهم إلى العدالة بأقرب وقت ، وليس عن طريق تأليف لجان تحقق في الأمر.

    و الكاظمي بإمكانه أن يفعل كل ذلك وأكثر ، ففي عراق اليوم الكاظمي وحده هو القوي ، ليس لأنه (هرقل) زمانه ، وأنما لأن جميع خصومه يرتجفون هلعا ، وباتوا كلهم عراة ، كما في قصة (ثياب الأمبراطور الجديدة). ومثلما الذي كشف عن عري الامبراطور في القصة هو طفل عندما صرخ : (ولكن الامبراطور لا يرتدي ملابس على الأطلاق) ، فأن صورة المراهق العراقي التي شاهدها العراقيون هي التي صرخت : دولتنا العراقية لا ترتدي ملابس على الأطلاق.

    هذه الدولة هي التي يجب الاستمرار في تعريتها ، واكسائها بعد ذلك ملابس دولة القانون والمواطنة ، حتى إذا حل يوم الانتخابات المبكرة القادمة فأن المواطن سيذهب للأدلاء بصوته بحرية كاملة ، بعيدا عن التزوير و بعيدا عن تهديد السلاح وأغراء المال.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media