(الحلقة الثالثة) شيء من النقد.. هل حَوّلَ النّبيُّ الشّعرَ الجاهليَّ إلى آياتٍ قرآنيّة؟ تحليل نقدي لغوي لنص مدسوس على امرئ القيس
    الخميس 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2021 - 13:11
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    البيت الثاني:
    (مر بي يوم العيد في زينة/ فرماني فتعالى فعقر)
    أولا: أين الشعر؟ الوزن مختلّ، لا شاعرية فيه، بل لا معنى له، بل يناقض البيت الذي سبقه. ففي البيت الأول كان انشقاق القمر، وفي هذا البيت كان النهار، نهار عيد، ولا أدري أي نهار يظهر فيه القمر، منشقا أم غير منشقّ. ثم ظهر الغزال (في زينة) فرمى الشاعرَ، بماذا رماه؟ لا ندري. ثم هو يتعالى، أي يتكبر، لماذا هذا التكبر في ساعة الموعد الذي حان بانشقاق القمر ونزول ذلك الغزال؟ 
    إنه لمن الواضح أنّ الذي دسّ النص في شعر امرئ القيس كان قد رأى (فتعاطى فعقر) في الآية التي تتحدث عن عقر ناقة النبي صالح (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)(سورة القمر 29) فحوّل (تعاطى فعقر) بمعنى تشارك مع غيره في عقر الناقة، إلى (تعالى فعقر) أي تكبر عليه ذلك الغزال. ولم يجد كاتب النص حرجا من إلصاق كلمة (تعالى) بنص لا يلائمها ولا تلائمه، من أجل أن يقول إن القرآن أخذ هذا وجعله من آياته!!
    حسنا فلنسلم جدلا أنّ الغزال تكبر عليه، فكيف نفهم (فعقر)؟ لأن (عقر) تحوج السامعين إلى التساؤل عما عقره ذلك الغزال؟ وامرؤ القيس، وأيّ عربي آخر في تلك الفترة يعرف أن (عقر) جاء في قولهم: عقر فلانٌ دابته أي قطع قوائمها بالسيف. فماذا عقر ذلك الغزال؟ ولا شكّ في أن (فعقر) هذه قلقلت عظام امرئ القيس في قبره، أو ما تبقى من تلك العظام حين دسّ الدسّاسون ذلك النص في شعره.
    كم أنت مسكين يا امرأ القيس!
    البيت الثالث
    أما قوله: (بسهام من لحظ فاتك/ فزّعني كهشيم المحتضر).
    فبغض النظر عن الناحية الفنية والخلل العروضي في هذا الكلام، فإن المحتضر هنا خطأ، والصحيح المحتظر، بالظاء لا بالضاد، وورد في الآية (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)(سورة القمر 31) ومعناه، حسب المفسرين: الأغصان تُعمل منها حظيرة الغنم فتيبس وتتهشم، فما وجه الشبه بين (فزّعني) وهشيم المحتظر؟ ثم إن استعمال (فزّعني) هنا خطأ فادح، فمعناه: أزال عنّي الفزع كما في الآية (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ)(سورة سبأ 23) وهو يريد أن الغزال (أفزعه) أي سبّب له الفزع، بمعنى: أخافه وأرعبه. 
    وعلى فرض أنه قال (أفزعني) أو أنّه قصد ذلك ولكنه أخطأ التعبير، فهل سمعتم أن الفزع يصيب الأغصان؟ أو أن سياج حظيرة الغنم يصيبه الفزع؟ لو كان قد قال جعلني أو صيّرني كالأغصان التي تُصنع منها حظيرة الغنم، مثلا، لقلنا لا بأس، اتضح التشبيه كقول (شاعر) آخر: رَمَتْنِي كقشر الباذنجان.
     ثمّ ما الشيء الذي أفزعه؟
    إذا كان قد قصد السهام، أو كان قد قصد العين، فعليه أن يقول: أفزعتني، فالسهام جمع تكسير تعامل معاملة المؤنث، والعين مؤنثة، ثمّ لأنه بحاجة إلى نون قبل الياء في المقصدين معا.
    نظرة امرئ القيس للمرأة لا يمكن أن تقوده إلى التعبير عن الفزع منها أو من عينيها. ثم إن عادة الشعراء قد جرت على التغزل بسهام لحاظ من يحبون، أفلا ينظر كاتب المقال إلى قول ابن الرومي، مثلا:
    نظرتْ فأقصدتِ الفؤادَ بطرفـهـا
    ثم انثنتْ عني فكدتُ أهيمُ
    ويلاهُ إنْ نظرتْ وإنْ هي أعرضتْ
    وقعُ السهام ونزعهنّ أليمُ
    فأقصدت: أي، إنّ عينيها ارسلتا سهامهما لفؤاده. تعبير مجازي بطبيعة الحال.
     أو قول ابن كلدة:
    أشارت بطرف العين خيفة أهلها
    إشارة محــزونِ ولم تتكلَّمِ
    فأيقنتُ أن الطرف قد قال مرحبًا
    وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيَّم
    ولكن ذاك الدسّاس العجيب تصيبه تلك السهام أو ذلك اللحظ بالفزع !! فأي حب هذا الذي يسبب الفزع؟ 
    ثم يقولون لكم ولنا: إنه شعر امرئ القيس أخذه النبي وجعله آيات في القرآن؟

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media