(الحلقة الرابعة) شيء من النقد.. هل حَوّلَ النّبيُّ الشّعرَ الجاهليَّ إلى آياتٍ قرآنيّة؟ تحليل نقدي لغوي لنص مدسوس على امرئ القيس
    الجمعة 26 نوفمبر / تشرين الثاني 2021 - 16:05
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    البيت الرابع:
    قوله: (بالضحى والليل من طرته/ فرقه ذا النور كم شيء زهر)
    مختلّ وزنا وخاوٍ معنى. مفردات مشتتة تمّ رصفها بسداجة عسى أن تسدّ عوار سَداجته. لكنّ للخديعة، دائما، ذيولا طويلة.
    لقد أخذ السّدّاج الآيتين (وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) فجعل الضحى لون الغزال والليل شعره الأسود وجعل للغزال طُرّة، فقال (من طُرّته). ولكنه لم يدرك أن الطّرّة في عصر امرئ القيس تعني الخطة السوداء على ظهر الحمار. وكان القوم إذا نبت شعر شارب الغلام، قالوا: طَرَّ شاربه. ولا نعرف شاعرا جاهليا تغزل بالطّرة التي هي دائرة من شعر الرأس تُشَكّل على الجبين. بل رأيناها مرسومة على جباه الجواري والغلمان في أشعار أزمنة لاحقة.
    أما بقية (البيت) فلا معنى له.
    بقي البيت الأخير:
    (قلت إذا شق العذار خده/ دنت الساعة وانشق القمر)
    هنا تناقض واضح لا يقع فيه من شدا من الأدب شيئا مهما ضؤلَ، سواء كان من عصر ما قبل الإسلام أم من بعد ذلك. فأداة الشرط (إذا) تفيد المستقبل أي إن من قدراتها أن تنبئك عن شيء لم يقع بعد، أو إنه واقع عبر الزمان والمكان كما في قول أبي ذؤيب الهذلي:
    وإذا المنية أنشبت أظفارها
    ألفيت كل تميمة لا تنفعُ
    وفي التراث العربي الكثير من مثل هذا التركيب اللغوي الذي يَعْبُر الزمان والمكان، ولا يتقيد بأيّ منهما.
    أما في الذي قاله السدّاج، فإن الفعل (قلتُ) في الزمن الماضي، دخل على أداة تفيد المستقبل، مما يشكّل تناقضا في الدلالة اللغوية. ولو كان النص (قلت إذ شق العذار خده) بوقوع القول والشق في الزمن الماضي أو (سأقول إذا شقّ..) لوقوعهما في المستقبل، لقلنا إنه اقترب من الاستعمال الصحيح الذي يمكن أن يفهمه امرؤ القيس.
    وإذا فهمنا النص على علاته فذلك يعني أن العذار لم يشق خد الغزال بعد، والقمر لم ينشق بعد، بدلالة مجيء (إذا) الشرطية الدالة على ما يستقبل من الزمان. وهذا يناقض ما مر في أبياته السابقة.
    ثم ما علاقة ذلك بذكر (الساعة) مُعَرّفة بالألف واللام، فأي ساعة دنت؟ ساعة انشقاق القمر؟ إذا كانت ساعة انشقاق القمر فقد انشقّ في البيت الأول وانتهى أمره من قبل أن يشق العذار وجه الغزال.
    ثم إن العذار لا يشقّ الخد ولا أيّ شيء آخر. ولكن الشاعر عشق هذه الكلمة، فالقمر ينشق وخد غزاله ينشق أيضا، ثم ينشق القمر من بعد ذلك مرة أخرى.
    ومن العجيب أن هذا الغزال له عذار. والعذار، في عصر امرئ القيس هو لجام في فم الفرس، أو كيّ بالنار، أو جرح في وجهه. ومنه تطور الاستعمال فأطلق، لاحقا في أشعار الغزل خاصة، على خطّ من الشعر على جانبي الوجه، مثل اللحية في أول ظهورها.
    ونحن في حيرة إذ لا ندري كيف يمكن لهذا (العذار) أن يشق خد ذلك الغزال. كما لا ندري كيف لشاعر عاشق يصف خد غزاله بأنه متشقق؟ أيّ تعبير بائس هذا !
    وعلى غرار ما مرّ جميع ما نسب من شعر جاهلي للتنزيل العزيز.
    فلذلك النفر الذي لا يعلم ولا يريد أن يتعلم، أهدي فول البوصيري:
    قد تُنكرُ العين ضوءَ الشمس من رَمَدٍ
    ويُنكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سَقَمِ
    (((ملاحظة))):
    ((كل هذا لا يعني أنْ لو كان الشعر سليما لاقتنعنا بتلك الخرافة الأسطورية القائلة بأن النبيّ أخذ هذه الأشعار وجعلها آيات في القرآن. وهذا ما سنتحدث عنه في حلقة خاصة به، على الرغم من أشواك الطريق)).

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media