ملخص دراسة عن الاطار المعياري الذي يحدد تصرفات وسلوك الفرد العراقي
    السبت 19 سبتمبر / أيلول 2020 - 15:08
    أ. د. عبد علي سفيح
    مستشار وباحث لوزارة التربية والتعليم الفرنسية
    يشغلنا المآل الذي صرنا عليه كعراقيين، لماذا هذه الاتجاهات الحضرية والابداعيات الفكرية والعلمية والثقافية تراجعت؟
    تشتت الطاقات، وغياب الرؤية المشتركة، والافتقار الى ادارة حكيمة، جعل العراق بأكمله ينتظر رجل مخلص.
    اذا عثرنا على الأسباب الجذرية التي أدت الى النمو والنهضة،في بدايات القرن الماضي، حينها يمكننا أن نحدد الأسباب التي أدت الى التخلف والهدم.
    لتجنب هذه الانجرافات، سيكون البدء منذ البداية،هو تحديد العناصر التي تشكل أساس الرؤية العراقية وأولوية التصورات النمطية الفكرية. كذلك اكشاف المشترك بين أنماط الفهم عند العراقيين والكشف عن العناصر التي تحدد الأولويات في الحكم على الظواهر والأحداث  التي تحيط به.
    إن السلوكيات والعقلانية كانت العامل الرئيسي في التنمية والتطور. ومن أشهر مراكز البحوث للدراسات المتقدمة للسلوكيات في أمريكا هي جامعة ستانفورد. سلوكيات النخب الحاكمة استطاعت أن تحرر المجتمع العراقي من محتواه الاجتماعي دون أن تقطع جذوره الثقافية، مما ولدت هذه السلوكيات الى بناء  ٌ مجتمع الثقة  ٌ.
    في هذه الدراسة انتقينا عينتين بحثيتين من داخل وخارج العراق. العينة الأولى متجانسة تمثل 30 شخصية عراقية من النخب التي تملك تجربة مهنية ، والعينة الثانية غير متجانسة وتتكون من 30 شخصية. طرحنا على العينتين السؤال التالي: ما هو سر الحداثة والنهضة الفكرية والأدبية والسياسية والثقافية والعلمية في العراق من 1921 الى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، ليس وجود البترول سببا لأنه اكتشف حديثا، ولا وجود مفكرين وفلاسفة النور كما حدث في أوربا؟
    جمعت البيانات وصنفت حسب سلم الأولوية للقيم والتصورات النمطية، واستنتجنا ما يلي:
    الازمة التي يعاني منها الفرد والمجتمع العراقي بأكمله، والتي تحدد قيم وأنماط الفكر الفردي والجمعي العراقي هي  ٌ ازمة الثقة  ٌ بين الحاكم والمحكوم.
    يجب أن نذكر أولا أن العراق ليس مملكة الثقة والتاريخ يشهد على ذلك. هذه ليست حالة ازمة بقدر ما أن تكون حالة روح دائمة، نرى العراقي غير راض ومتشائم ويضج بالشكوى دائما. قد نشترك مع الفرنسيين في هذه الصفة حين قال الجنرال شارل ديغول كيف تحكم شعب له 350 نوع من الأجبان؟ نحن كذلك ممكن أن نقول، كيف تحكم العراق ولديه 600 نوع من التمور؟
    يشكوا العراقيون ليس لأنهم غير سعداء، بل لأن لدى العراقيين شغف المناقشة والمثالية حتى الجدل.
    كذلك العراقيون يعانون من المقارنة. ليست المقارنة بالشعوب التي تحيط بهم، بل يقارنون بأنفسهم مع أنفسهم. يقارنون حاضرهم مع ماضيهم. هذه الحالة مصدرها حسب اعتقادنا، عقلانية العقل العراقي التي ورثها من تاريخه حيث كان يسمى العراق ببلد الرأي، اما الحجاز وكذلك أهل الشام كانوا يمثلون أهل الحديث والنقل. هذا العقل لا يوحد لأنه يشجع على الشك والنقد والمقارنة.
    كذلك العراقي يعاني من الدولة العالمية أو الامبراطورية. يعيش في خياله العراق العظيم، بابل بوابة الآلهة، والكوفة عاصمة العالم الاسلامي، وبغداد حاضرة العالم، وحتى الشعوب الأخرى اتخذوا من العراق عواصم لهم مثلا الفرس اتخذوا من المدائن عاصمة لهم، وعرب الجزيرة اتخذوا من الكوفة عاصمة لهم بدلا عن المدينة المنورة.مثل هذه الظواهر لم تحدث في التاريخ، لم يتخذ الاغريق عاصمة لهم بدلا عن أثينا، ولا الرومان اتخذوا عاصمة لهم بدلا عن روما، ولا العثمانيون بدلا عن اسطنبول، ولا الانكليز بدلا عن لندن. 
    اما الازمة الاجتماعية، والازمة السياسية، وازمة التواصل، هذه الازمات الثلاث،تتعايش في العراق ويبدو في النهاية انها تحافظ على علاقات معقدة للغاية. لا يمكن أن يكون هناك تواصل سياسي عند وجود فقدان الثقة الاجتماعية. العراقي ينتخب لمن يوليه الثقة، فعند ذهابه الى صناديق الاقتراع، عقيدته الطائفية تنتخب على حد قول الأستاذ حسن العلوي، او ولائه القبلي وان لم يكن المنتخب جديراً بالمسؤولية.
    لقد عبر العراقيون عن الازمة السياسية بظاهرة الفساد. فهي ليست ظاهرة جديدة لكنها شهدت مؤخرا في العراق حجما معينا بزيادة شجب الفضائح السياسية ووسع مساحة التغطية الاعلامية وتنديد منظمات المجتمع المدني لهذه الفضائح التي تورط فيها مسؤولون كبار في الدولة منذ 15 سنة الى مستوى لا مثيل له.اللافت للنظر، لوقت قريب لايبدو أن الآثار الاجتماعية والسياسية لهذه الاتهامات لها آثار جذرية على صورة الفاعلين السياسيين، بل وحتى على نتائج الانتخابات السابقة.
    لقد وجدنا هناك تقاطعاً وتعارضاً بين القيم التي يؤمن بها أفراد السلطة، والقيم التي يحكم على ضوءها المواطنون. الحكام وأفراد السلطة يرون أن هذه الممارسات لا تفسد السياسة ولا تمزق النسيج الاجتماعي، بل تعمل على حفظ التماسك للنظام والمجتمع وحفظ الدولة من الانهيار التام. بل أصحاب السلطة يؤخذون على المواطنين بأنهم هم الذين لا يحترمون القيم التي تؤدي الى تقوية الدولة واحترام القانون، على سبيل المثال، اخذ الكهرباء والماء بطرق غير قانونية. أي هناك تقاطع بين اللوائح القيمية للسياسيين مع اللوائح القيمية للمواطنين. سلم القيم يكشف المسافة بين المسؤولين السياسيين والمواطنين. 

    من فرنسا، د. عبد علي سفيح 


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media