بين شروط مصر ونفوذ إيران.. هل تعود العلاقة بين القاهرة وطهران؟
    الجمعة 22 أكتوبر / تشرين الأول 2021 - 16:18
    [[article_title_text]]
    (الحرة) دبي: نهى محمود - في غضون أسبوع كانت مصر وإيران محور تصريحات مسؤولين كبار ودبلوماسيين بشأن تحسين العلاقة الحالية بينهما بغرض تطويرها، وهذا ما ورد على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده والمسؤول بها مير مسعود حسينيان.

    وجاءت هذه التعليقات قبيل اتصال هاتفي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مؤخرا، قالت رويترز نقلا عن الحكومة الألمانية، إنه تناول الملف النووي الإيراني. 

    ويتحدث محللون لموقع "الحرة" عما وصفوه بـ"نوافذ اتصالات مفتوحة" بين القاهرة وطهران، بعد لقاء في سبتمبر الماضي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحادثات قصيرة في بغداد، أكدتها طهران، بين وزيري الخارجية المصري والإيراني، في أغسطس الماضي، على هامش مؤتمر الجوار العراقي.

    يصف مدير المركز العربي للبحوث والدراسات والباحث في الشأن الإيراني، هاني سليمان، التصريحات الإيرانية الأخيرة بأنها "محاولة لمغازلة مصر".

    وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قطعت إثر توقيع القاهرة معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

    ويربط سليمان بين التصريحات الإيرانية بشأن مصر وبدء المحادثات المستمرة بين كل من طهران والرياض، في محاولة لإعادة العلاقات المقطوعة بينهما منذ 2016.

    اهتمام "رئيسي"
    وأوضح قائلا لموقع "الحرة": "هذه إحدى الخطوات الإيجابية لمحاولة إعادة العلاقات مع السعودية (...) على أساس أنها تشكل نوعا من الأمل في وجود حد أدنى من التوافقات والتهدئة الموجودة بين الطرفين".

    ويتفق المحلل السياسي الإيراني حسين رويوران مع ذلك، قائلا لموقع "الحرة" إن التصريحات الإيرانية الأخيرة عن مصر تأتي ضمن إطار المحادثات مع السعودية، والنشاطات الإقليمية لوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

    وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك، نقلت وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية عن وزير الخارجية، خلال لقاء جمعه و"وزراء خارجية وممثلين كبار" لدول بينها مصر والسعودية، قوله: "تعزيز وتطوير العلاقات مع الجيران والمنطقة يأتي على رأس أولويات الحكومة الجديدة لجمهورية إيران الإسلامية".

    وبعد أداء اليمين الدستورية، في أغسطس الماضي، قال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إنه سيمد "يد الصداقة والأخوة" لدول الجوار. 

    وفي هذا السياق، يقول رويوران إن رئيسي، منذ انتخابه رئيسا لإيران، في يونيو الماضي، "يولي أهمية للسياسة الخارجية الإقليمية مقارنة بالدولية، لبناء علاقات إيجابية وتبادل تجاري". 

    دول النفوذ الإيراني
    كما يربط سليمان بين تصريحات طهران ومحاولة مصر وتركيا إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها بالقول: "في مرحلة انتقالية يعاد فيها تشكيل التوازنات والتحالفات الموجودة في المنطقة".

    ويرى سليمان أن توقيت ومستوى التصريح الإيراني "يؤكد على مباحثات جارية بين الجانبين المصري والإيراني مؤخرا، وفتح نافذة لتقارب وجهات النظر مع القاهرة لما لها من ثقل في معادلة نمو العلاقات في منطقة الشرق الأوسط".

    ويعتقد سليمان أن هذا الانفتاح المصري، على حد وصفه، ناتج عن "سياسات خارجية مصرية قوية حريصة على التقارب مع دول المشرق العربي العراق والأردن ولبنان وسوريا (حيث تقع بالقرب من إيران)"، مشيرا إلى أن إيران تحظى بنفوذ كبير في بعض هذه الدول.

    وخلال سبتمبر الماضي، توصل الأردن ولبنان وسوريا ومصر إلى اتفاق على توصيل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان، عن طريق سوريا، باستخدام خط أنابيب أقيم منذ حوالي 20 عاما في مشروع للتعاون العربي.

