الصعاليك كعنوان الى صحيفة الكترونية؟
    السبت 23 يناير / كانون الثاني 2021 - 05:12
    د. مجيد القيسي
    الصعالك او الصعاليك في اللغة العربية هم الفقراء. ولكنّ المصطلح يحمل معنىً مزدوجاً، فصعاليك العرب، كما في المنجد، "لصوصهم و فقراؤهم" وهو يشابه في معناه الى حد ما ما ورد في اللغات الأجنبيّة مثل الألمانية "الند"والأنكليزية " ميزري" والفرنسية " ميزير". ومعانيها في تلك اللغاة لاتذهب بعيدا عن المعنى العربي القديم لكلمة "صعاليك": البؤس، الشقاء والتعاسة، كما أنها لا تخلو عن المعاني السلبية المتداولة في اللغاة المذكورة. ويطلق هذا المصطلح عموما على الشرائح الأجتماعية التي يسودها الفقر والمجاعة والتي هي عرضة للأضطهاد والأستضعاف والأستغلال في المفهوم السياسي. ومن بين تلك الشرائح تنبثق الثورات أحيانا.   
                                                                          
     وفيما يتعلق بمصطلح الصعاليك باللغة العربية فأنه تأريخيا مرتبط بحقبة زمنية سبقت ظهور الأسلام وهي الفترة التي يطلق عليها " الجاهلية". 

    ففي هذْه الحقبة كان الصراع بين القبائل العربية على اوجه بسبب التحديات الأقتصادية والأجتماعية.  صراع بين طبقة التجار والأغنياء من جهة وبين الفقراء والمعدمين من جهة اخرى. كل تلك التناقضات تجري في فضاء مفعم بالعصبية والحروب وما يترتب عليها من نتائج سلبية. تلك هي حياة الصحراء في ذلك الزمان فرضت أن تكون أرزاق بعض الناس فوق رؤس رماحهم. فلم تكن القوافل التجارية بمأمن من هجمات جماعة مقاتلة عرفت تاريخيا وأدبيا ب "الصعاليك" ، التي كان لها فرسانها وشعراؤها وأتباعها الذين تقاسمهم الأرزاق. ومن شعرائها عروه بن الورد العبسي ت596 الذي قتل في احدى غزواتة . وهو شاعر خلده الأدب العربي، وله ديوان جمعه وشرحه أبن السكيت. الاّ أن نشاط الصعاليك وغاراتهم توقفت بعد ظهور الأسلام الذي جاء بنظام اجتماعي جديد مغاير الى حد كبير الى نظام الجاهلية . فالنظام الجديد لا يتوقف عند العقيدة الدينية فقط، بل جاء بقيم روحية واجتماعية وانسانية كانت عنصر جذب لكثير من المعذبين والمستضعفين. فاقترب الصعاليك وغيرهم من النظام الجديد الذي دعا الى تحرير العبيد واستحداث نظام الزكاة وضرائب أخرى تمنح للفقراء وغيرها من مشاريع التعاون والتكافل للصالح العام مثل الميراث وتحريم الربا.  هكذا تدريجيا توقف نشاط الصعاليك ،فوجدوا لهم مواقع  ضمن حركة النظام الجديد. والحقيقة ان الكثير من المصطلحات   قد تتغير او تفقد دلالتها أومعناها في حقبة أخرى. فقد كانت النظرة اليهم من قبل الأغنياء والتجار نظرة سلبية بحتة. وهذه النظرة لاتزال تطلق بقلة بدون حق او مناسبة على بعض الفقراء. ومن الجدير بالذكر هنا الأشارة الى الصحابي أبي ذر الغفاري ت 32هـ 652 الذي كان يحرض على الثورة والأحتجاج والمقاومة: "عجبي على امرئ يأوي الى داره ولايجد طعاماً ولايشهر سيفه ضد الناس" المتسببين في جوعه. و كان لأبي ذر مساجلات حادة مع الخلفاء والولاة ومواقف رائعة اتسمت بالشجاعة والنقد اللاذع والمباشرفي مجالس السلطان.  أما اذا استخدمنا هذا المصطلح اليوم  يبدو للكثيرين غريبا.  فهو لا يترجم بالضبط ما نفكر به أو نتمناه سوى هدف واحد: وهو " الأستفزاز" أو  "التحريض" على النهوض للتغلب على الواقع المرير. والسؤال هنا محيّر حقا. هل نحرض هنا في مصابنا الفقراء والجياع؟ خاصة وان الكثير منهم أغراهم حب المال فاختاروا لهم مواقع أخرى تتناقض مع معتقداتهم أو رضوا بما هم عليه. مع ذلك يظل التحريض ضد أي حكم فاسد مهما كانت واجهته وسيلة مبررة لحث الجماهير على الأنتفاضة والمطالبة بحقوقها وبمفاهيم أكثر وضوحاً،  وفي هذا المنحى سعى الجواهري في أكثر قصائده مثل "تنويمة الجياع" المفعمة بالسخرية من الخدر والنوم العميق والهروب عن المسؤلية والواجب النضالي تجنبا للمشاكل وحباً للسلامة. ودعوته  تهدف الى انتزاع الرزق والخروج من المستنقع والأنضمام الى صفوف المنتفضين وعدم تركهم هدفاً للرماة والفاسدين

    إنّ الحياةَ معاناةٌ وتضحيةٌ   حبّ السلامةِ فيها أرذل السبل
    وقال ساخراً: نامي وخلي الناهضين لوحدهم هدف الروامي
    نامي جياع الشعب نامي       حرستك آلهة الطعام 

    مجيد القيسي
    برلين/ 20/1/2021 

    رابط صحيفة "صوت الصعاليك" العراقية:
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media