من وحي التجربة المباشرة
    الأثنين 6 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 07:46
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    في سياق تأهيل وتطوير قدرات المعلمين والمدرسين والأساتذة، يذهب الكثيرون عندما يعتقدون (خاطئين) أن مهمتهم تتحدد بــ”إيصال المادة العلمية” لعقل الطالب، بطريقة واضحة ومفهومة. والحق، فإن هذا واحد من أخطر المفاهيم التي تحيق بأنظمتنا التربوية والتعليمية عبر العالم العربي، إذ يكتفي المعلم بالقول "لقد أوضحت المادة بطريقة يفهمها الطالب حتى وإن كان متدني الذكاء”.

    ولعمري، فإن هذه ليست رسالة المعلم (إن كان يعمل في المدارس الابتدائية الأولية، أو في القاء المحاضرات على طلبة الماجستير والدكتوراه في الجامعات، ذلك أن المعلم إنما يشكل نموذجًا يرقبه الطلبة بدقة (على اختلاف مراحل دراستهم)، درجة المحاكاة. ويتذكر كل منا كيف كان أحد معلمينا الأفاضل يفوز بمحبة طلابه وتقديرهم، درجة المحاكاة، أو تتبع خطاه، بل وحتى تمثيل دوره، ناقلًا ذلك الدور التربوي من الصف الدراسي إلى البيت أو إلى سواه من ساحات العمل والحياة.

    هذه هي المسؤولية التاريخية الواقعة على ذمة المعلم الحقيقي الناجح، إذ ينبغي أن يتذكرها ويستذكرها كلما سنحت له الفرصة، فهو "النموذج” في أعين تلاميذه، بسبب ما يفرزه علمه وسلوكه من آثار مستدامة على ذهنيات الطلبة والطالبات وهم في مقتبل العمر، متابعين إياه كما لو كان أحد أولياء أمورهم (الوالد أو الوالدة). لذا، نلاحظ أن من المعلمين هؤلاء الذين يمكثون ثابتين في ذاكرة طلابهم، فنراهم يترددون عليه أو عليها للتحية والسلام، حتى بعد تخرجهم أو بعد انتقالهم لمراحل دراسية أعلى؟

    وإذا ما كمن دور المعلم "مربيًا” (وليس موصلًا مجردًا للمادة العلمية المناطة به) في هذا الحقل التربوي الواسع، فلا بد أن يراقب نفسه بدقة، أكثر من سواه من أصحاب المهن المتنوعة (غير التعليمية وغير التربوية)، خشية من الوقوع في أية زلة أو فعل يسيء لدور المعلم الاجتماعي المهم.

    وإذا ما كانت هذه الأفكار نتاج تجربتي الشخصية، مذ وعيت على المرحومة والدتي وهي تعلم البنات الصغيرات في "مدرسة الإلهام الابتدائية” ببغداد، حتى رحت ألقي المحاضرات في الأدبين الإنجليزي والأميركي على طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، فإن من واجبي أن أسجلها كي يستفيد منها سواي من المعلمين الشبان، متذكرين بأن دورهم الاجتماعي والسلوكي أخطر بكثير من أدوار سواهم من الفاعلين والعاملين في مجتمعاتنا!

    وإذا كان ذلك ينطبق على تجربتي الفردية، فإنه ينطبق بشكل أكثر دقة على الإناث من المعلمات (من المرحلة الأولية إلى المرحلة الجامعية وما بعدها)، ذلك أن الطالبات غالبًا ما يكن أكثر تعلقًا بمعلماتهن وأكثر ميلًا لمحاكاتهن سلوكيًّا وتربويًّا: فالنظافة والهندام اللائق والحرص على العمل الدؤوب وجمال الطلعة الحنان والمتابعة، من بين سواها من الصفات الطيبة، تلعب أدوارًا عظيمة التأثير على البنات والشابات الواعدات من طالباتنا النجيبات.

    لذا، يقال: إذا شئت إصلاح مجتمع ما، فعليك العناية بالمعلم والقاضي!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media