الشيوعيون وما أشاعوا!!
    الخميس 2 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 21:53
    د. صادق السامرائي
    عندما زرت دول أوربا الشرقية ذهلتُ بما شاهدتُ من معالم وحالات متطورة ومعاصرة وبُنى تحتية متواكبة مع زمانها , فالمدن حديثة ومدهشة.
    وحضر سؤال لماذا لم تفعل الأحزاب الشيوعية في الدول العربية ما فعلته في دول أوربا الشرقية؟

    ونهضت أجوبة متعددة , لكن جوهر الجواب الذي بدى مفتاح الوجيع والفشل , الذي أصاب أحزاب العرب الشيوعية , يمكن إختصاره بعدم فهم الفكرة , بل وتشويهها , وعجز القيادات عن تطبيعها مع الواقع العربي.

    قد يقول قائل إنه الدين , والمجتمعات التي إنطلقت فيها الشيوعية ذات أديان , وما تعارض ذلك مع ما ذهبت إليه وأنجزته , لأنها طوَّعت فكرها للواقع الذي أرادت أن تتمثل فيه , فهل يكره صاحب أي دين , توفير السكن اللائق والعمل والرعاية الصحية والإجتماعية , وتأسيس الصناعات والإنتاجية العالية , وغيرها من الخدمات التي تحافظ على قيمة وسلامة المواطن؟

    فالعرب إعتدَوا على الشيوعية , وقاتلوها وفي مقدمتهم المدَّعون بها , وبسبب جهلهم لجوهرها وعدم قدرتهم على إستثمارها واقعيا , تحوّلوا كغيرهم إلى مناضلين من أجل الكراسي , مما تسبب بتصارعات قاسية ودامية مع الآخرين الساعين إليها.

    كما أن دعوتهم المنقطعة عن الواقع ألّبت عليهم الذين أشاعوا أنها ضد الدين , وتدعو للكفر والإلحاد , وما إستطاعوا أن ينتصروا على ما أحيط بهم من التوصيفات السلبية , بل تفاعلوا معها على أنها صفاتهم , وهم الذين يجاهدون في تأكيدها وتعزيز طروحاتهم.

    وكان قادتهم يزورون الدول الشيوعية ولا يفقهون ما يتحقق في ديارها , ويتندرون في أحاديثهم على ما يشاهدونه من تقدم ورخاء بقول بعضهم "إنها برجوازية لا إشتراكية" , ولهذا تجد العديد من الحركات والأحزاب رفعت شعارات "الإشتراكية" , وفهمتها على أنها إفقار الشعب , ومساواته بالقحط والحرمان , وما فكرت بالرفاهية والتقدم العلمي والبناء بأنواعه.

    الإشتراكية التي لا تزال غير مفهومة في الواقع العربي , حولت العراق من بلد يصدر المحاصيل الزراعية إلى مستورد لها  , وأبادت النتخيل وبوَّرت الأراضي , ومصر التي كانت الأولى في جودة قطنها حولتها إلى دولة متأخرة بإنتاجه , ولا تطعم نفسها.

    اما في اليمن فتأسست دولة على أنها شيوعية , وما قدمت مثلا إيحابيا يُحتذى به , بل وما إستطاعت أن تنجز نسبة ضئيلة مما أنجزته الشيوعية في أي دولة بأوربا الشرقية.

    وهكذا فالعلة ليست بالفكر الشيوعي وإنما بالذين لم يستوعبوه ويتمثلوه , ولم يؤسسوا لمنطلقات عملية تعبر عنه , فخاضوا غمار التفاعلات الإتلافية مع باقي القوى والأحزاب والحركات المعززة بالقوى المناهضة لها آنذاك , وما عرفوا مواضع خطاهم , وتوهموا بأن حياتهم يجسدها الكرسي وحسب.

    فكان الذي كان , وتداعى الأبرياء في مدن الأحزان والعدوان!!

    فلماذا لم يكن الحال أحسن مما كان؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media