    كما تتحالف مصر مع الأردن والعراق في تكتل جديد يهدف إلى التعاون الاقتصادي والأمني والتجاري، كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الاقتصادية المشتركة.

    وينظر إلى هذا التكتل الثلاثي على أنه محاولة لتقريب العراق من محيطه العربي بعيدا عن إيران التي تدعم فصائل مسلحة في العراق، وقد تخسر بعضا من عوائد تصديرها الكهرباء والغاز إلى بغداد.

    لكن رويوران يستبعد ذلك، قائلا: "العراق بحاجة إلى كهرباء، وإيران لا تستطيع أساسا أن تمنح العراق ما يحتاجه من كهرباء".

    وأضاف "من الطبيعي جدا أن يذهب العراق إلى مصادر جديدة لتوفير الكهرباء، أو إلى التعاون الاقتصادي مع بعض الدول العربية، ولا يؤثر ذلك على علاقات إيران المميزة بالعراق".

    وتابع "يوجد وضع خاص لإيران في العراق وكذلك علاقاتها على جميع المستويات هناك، وذلك بسبب المشتركات الثقافية والتاريخية والدينية، ولذا إيران لا تشعر بأي خوف من علاقات العراق الإقليمية أو مع الجوار العربي".

    ماذا تريد إيران؟
    وكانت أعربت إيران أكثر من مرة عن تطلعها لتطبيع العلاقات مع مصر، منذ 11 فبراير 2011، حين أطيح بالرئيس الراحل حسني مبارك الذي كثيرا ما انتقد وزراء خارجيته إيران وحلفاءها في العالم العربي.

    وفي أول زيارة يقوم بها رئيس مصري لإيران منذ عام 1979، زار الرئيس الراحل محمد مرسي طهران التي كانت تستضيف حينها القمة الـ16 لدول عدم الانحياز.

    ويقول سليمان إن إيران تنظر إلى مصر باعتبارها أحد أهم الدول المركزية في المنطقة والإقليم، وقد تكون بوابة لحل العديد من الأزمات والتواصل مع بعض الأطراف، فضلا عن التقارب في بعض وجهات النظر والتفاهمات على المستوى السياسي.

    ويتابع: "ومع الأخذ في الاعتبار أن القاهرة حليفة للولايات المتحدة والدول الغربية في الشرق الأوسط، ينظر إلى تصريحات طهران الأخيرة على أنها محاولة لإدارة العلاقات الإيرانية مع بعض الدول الكبرى، واعتبار مصر مكسب كبير في هذا السياق".

    كما يشير سليمان إلى ما وصفها بتطلعات إيران على المستويين الفكري والديني، وخاصة فيما يتعلق بتشجيع المد الشيعي في مصر.

    وفي 2013، انعقد أول اجتماع في القاهرة بين رئيس إيران، أكبر دولة شيعية، وبين قادة الأزهر، المؤسسة السنية الكبرى في العالم الإسلامي.

    وخلال اللقاء، أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد "رفضه المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة".

    وبحسب سليمان، فقد "حاولت إيران أكثر من مرة نشر المذهب الشيعي في المجتمع المصري (...) لكن لاعتبارات أمنية مختلفة لم تنجح هذه المحاولات.

    وأضاف "تظل هذه النقطة أحد عوائق عودة العلاقات، بينما يتواصل التطلع الإيراني لتشجيع المد الشيعي في مصر".

    إلا أن رويوران يقول ردا على ذلك:"لا علاقة لإيران بتشجيع المد الشيعي في مصر، فطهران ليس لها أي وجود سياسي أو فكري أو ثقافي في القاهرة، والتشيع هو قضية داخلية مصرية".

    أهداف مصر 
    يتحدث سليمان عن "بعض الثوابت المصرية" في العلاقات مع إيران، وهي تلك القائمة على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول مثل العراق وسوريا ودول الخليج واليمن ومصر، والتوقف عن تشجيع المد الشيعي، وتصدير الثورة الإيرانية.

    وأضاف "هذه بعض التحفظات المصرية على العلاقات مع إيران، لكن تظل بعض المطالب الأخرى غير معلنة؛ فالممارسات الإيرانية على المستوى غير الرسمي تختلف عن مواقفها الدبلوماسية".

