إستراتيجية العراق في علاقاته مع دول جنوب القوقاز
    الأثنين 3 أغسطس / آب 2020 - 19:29
    د. جواد كاظم البيضاني
        أذربيجان وأرمينيا دولتان جارتان، تقعان في القوقاز،  تربطنا معهما علاقات دبلوماسية. يختصم البلدان حول قضايا تاريخية وأحقيتهما في مناطق واسعة في جنوب القوقاز. لا نتحدث في هذا النزاع ولكن نحدد أولويات علاقة العراق مع أذربيجان في ضوء التطورات الأخيرة واندلاع الحرب بينهما والعزف على وتر التجييش الذي استخدمه البعض على حساب مصلحة العراق الإستراتيجية .
    تقع أذربيجان في جنوب القوقاز. والاذر شعب ينحدر من قبائل القراقويونلو التي تعود في جذورها إلى الايغور وهم من الشعوب المغولية التركية التي قدمت إلى أذربيجان في عام 1256م، بعد الغزو المغولي الذي اجتاح العالم. ووفقاً لما نقله المؤرخون العرب فان ارض أذربيجان كانت مواطن للشعبين الفارسي والشعب الكردي، وكانت ارض أذربيجان من اقدس المناطق لدى الفرس لأنها تظم بيوت النار، والذي يذهب إلى أذربيجان يلاحظ هذه المعابد التي لا تزال قائمة. ومن الثابت تاريخيا ان الشعوب المغولية وشعب الايغور بالتحديد كان يعبد الطبيعة قبل ان يهاجر إلى أذربيجان، وبعد استقراره في هذه المناطق استمر بعبادة الطبيعة حتى دخوله الإسلام، وبالتالي فان هذه المعابد شاهد على أن الايغور، الذين يعرفون الان بالاذر ليسوا من سكان هذه البلاد وأنما استقروا فيها وفقاً للمتغيرات التي حدثت بعد الغزو المغولي لأذربيجان التي كانت تعرف بهذا الاسم. وفي ظل الوقائع التاريخية تلك ما الذي يربطنا مع أذربيجان؟ 
    لا يخفى ان العراق يتكون من نسيج جميل، من أقليات عرقية ودينية مختلفة ومن بين هذه المكونات الأرمن، وللمكون الارمني دوراً مميزاً في بناء الدولة العراقية الحديثة، ولهم مساهماتهم في مختلف نواحي الحياة العلمية والصناعية والتجارية والتعليمية. ودفاعهم عن التراب العراقي معروف من خلال الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن ارض العراق .  أما دولة أرمينيا التي تقع في جنوب القوقاز وترتبط بعلاقات طيبة مع العراق ، فمواقفها مشرفة تجاه قضايا العراق ، والقضايا العربية، بل لها مواقفها الايجابية الواضحة تجاه القضية الفلسطينية وحرية الشعب الفلسطيني وبناء دولته المستقلة ، وكانت دائماً مع الحق العربي. ومواقفها من لبنان ومن العراق ومن سوريا وليبيا واضحة ، فقد رفضت الاحتلال التركي للعراق ، وساندة قضية ليبيا ولها موقف داعم للشعب السوري ، بل انها ورغم ظروفها الاقتصادية الحرجة قدمت المساعدات الاقتصادية إلى سوريا ، ولم تتوان في تقديم الدعم المعنوي والفني إلى لبنان في أزمته التي يمر بها، وبالتالي فهم اقرب إلى العرب وقضاياهم. ونرى الاهتمام العربي واضح بتطوير العلاقات مع أرمينيا ، ولك ان تتصور حجم العلاقة الايجابية مع مصر ومع السعودية والامارات والجزائر والاردن . فهل نخسر أرمينيا بثقلها الدولي من اجل أذربيجان، وما هي حجم المكاسب التي يحصل عليها العراق وشعبه اذا كان وقعنا يعبر عن بعض المقاطع التي بثت لبعض الشباب وهم يتوعدون (أرمينيا الكافرة) وفق ما نقله هذا المقطع.
    لا شك ان أرمينيا اكتسبت احترامها بسبب عدم تدخلها بشؤون الدول، وكانت حريصة على تطوير علاقاتها مع العالم العربي، ويرى الساسة الأرمن ان العمق التاريخي لهذه العلاقة يدفعها لتعزيزها بمختلف مناحي الحياة، وبناء علاقات تقوم على اساس الاحترام المشترك، وتحالفات أرمينيا متزنة تهدف إلى الدفاع عن نفسها ولا تشكل تحدي قومي للدول المحيطة بها. فماذا عن أذربيجان؟
         لأذربيجان حلفاء تقليديين منهم تركيا وإسرائيل، وعلاقاتها مع إسرائيل هي علاقات إستراتيجية، غير مرحلية كما عبر عن ذلك رئيس الجمهورية الاذري، ولك أن تتصور حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأذربيجان الذي شمل مختلف مناحي الحياة، ومعروف للجميع حجم التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل. فاسرائيل هي البلد الثاني في حجم التمويل للجيش الاذري بمختلف أنواع السلاح وتقنياته. يقدر بعض الخبراء حجم هذا التبادل العسكري إلى (4) مليار دولار، وهناك خبراء إسرائيليين يشرفون على بعض منظومات القيادة والسيطرة،  وعلاقاتها مع تركيا واضحة للجميع . فماذا تمثل تركيا للعالم العربي ؟ وما هي التحديات التي تواجه علاقاتنا مع تركيا؟ 
    من المعلوم أن تركيا تسيطر على أراضي سورية واسعة ، وكذلك تحتل مناطق واسعة من العراق ، وموقفها من ليبيا واضح وتدعي ان اراضي مصراته وطرابلس في ليبيا جزءاً من التراب التركي، ولديها تواصل وعلاقات تجارية مع اثيوبيا بل ان الشركات التي تمول بناء سد النهضة هي شركات تركية، وكانت لها مواقفها السلبية في تدفق مياه نهري دجلة والفرات إلى العراق وسوريا لتشكيل ضغطاً اقتصادياً على البلدين . وتركيا بكل هذه السلبيات هي حليف  لحكومة أذربيجان التي توصف بالحكومة الاستبدادية بحكم نظام الحكم فيها التي تقوده اسرة علييف . فمع من نكون؟ مع نظم استبدادية تقف بالضد من قضايانا او مع نظم اقرب الينا؟
     في عقد السبعينات والثمانيات من القرن الماضي كانت اليونان تقف مع القضايا العربية، غير ان العرب وقفوا مع تركيا فخسروا اليونان وثقلها الأوربي والدولي ولم يكسبوا تركيا رغم مواقفهم منها. ان تركيا وحلفاءها في المنطقة هي عنصر عدم استقرار واسرائيل تشكل تهديد لنا نحن العرب فمع من نقف؟ علينا ان نحدد أولوياتنا، ونترك العواطف ، فالدولة الكافرة التي وصفها شذاذ الافاق هي التي ساندة الحق العربي ووقفت مع العراق وسوريا ، أما الدولة الإسلامية التي تجاورنا فهي اول الدول التي انتهكت سيادتنا. أتمنى من الحكومة العراقية أن تضع حداً لمثل هذه التصرفات الفردية التي تسيء إلى علاقاتنا الإقليمية والدولية.   
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media