سُرَّ مَنْ سَرَّتْ!!*
    الثلاثاء 18 أغسطس / آب 2020 - 05:44
    د. صادق السامرائي
    سُرّ مَنْ سَرَّتْ وفاقتْ مَجْدَها
    وتَسامَتْ فأراقَتْ وَجْدَها

    مَهْدُ أنْوارِ الألى مِنْها ابْتَدى
    وعلى الآفاقِ مَدّتْ قدّها

    إنَّها كوْنٌ تَهادى وانْتَشى
    وتَماهى بعَذيبٍ وَدَّها

    أيّها الوَلْهانُ للفيْضِ العُلى
    باحَةُ الأمْجادِ شادَتْ بُردَها 

    أزليٌّ بَدْؤها قبْلَ الوَرى
    عَبْقريٌّ قَدْ تَعاطى رَفْدَها

    وَصَلتْ يوْما مُناها للذُرى
    بعُلومٍ وفُنونٍ عِنْدَها

    واثقٌ قادَ رؤاهاَ وابْتنى
    فاسْتزانَتْ وأنالتْ بُدَّها

    خُلفاءٌ عاصَروا في ظِلّها
    نِصْفُ قَرْنٍ ثمَّ زادوا بَعْدَها

    سُرَّ مَنْ راءَ تراءَتْ جَوْهَرا
    لامِعَ النّورِ فأزْهَتْ سَعْدَها 

    غيْرةُ الأجْيالِ مِنْها أبْرَقَتْ
    وبها الواوُ أجادَتْ رَعْدَها

    وعَلا البُنْيانُ فيها ساعِياً
    لتَليدٍ يَتَوَلى خُلْدَها 

    تَتلوّى في رُباها قامَةٌ
    أطْلقتْ رُوحا وأعْيَتْ ضُدَّها

    وقِبابٌ ذاتُ شَمْسٍ أشْرَقَتْ
    جَعَلَتْ شَمْسَ صَباحٍ نِدَّها

    ولها الأيّامُ تَسْعى حُرّةً
    تَتَبارى فأَعالتْ أُسْدَها 

    كمْ تَنثّى العِشْقُ فيها طاهِرا
    بقلوبِ إسْتجابَتْ وَعْدَها
     
    وقُصورٍ وقَريْضٍ خالدٍ
    وَزُهى الْعُمْرانُ أحْيَتْ عِيْدَها

    بُرْكَةٌ وسْناءُ مِنْ رَوْعِ البُنى
    يَتَغنّى الماءُ فيها وَحْدَها

    بُحْتَريٌّ بَعْدَ تمّامٍ أتى
    يتباهى مُسْتَجِلاًّ عَهْدها

    سرَّ مَنْ راءَ سَتَبْقى دُرّةً
    وبها الأجْيالُ عافَتْ غِمْدَها 

    إنَّها إنّا وإنّا قلبُها
    وعلى الآفاقِ أرْسَتْ أيْدَها !!

    يَتَبدّى الضَّوْءُ فيها ساطِعا
    وبهِ الأَشْهادُ بثّتْ وَقْدَها

     لنْ ينالَ السوءُ مِنْها مَغْنَما
    إنّها تَحْيا وتَنْخى جِدَّها!!