    وفي 2018، برز مقترح لتشكيل تكتل إقليمي ليكون نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو (ناتو عربي) لمواجهة نفوذ إيران، لكن مصر انسحبت من المقترح، وفقا لمصادر تحدثت إلى رويترز ، الأمر الذي رحبت به إيران حينذاك.

    كما حرصت مصر على ألا تتدخل بشكل مباشر في التحالف الذي قادته السعودية للحرب في اليمن، حيث يحارب الحوثيين، المدعومين من إيران، الحكومة التي تحظى بشرعية دولية، والمدعومة من الرياض.

    وعلى هذا الأساس، يشيد سليمان بالسياسة الخارجية المصرية تجاه إيران وحرصها على ألا تكون طرفا غير محايد في الأزمات التي تمر بها المنطقة، قائلا: "أعتقد أن مصر لا ترى إيران عدوا مباشرا، ولكنها أيضا لا تنظر إليها كصديق، فما يربطهما علاقات حذرة".

    لكنه عاد ليقول: "هذا لا يعني أن تتخلى مصر عن الثوابت العربية، فهي مدافع كبير عن القضايا العربية ضد السلوكيات الإيرانية تجاه دول الخليج ودور طهران في أزمات بالمنطقة".

    وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تناول كل من السيسي وميركل، في اتصال هاتفي بينهما، الملف النووي الإيراني، الأمر الذي بدا وكأنه دخيلا على الملفات التي اعتاد الطرفان على مناقشتها.

    إلا أن سليمان يقول إن المحادثات "لا تنحصر بالملف النووي لكنها تمتد إلى نفوذ إيران داخل دول بعينها في الشرق الأوسط، ودعمها للميليشيات".

    ومن هنا يرى سليمان أهمية اشتراط أي فرص للتواصل وتوطيد العلاقات مع إيران بتغيير سلوكها وسياساتها تجاه بعض الدول.

    بينما يصف رويوران الحديث عن النفوذ الإيراني في المنطقة بأنه "غير معقول"، قائلا: "كل الدول تبحث عن نفوذ، بما في ذلك مصر. وهذا أمر معتاد في السياسة الخارجية، ولا أتصور طرحه كشرط لعودة العلاقات".

    ماذا بعد؟
    يقول سليمان إن فرصة عودة العلاقات بين الدولتين قائمة طوال الوقت، قائلا إن مصر بإمكانها الدخول في علاقات "محددة الأهداف، ووفق أطر وضمانات معينة" مع إيران.

    وبالرغم من ذلك، عاد ليقول: "الكرة بالأساس في الملعب الإيراني لأنها الطرف المعني بتغيير سياساته وإعطاء مساحة لحسن الظن وبدء علاقات رشيدة".

    غير أن رويوران لا يرى ذلك، قائلا إن العائق في طريق عودة العلاقات هي مصر "بسبب السياسات التي تحكم السياسة الخارجية المصرية، أما إيران فلطالما طالبت القاهرة بإعادة العلاقات".

    وكانت حدة الخلاف بين البلدين تصاعدت حين أطلقت إيران اسم خالد الإسلامبولي، الذي اغتال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981، على أحد الشوارع في طهران. ثم عادت لتنفرج قليلا عام 2004 حينما أعلنت طهران استعدادها لتغيير اسم الشارع، لكن لم يتم ذلك بعد.

    ويقول رويوران: "يمكن تغيير اسم الشارع، وسبق أن تجاوبت إيران مع ذلك، لكن ذلك لا يمنع من أن الإرادة المصرية لعودة العلاقات غير موجودة".

    ويعيد سليمان الربط بين نجاح المحادثات الحالية بين إيران والسعودية، وبين فرص لعودة العلاقات بين طهران والقاهرة. 

    وفي المقابل، يقول رويوران إن إيران تحاول بناء علاقة مع جميع دول المنطقة على أساس إيديولوجي "بعبارة أدق؛ على أساس وحدة العالم الإسلامي".

    وأضاف "هذا هو هدف السياسية الخارجية الإيرانية، مما يخلق وضعا جديدا داخل العالم الإسلامي لكي يتأثر بشكل أقل بالعقوبات الغربية".

    وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وأعاد فرض عقوبات أميركية صارمة على طهران.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media