    بهْجَةُ الأكْوانِ في سِحْرِ الرُّؤى
    بِعُلاها اسْتضافَتْ  رُشْدَها 

    رَتِّلَ القرآنَ خَفّاقٌ هَفى
     لمُريدٍ كمْ حَباها قَصْدَها

    فلسانُ الأرْض فتّانُ الشَّذى
    وسرورُ النّفْس أذْكى حَمْدَها

    إنْ أفاضَتْ مِنْ أريْج المُنْتَهى
    بتُقاها اسْتثارَتْ زُهْدَها
     
    قلبُ بَطْحاءٍ بخَيْرٍ نابضٌ
    يَبْعثُ الأطيابَ يَرْعى  وَرْدَها

    بَيْرَقُ الأرْض بكوْنٍ صاخِبٍ
    يَتهادى مُسْتَعدّا نَجدَها

    إنّ أيْقونَ الثرى في صَدْرها
    فامْسَحِ الترْبَ وقبّلْ خدّها

    أدْرَكَ الإنسانُ مَعْنى إنّها
    فأتاها مُسْتَطيبا شَهْدَها

    سُرَّ مَنْ راءَ تنامى خَيْرُها
    فرَوَتْ أرْضا وأحْيَتْ صُعْدَها

    وُلِدَ المُعتز فيها وابْنُهُ
    ورُبى  البأْسِ أعزّتْ بَجْدَها

    بُرْكةٌ حسناءُ أغْراها الجَّوى
    فتشادَتْ وتهادى مَيْدَها

    آنِساتٌ باهِياتٌ راقَصَتْ
    روحَ مَلهوفٍ وألوَتْ جِيدَها

    حَضَرَ التأريْخُ والسِّفرُ ارْتَوى
    مِنْ عبيقٍ يَتَمنّى غِيدَها

    "جادك الغيث إذا الغيث همى"
    مِنْ هنا جاءَتْ فأغْوَتْ نَضْدَها

    يا لظى الأشْواق في جَفْنِ الكَرى
    أطْعَمَ الليلُ قلوبا سُهْدَها

    فتَعَلمْ كيفَ تحيا شامِخا
    وأبيّا مُسْتَجيرا صِيْدَها

    يا قُصورا فارِهاتاً اخْتَفَتْ
    سَكَبَ الدَّهْرُ عليْها وَعْدَها

    واشْتَكى مِنْها خَليقٌ بائِسٌ
    حَطّمَ الأغْلالَ أوْهى سَدَّها

    إنْطوى عَهْدٌ جَميْلٌ باهِرٌ
    نَفَثَتْ فيهِ عُهودٌ كَيْدّها

    عاشقٌ أضْنى التياعا لاهِبا
    فَبَنى قَصْرا نظيرا رُؤْدَها

    يا حَماما ساجِعا بَيْنَ الرُّبى
    ما لوَرْقاءٍ أغاضَتْ حَشْدَها

    وعَصافيرا لأيكٍ سامَرَتْ
    زَقزَقَتْ حتّى أخافَتْ صَيْدَها

    والقَطى جَمْعٌ لهوفٌ صاديٌّ
    يَتَهافى مُسْتَبيْحاً وِردَها


    غابَةُ الأجْدادِ لمّا أيْنَعَتْ
    إسْتطابَتْ وأدامَتْ رَغْدَها

    يازمانَ الوَصْلِ هَلاّ واصَلَتْ
    جَنّةُ الكوْنِ فأغْنَتْ جُودَها

    سُرّ مَن قالتْ فرُصّوا جَمْعها
    كُلّنا إنّا ونَبْقى جُندَها

    وبلادٌ مِنْ ثَراها أشْرَقَتْ
    وتَوارَتْ حينَ قاسَتْ فَقْدّها!!

    رايةُ الأجْيالِ نِبْراسُ المُنى
    رَفْرَفَتْ أعْلى وأوْرَتْ زِنْدَها

    هذه الدّنيا تراءَتْ أمّةً
    وخَليقٌ ما أصانَتْ عِقْدَها

    سُرَّ مَنْ راءَ أرادَتْ ضَمّها
    والسّجايا إسْتَدامَتْ رَصْدَها

    دَوْحَةُ الإيْمانِ فيها أوْرَقَتْ
    وتَوالتْ وأَعانَتْ وفْدّها

    وحْدَةُ الدّينِ أضاءَتْ سَعْيَها
    وبها الأيّامُ حَفّتْ جُهْدَها

    بإمامٍ يَتسامى إسْمُها
    خالدُ المَجْدِ فزادَتْ وَخْدَها

    وَرِعٌ هاديُّها نحوَ التُّقى
    فاسْتقامَتْ وأصابَتْ ردَّها 

    أيّها الجِّدُ المُزكّى بالهُدى
    إسْتَعِدْها إنْ أرادوا وَأدَها!!

    بَلغَتْ شأوا عَليّاً ذارياً
    سامِقَ الزَّهْوِ فجازَتْ بُغدَها

    يَتَوَشّى بضياءٍ صُبْحُها
    من أريجِ الرّوحِ صاغَتْ نُشْدَها

    أوْدَعَتْ كوْنا بذاتٍ مُطلَقٍ
    برُباها ما أضامَتْ فَرْدَها

    سرَّ مَن سرّت وقادَتْ أمّةً
    أحْيَتِ الدُنيا وصانَتْ ذودَها

    مَرْفأ الإشراقِ والنَّبعِ السَّنا
    بزغَتْ شَمْسٌ ونالتْ رأدَها

    واعِدا أضْحى الزّمانُ دائِما
    بوليدٍ مُسْتلذاً مَهْدَها

    فتَعالتْ بفَضاءٍ سَرْمدٍ
    ما تَردّتْ وأعزّتْ وهْدَها 

    سَمَقَتْ في حُلّةٍ  مِنْ قدْرةٍ
    جَعَلتْ مَجْدَ تُرابٍ عَبْدَها

    عاصِمُ الحقِّ وَثوُبٌ حازمٌ
    مَن بَناها وكساها طوْدَها
     
    هبَّ نجّادا غيورا فاتحا
    علّمَ الأعداءَ درْسا بَدَّها

    واوهُ السيفُ وقرطاسٌ خَبى
    وإذا النجمُ أباحتْ هَدَّها

    كذَبَتْ أقوال قوْمٍ نَجَّموا
    قوةُ الإيمانِ عزّتْ وِلدَها

    هذه الأجيالُ مِنْ جيلِ الذّرى
    ما توانَتْ وأعادَتْ عَضْدَها

    أمّةٌ تبقى وشَعْبٌ خالدٌ
    نَهْرُ إصْرارٍ أتاها مَدَّها

    فتحيّاتي لأرْضٍ أطلَقتْ
    نورَ أنوارٍ أضاءَتْ مُزْدَهى

    د-صادق السامرائي
    582020

    *ألحَّ عليَّ صديقي الفنان أبو الهدى والإيمان أن أكتب قصيدة عن سامراء , فترددتُ كثيرا لكنه أمعن بإلحاحه لغاية في نفسه , فكتبتُ قصائد دون العشرين بيتا , فأهملتها , وتواصلت مَلحتهُ , وقلتُ له لن ترضيَني بضعة أبياتٍ عن سامراء , لأن ما أعرفه عنها سيندلق على الورق ولن يتوقف , فأصرَّ على أن تكون قصيدة قصيرة , وعندما إستجبتُ وجدتني أنسكب بتدفق عارم , تجشمتُ جهدا لإيقافه , فيا صديقي ورطتني بهذه المطولة التي تركتها على غاربها , فإختَرْ منها ما تريد وأنجز غايتك!!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media